المظاهر الاقتصادية في صوائت العربية

ثلاثاء, 10/31/2017 - 14:01

المظاهر الاقتصادية في صوائت العربية

 

أ‌. حمـزة بوجـمل

جامعة سيدي بلعباس- الجزائر

 

يعدُّ الاقتصاد اللغوي من أهمّ الظواهر التي تميز اللغة الصوتية عن بقية الوسائل التعبيرية الأخرى، إذ بفضله صارت أداةَ التواصل الأنجع القابلة للاستعمال العام، والقادرة على إيصال معلومات بمقدار مهول وبجهد زهيد؛ وذلك لأنّ اللغة أصوات محدودة يعبّر بها عن معان و أغراض لا محدودة. و الاقتصاد لغةً لا يخرج عن الاستقامة والتوسّط، والعدل والاعتدال، والسّهولة، والقلّة والإصابة([1]). أمّا في اصطلاح دارسي اللغة فهو: " أن تُعبِّر بالقليل المتناهي عن الكثير غيِرِ المتناهي" ([2])، أو هو: "أن يبلغ المتكلمُ أكبر عدد ممكن من الفوائد، بأقلِّ كمّية من الجهود الذهنية والعلاجية لآلة الخطاب"([3]). ويعبَّر عنه أحياناً بقانون الجهد الأدنى، أو قانون السهولة والتيسير بالاختزال لبعض الأصوات أو الاقتضاب أو الإدماج أو التخفيف مع المحافظة على الأنماط والمعاني المقصودة. وللصوائت دور فاعل في تحقيق هذه الظاهرة بسلوكها الاقتصادي داخل التشكيل، وما تضطلع به من وظائف عبر المستويات اللغوية، غير أنها لم تنل ما نالته الصوامت من الاهتمام في جلّ الدراسات القديمة، وقد بدأت الدراسات الحديثة تحاول الكشف عن مكنوناتها ومميزاتها، وتجمع شتاتها في ظل ما تمليه مناهجها، مستفيدة من النتائج المخبرية التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة.

أولاً: مـفـهـوم الصّـوائت:

إنّ الأصوات اللغوية التي يصدرها الإنسان تنقسم إلى قسمين رئيسيين، هما: الصّوامت consonnes،و الصّوائت  voyelles، وأهم صفة فاصلة بين القسمين هي ما يعترض الهواء المندفع في الحلق والفم عند النّطق بالأصوات؛ فالصّوامت "إمّا ينحبس معها الهواء انحباساً محكماً فلا يُسمح له بالمرور لحظة من الزمن يتبعها ذلك الصّوت الانفجاري، أو يضيق مجراه فيحدث النّفس نوعاً من الصّفير أو الحفيف."([4])، في حين أنّ الصّوائت تتميّز بنطق مفتوح ولا يعترض هواءها أيُّ عائق([5])، والصّوائت في اللغة العربية هي ما اصطلح القدماء على تسميته بالحركات من فتحة وكسرة وضمّة، وكذلك ما سمّوه بألف المدّ، وياء المدّ، وواو المدّ، وما عدا ذلك فصوامت. وما يدلّ على أن الحركات وأصوات المدّ شيء واحد(صوائت) قول ابن يعيش XE "ابن يعيش" : « الحركات والحروف(المدّية) أصوات وإنّما رأى النحويون صوتاً أعظم من صوت فسمّوا العظيم حرفاً والضعيف حركة وإن كانا في الحقيقة شيئاً واحداً»([6])

تعرف هذه الصّوائت في الدّراسات الصّوتية العربية بعدّة مصطلحات، فقد أطلق الخليل XE "الخليل"  على الصّوائت القصيرة اسم الحركات، والطّويلة اسم الحروف الهوائية أو حروف الجوف([7]). وأطلق سيبويه XE "سيبويه"  عليها مصطلح حروف المدّ واللين([8])، وفي مواضع أخرى حروف المدّ، واصطلح آخرون منهم الفخر الرّازي([9]) عليها بمصطلح المصوّتات للدّلالة على أصوات المدّ والحركات جميعاً. أمّا من المحدثين فقد أطلق عليها إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" أصوات اللّين في مقابل الأصوات السّاكنة([10])، وعُرفت بالعلل في مقابل الصّّحاح لدى تمّام حسّ XE "تمام حسان" ان([11])، أمّا أحمد مختار عمر XE "أحمد مختار عمر"  فأطلق عليها اسم العلل أيضاً ولكن في مقابل السّواكن([12])، وعُرفت بمصطلح أصوات المدّ مع غالب فاضل المطلبي([13])، كما ظهرت تحت مصطلح الحركات ولكنّها تشمل القصيرة والطويلة في مقابل الصّوامت مع سمير شريف  استيتية([14])، أمّا محمد الأنطاكي XE "محمد الأنطاكي"  فأسماها بالطّليقة قسيمة للحبيسة([15]).

ثانياً: خصائصها النّطقية والأكوستيكية (الفيزيائية)

أ/ خصائصها النّطقيّة:

إنّ أغلب التّعريفات التي فرّقت بين الصّوامت والصّوائت بُنيت على الأساس الفسيولوجي، ومنها ([16]):

- قول هنري سويت XE "هنري سويت" : إنّ التّفريق الأساسي بين العلل وبين الصّحاح يتمثّل في أنّ تشكّلات الفم مع العلل إنّما تعدّل الهواء المجهور فحسب. وهو فيما عدا هذا عنصر جوهري فيها، ولكن تضييق مجرى الهواء أو إقفاله هو أساس الصّوت الصّحيح، على حين تكون حالة الحنجرة شيئاً ثانوياً.

- قول تروبتسكوي XE "تروبتسكوي" : إنّ خاصّية الصّحيح، بعبارة أخرى، هي إنشاء عقبة في طريق الهواء، أو فتح هذه العقبة، على حين تبدو خاصّية العلّة في صورة انعدام أيّة عقبة أو تعويق.

- قول فندريس XE "فندريس" : كلّ العلل يقتضي أن يكون الفم مفتوحاً، ولو اختلف هذا الفتح في الحجم، ولكنّه دائماً أكبر ممّا هو مع الصّحاح.

كما عرّفها دانيال جونز XE "دانيال جونز" على هذا الأساس، بأنّها صوت مجهور ينبعث الهواء أثناء تشكيله في تيار متتابع خلال الحلق والفم ولا يوجد معه إعاقة أو تضييق يسمح بوجود احتكاك([17]).

وقد تمكّن علماء العربية القدماء من معرفة الكثير من خصائص الصّوائت على الرّغم من افتقارهم لوسائل البحث الصّوتي التي يحظى بها المحدثون، فقد وصفها الخليل XE "الخليل"  بأنّها هوائية وجوفية وقال: « ...إنّما هي هاوية في الهواء فلم يكن لها حيزٌ تنسب إليه إلا الجوف»([18])، و نسبها إلى الجوف لأنّه آخر انقطاع مخرجها، وأشار سيبويه XE "سيبويه"  لها في قوله: «وهذه الحروف غيرُ مهموسات وهي حروف لين ومدّ ، ومخارجها متّسعة لهواء الصّوت، وليس شيء من الحروف أوسعَ مخارج منها؛ ولا أمدَّ للصّوت؛ فإذا وقفت عندها، لم تضمَّها بشفة ولا لسان ولا حلق كضمّ غيرها؛ فيهوي الصّوتُ إذا وجد متّسعاً حتّى ينقطع آخرُه في موضع الهمزة»([19]). وذكر سيبويه عن الخليل أنّ الفتحة والضمّة والكسرة أجزاءٌ من الألف والواو والياء([20]). وقال ابن جنّ XE "ابن جني" ي  في مخارجها: «فإن اتّسع مخرج الحرف حتّى لا يقتطع الصّوت عن امتداده واستطالته، استمرّ الصّوت ممتداً حتّى ينفد، فيفضى حسيراً إلى مخرج الهمزة، فينقطع بالضرورة عندها إذ لم يجد منقطعاً فيما فوقها. والحروف التي اتّسعت مخارجها ثلاثة: الألف، ثم الياء، ثم الواو وأوسعها وألينها الألف»([21]).

وقد تمكّن علماء الأصوات المحدثون وفي مقدّمتهم العالم دانيال جونز XE "دانيال جونز"  من تحديد الأوضاع الأساسية التي يمكن أن يتّخذها اللسان في داخل فراغ الفم في أثناء نطق الصّوائت، فوضعوا ثماني صوائت رئيسة في لغات العالم على وفق ثلاثة معايير هي([22]):

- الوضع العمودي للسان: النّظر في ذلك الجزء من اللسان الذي يفوق غيره في الارتفاع عند نطق صائت ما ( أعلى -  أسفل).

- الوضع الأفقي للسان: النّظر في الدّرجة التي يتقدّم بها اللسان أو يتخلف ( أمام - خلف ).

- أوضاع الشّفتين: النّظر في كون الشّفتين مدوّرتين عند نطق الصّائت أم لا. وإذا لم تكونا مدوّرتين فهل هما منبسطتان أو في وضع محايد.

ب/ خصائصها الأكوستيكية:

لقد قرّر علماء الفيزياء "أنّ الصّوت الإنساني ناتج عن إحداث نوع خاص من الموجات المركّبة"([23])، واستطاعوا بفضل اختراع جهاز الرّاسم الطّـيفي وأجهزة أخرى التفريق بين الأصوات في الشدّة والتردّد والعلو. وعرّفوا الصّائت من النّاحية الأكوستيكية بأنّه ظاهرة ناجمة عن تغيّر طولي في معدّل سرعة الصّوت. وكون التّغير طولياً يعني أنّ التغيّر ناجمٌ عن طريقة منشأ الصّوت، إذ تكون سرعة التردّد في الصّوائت مغايرةً لسرعة التردّد في الصّوامت. وبذلك لم تعد صفات الصّوت اللغوي بعد إقحام الدراسات الفيزيائية والسّماعية في حقل الدراسات اللغوية مجرّد انطباعات إدراكية، بل أصبحت باستعمال الأجهزة أموراً ماديةً يمكن قياسها بدقـّة، إذ باستعمال أجهزة التحليل الطيفي تمكنوا من تحديد الصفات السماعية للأصوات اللغوية، وانتهوا إلى أنّ الصائت نغمة مركـّبة تتكون من عدد من الحزم وأنّ الحزمتين الأولى والثانية أهمّ هذه الحزم حيث يمكن أن يحدّد نوع الصائت بواسطة درجة تردّد هاتين الحزمتين، وقد طبّقوا ذلك على الصّوائت المعيارية كما نطقها دانيال جونز.

إنّ صوائت اللغة العربية الفصحى أصواتٌ مجهورة كما أوردها إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" : « والأصوات السّاكنة (consonnes) المجهورة في اللغة العربية كما تبرهن عليها التّجارب الحديثة هي ثلاثة عشر: ب ج د ذ ر ز ض ظ ع غ ل م ن. يضاف إليها كلّ أصوات اللين (voyelles) ، بما فيها الواو والياء»([24])، وتردّدها أو تواترها(la fréquence) أعلى بكثير من تواتر الصوامت، وهذا ما يجعلها تقطع مسافات أطول ولها قوة إسماع أكبر.

ثالثاً: وظـائـف الصّـوائـت:

للصّوائت وظائف متعدّدة بحسب المستوى اللغوي، فهي في المستوى الصّوتي تقوم بدور الوصل بين الأصوات الصّامتة، كما تقوم بوظائف دلالية في بنية الكلمة في المستوى الصّرفي؛ إذ تمثل الصوامت الجانب الثابت الذي يؤلف هيكل الكلمة، وتمثل هي الجانب المتغير الذي يحدّد صيغتها ويمنحها معناها، وبذلك تزداد قيمتها باعتبارها العامل الحاسم في خلق الكلمة العربية([25]). إضافة إلى قيامها بوظائف نحوية كعلامات إعرابية في آخر الكلمة في المستوى التركيبي. وقد فطن القدماء إلى الدّور الذي تؤدّيه الصّوائت في تشكيل العربية، بأنّ "الفتحة والكسرة والضمّة زوائد، وهنّ يلحقن الحرف ليوصل إلى التكلـّم به. والبناء هو السّاكن الذي لا زيادة فيه. فالفتحة من الألف، والكسرة من الياء، والضمّة من الواو"([26]).و يقول الرماني XE "الرماني" : « يتوصل بالحركة إلى النطق بالحرف ولا يتوصل بالحرف إلى النطق بالحرف»([27])، ويقابل الحركة بالسكون مبيّناً: "أنّ الحركة تمكّن من إخراج الحرف والسكون لا يمكّن من ذلك"([28])، ويقول أيضاً: «إذا تحرك الحرف اقتضى الخروج منه إلى حرف آخر»([29]). ويعقّب الدكتور الحاج صالح على الأقوال السابقة قائلاً: «من هذا الكلام نفهم أنّ للحركة (الصائت القصير) دورين هامين جداً تتفرد بهما هي وحدها دون الحروف التوام(الجامدة منها واللينة) وهو تمكين الناطق من إحداث الحرف أولاً، وتمكينه ثانياً من الانتقال من مخرج حرف إلى مخرج حرف آخر»([30])، وهو يبين أنّ المقصود بالحركة (الصّائت القصير) الحركة العضوية الهوائية التي تمكـّن من إخراج الصامت والانتقال منه إلى صامت آخر.

إلا أنّ قطرب قد أخذ فكرة الوصل هذه ونفى بها الوظائف النّحوية للصّوائت، لأنّها دخلت الكلام في زعمه للوصل أو تخفيفاً على اللسان([31])، ونقل الزجّاجيXE "الزجّاجي"  رأيه فقال: «قال قطرب: وإنّما أعربت العرب كلامها لأنّ الاسم في حال الوقف يلزمه السّكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسّكون أيضاً لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل، وكانوا يبطئون عند الإدراج، فلمّا وصلوا وأمكنهم التّحريك، جعلوا التّحريك معاقباً للإسكان، ليعتدل الكلام… »([32]). وأيّد إبراهيم أنيسXE "إبراهيم أنيس"  من المحدثين هذا المذهب، حيث قصر مجيء الحركة الإعرابية على التخلّص من التقاء السّاكنين، وبسط رأيه في حديث طويل أسماه (قصّة الإعراب)([33])، انتهى فيه إلى أنّ صوائت أواخر الكلمة لم تكن تفيد تلك المعاني التي ذكرها النّحاة من فاعلية ومفعولية وغير ذلك، وإنّما هي صوائت دعا إليها نظام المقاطع وتواليها في الكلام الموصول.

ويبدو أنّه لا تعارض في أن تقوم هذه الصّوائت بدور الوصل بين صوامت الكلمة الواحدة، أو بين صوامت الكلمتين سواء كانت حركة إعراب أو بناء، وفي نفس الوقت تتكفّل بالتّفريق بين الأبنية المختلفة، وتكون علامة إعرابية لها وظائف نحوية في التّركيب، على أن يقدّم الإعراب (المعنى) أولاً؛ لأنّ المتكلم لو كان مخيّراً فيها لأجزأه أيّ صائت يختاره.

تسند للصّوائت وظائف في غاية الأهمّية، إذ تقوم بتجميع الصّوامت مع بعضها البعض لتأليف الكلام أولاً، ثم تقوم بإعطائها قوة على الإسماع؛ فهي موجودة في كلِّ مقطع من المقاطع المؤلفة للكلمة في العربية حيث تمثّل النواة، وأنّ عددها يكفيك لمعرفة عدد المقاطع، إضافة إلى الوظائف الصّرفية والنّحوية التي تضطلع بها، كلّ هذا جعلها أشيع الأصوات اللغوية في العربية. والذي ساعد على هذا الشيوع وتحمّل كلّ هذه الوظائف هو تناسبها مع قانون السهولة واليسر، لأنّ نطق الصّائت أسهل من نطق الصّامت، حيث لا يحتاج الصّائت إلى حبس تيار النّفس أو إعاقته كما لا يحتاج إلى مكان نطق محدّد، وهو ما يفهم من قول القرّاء بأنّها تسمّى بحروف المدّ واللين، "لأنّها تخرج بامتداد و لين من غير كلفة على اللسان لاتّساع مخرجها، فإنّ المخرج إذا اتّسع انتشر الصّوت فيه وامتدّ ولان، وإذا ضاق انضغط فيه الصوتُ وصلُب، وكل حرف مساو لمخرجه إلا هي فلذلك قبلت الزيادة وأمكن فيها التطويل والتوسّط بخلاف غيرها من الحروف"([34]).

وقد فاضل القدماء بين الصّوائت اعتماداً على معيار الجهد العضليّ، أو ما يسمّى بالخفّة والثّقل أثناء النّطق، ومن ذلك قول الخليل XE "الخليل" :«....وأنت تتكلّف في إخراج الضمّة إلى تحريك الشّفتين مع إخراج الصّوت، وفي تحريك الفتحة إلى تحريك وسط الفم مع إخراج الصّوت، فما عمل فيه عضوان أثقل ممّا عمل فيه عضوٌ واحد»([35]). ويقول إبراهيم أنيس: «على أنّه حين نتساءل عن أيِّ الصّوتين أيسر في النّطق أو أيّهما الذي يحتاج إلى جهد عضليّ أكثر، نجد الضمّة هي التي تحتاج إلى جهد عضلي أكثر، لأنّها تتكون بتحرّك أقصى اللسان، في حين أنّ الكسرة تتكوّن بتحرّك أدنى اللسان، و تحرّك أدنى اللسان أيسر من تحرّك أقصاه»([36])، ويقتضي ترتيب الصّوائت وفق معيار الجهد العضلي أن توضع الضمّة في المقدّمة لثقلها في النّطق فالكسرة ثمّ الفتحة التي تعدّ أقلَّ الصّوائت كلفةً، وأكثرَها شيوعاً في أبنية الكلام وتراكيبه لخفّتها وسهولةِ لفظها.

كما أشار سيبويه XE "سيبويه"  إلى هذا الترتيب في أثناء كلامه على تخفيف ما أصله التحريك بالسّكون، بأنّ الفتحة تخفّف رغم خفّتها إذا كان ما بعدها مضموماً أو مكسوراً، لأنّهم كرهوا الانتقال من الأخفّ إلى الأثقل([37]).  و قال ابن جنّ XE "ابن جني" ي : «أرى الدّليل على خفّة الفتحة أنّهم يفرّون إليها من الضمّة كما يفرّون من السّكون»([38])، كما استقرى النّحاة علامات الإعراب والبناء، فوجدوا الفتحة أكثرها لأنّ المنصوبات أكثرُ من المجرورات والمرفوعات، وكذلك ما بني على الفتح أكثر من غيره، لأنّهم جعلوا " الأثقل للأقلّ لقلّة دورانه، والأخفَّ للأكثر ليسهل ويعتدل الكلام بتخفيف ما يكثر وتثقيل ما يقلّ"([39])، ويؤيّد هذا الإحصاءاتُ التي قام بها المحدثون، فقد أُجري إحصاءٌ للصّوائت في سورة الضّحى فكانت نسبة ورود الفتحة (99 مرة ) والكسرة (15 مرة) والضمّة (7 مرات)([40])، وهذا يؤكّد صحّة تصوّر القدماء من علماء العربية لنسب ورود هذه الصّوائت في الأبنية والتّراكيب العربية، وكذلك قام الخولي XE "الخولي"  بوضع قائمة تمثّل شيوع الأصوات اللغوية في العربية، وقد احتلّت الفتحة والكسرة الموقعين الأوّلين على التّوالي وتأخّرت الضمّة للمرتبة السّادسة في هذه القائمة([41]).

وما قيل على الصّوائت القصيرة ينطبق تماماً على الصّوائت الطويلة فالواو أثقلها تليها الياء ثمّ الألف أخفّها، إذ الفرق بينها فرق في الكمّية لا في الكيفية، بمعنى أنّ وضع اللسان في كليهما واحد، ولكنّ الزّمن يقصر ويطول في كلّ صوت، فإذا قصر كان الصّوت قصيراً وإذا طال كان الصّوت طويلاً، وفي ذلك يقول ابن يعيش XE "ابن يعيش" : «اعلم أنّ الواو أثقل من الياء والألف، والمعني بالثقل أنّ الكلفة عند النّطق بها تكون أكثر، والياء أخفّ من الواو وأثقل من الألف وإذا تدبّرت ذلك عند النّطق بالحرف وجدته صحيحاً » ([42]). يتبيّن لنا ممّا سبق أن لا فرق في الجهد العضليّ المبذول في الصّوائت القصيرة والطويلة إلا في الزّمن الذي إذا تلبّس بالصّائت القصير مدّة أطول من حقـّه، يصبح صائتاً طويلاً، حيث يُستخدم لأغراض دلالية وموسيقية.

إنّ اللغة العربية الفصحى تستعمل الصّوائت بطريقة اقتصادية عجيبة، لأنّها حقّقت بأقلّ وأسهل الأصوات فوائد عدّة، فاختارت أقلّ عدد يحويه نظام الصّوائت في اللغات المعروفة، وهو ثلاثة صوائت u) ،  a  ، i)، في حين أنّ اللغات الأخرى قد أوغلت في استخدامها ، ابتداءً من خمسة صوائت إلى ما يفوق التّسعة([43])، ويقول كمال بشر XE "كمال بشر"  في الصّوائت العربية:« هذه الحركات القليلة العدد ظاهرة بارزة تستحقّ النّظر والتأمّل إذا قيست بما يناظرها في اللغات الأخرى»([44])، ثم بيّن لنا أنّ قلّة الصّوائت "في لغة ما حسنةٌ من حسنات هذه اللغة في النّطق والأداء الفعلي للكلام. ذلك أنّ الحركات - في عمومها- أصعب من الأصوات الأخرى وأكثرها تعرّضاً للتغيّر والتبدّل. ومن الطّبيعي أنّه كلّما زاد عدد الحركات كانت صعوبة النّطق أقوى احتمالاً وظاهرةُ التغيّر والتّحوّل أكثرَ وقوعاً."([45])

لا شكّ أنّ الصّوائت أقلّ كلفةً على جهاز النّطق من الصّوامت لما ذكرنا سابقاً في وضعها الحرّ أثناء إنتاج الصّوت لاتّساع المخرج وعدم وجود التّعويق، ولكنّ المشقّة تكمن في القرب الشّديد بينها إذ يؤدّي أيُّ انحراف إلى سوء الفهم، خاصّة مع كثرة دورانها و وضوحها السّمعي الذي تمتلكه قياساً بالأصوات الصّامتة ما يجعل الانحراف في نطقها واضحاً ومستكرهاً، وهذا ما يجعل كثرةَ عدد الصّوائت تنهك النّاطق والسّامع في تمييزها عن بعضها البعض، خصوصاً في تعلّم اللغات الأجنبية.

وما يزيد من صعوبة الصّوائت هو عدم ارتكازها على موضع محدّد(مخرج) أثناء صدورها، ما يجعلها كثيرة التّغير مع مرور الزّمن واختلاف البيئات والعادات.

والعربية الفصحى تجنّبت هذه التّعقيدات باختيار ثلاثة صوائت فقط اثنان متقابلان أحدهما في مقدّمة اللسان والآخر في أقصاه والثّالث في الوسط، وتضاف لها ثلاثة أخرى إذا أُخذ الطول والقصر في الحسبان، "وعلى الرّغم من هذه القلّة النّسبية في عدد الحركات العربية، فإنّ لهذه الحركات دوراً خطيراً في المادّة اللغوية على كلّ المستويات. فهي – بالإضافة إلى دورها الصّوتي المتمثّل في كونها لبنات أساسيةً في البناء الصّوتي للغة – تؤدّي وظائف ذات أهمية فائقة على المستوى الصّرفي والمعجمي والدّلالي والنّحوي جميعاً."([46])، وكلّ ما عدا هذه الصّوائت لا يدخل إلا ضمن التغيرات التّركيبية التي تفرزها التوازنات الصّوتية داخل التّشكيل، أو التنوّع اللهجي، وقد تؤدّي هذه الانحرافات إلى معرفة لكنة المتكلّم أو بيئته ومدى أصالته في اللغة ولكن لا تصل إلى سوء الفهم والإخلال بالمعنى، ولعلّ هذه القلّة العددية للصّوائت العربية هي التي ساهمت في ثباتها واستقرارها، وضمنت بقاء لغتها محتفظةً بخواصّها الصّوتية الأساسية على مرّ الزمن.

رابعاً: مظاهر الاقتصاد في سلوك الصّوائت داخل التّشكيل:

إنّ الأصوات اللغوية في تتابعها وائتلافها في السّلسلة الكلامية ترتبط مع بعضها البعض مكوّنةّ نظاماً بديعاً يسوده الانسجام والتوافق في ظلّ سلسلة من الحركات النّطقية المعقّدة([47])، غير أنّ هذا النّظام قد يتصدّع ويختلّ توازنه نتيجة التّضارب القائم بين الأصوات في السّلسلة الكلامية([48]). وهذا التّضارب والتّعارض الذي يهزّ الأصوات في تجمعاتها مردّه إلى الصّلات التي تربط هذه الأصوات بعضها ببعض في بناها التركيبية؛ وهذا لما تؤدّيه المزاوجة بين بعض الأصوات في السلسلة الكلامية، كتوالي المِثلين والمتقاربين والمتعارضين([49]) حيث تتسبّب في إثقال العملية النطقية، فيتدخّل جهاز النطق على مستوى المخارج والصفات لبعث التوافق والانسجام عن طريق إجراء بعض التّعديلات التي تختلف باختلاف الإشكال الصّوتي الذي ألـمّ بالصّيغة، فيُقَرَّب صوتٌ ويُبعد ثان ويُحذَف آخر، وتُلبس صفة وتُخلع أخرى، حتّى تزولَ التّصدّعات الصّوتية ويبعثَ التوافق بين الأصوات في مجاميعها تخفيفاً للنّطق واقتصاداً في الجهد المبذول.

تسمى هذه الظواهر التي تتوسّل إليها اللغة في معالجة أنواع التّصدّعات التي تحلّ بأصوات التّركيب بالظّواهر التّوازنية، لأنّ وظيفتها تمكين اللغة من تجاوز تلك الاختلالات الصّوتية بغية تحقيق التّوازن بين عناصرها ليعمّ التوافق والانسجام بين أصوات التّركيب، وتنتجَ في سهولة ويسر وبأقلّ جهد ممكن.

ومن هذه الظّواهر التّوازنية أو الإجراءات التّكييفية ظاهرة المماثلة الصّوتية التي تعمل على إعادة التّوافق والانسجام لعناصر النّظام الصّوتي المتنافرة، وتحقيقها بأيسر الطّرق الممكنة اقتصاداً في الجهد المبذول. ويدرج ضمنها كلُّ الظواهر التي تقوم على تقريب الصّوت من الصّوت على مستوى الصّوائت والصّوامت، وهو إجراء تلجأ إليه اللغات لدرء كلِّ تصدّع يلحق بالمجاميع الصّوتية في رحلتها التّواصلية. والعربية من جملة اللغات الحية التي توظّف الظّواهر التوازنية على أوسع نطاق، وبأنواعها المختلفة للقضاء على الاختلالات التي وُجدت في الاستعمال أو فرضها الصّوغ القياسي. ولعلّ المماثلة الصّوتية بأضربها وأشكالها المختلفة من أكثرها استخداماً.

نقصد بالمماثلة الصّوتية ما استقرّ في الدّراسات اللسانية الحديثة أو ما يكاد يجمع عليه الدّارسون المحدثون على أنّها شاملة "لكلّ تأثير يحدث بين صوتين متجاورين فيقارب بينهما مهما كان مبلغه"([50])، وهي في نظر بعضهم تلك " التّعديلات التّكييفيّة للصّوت حين مجاورته لأصوات أخرى"([51])، ويرى آخرون أنّها " تحوّل الفونيمات المتخالفة إلى متماثلة، إما تماثلاً جزئياً أو كلياً"([52]). فالمماثلة بهذا المفهوم تستغرق كلّ التّقلّبات الصّوتية التي تتّجه في معرض استقرارها صوب التّقارب والتّماثل.  وهي تستوعب ظواهر الإبدال والإعلال والإدغام لأنها تعمل على التقريب بين الأصوات صوامت وصوائت كما تصوّره القدماء أمثال سيبويه XE "سيبويه"  وابن جني، فقد أطلق الأول مصطلح الإدغام والتقريب على إشمام الصّاد صوت الزّاي في (صدر) وعلى إمالة صوت الفتحة نحو الكسرة كما في قولك: (عابِد وعالِم، ومساجِد ومفاتيح)  والإعلال في نحو: (ميزان وميعاد). وقد عرّف ابن جني XE "ابن جني"  الإدغام بأنّه: "تقريب صوت من صوت"([53])، و جعله شاملاً للصّوامت والصّوائت،معبِّراً عن مطلق التأثّر بين الأصوات، وسواء أأفضى هذا الإدغام إلى فناء أحدهما في الآخر أم كان جزئياً تنازل فيه أحد الصّوتين عن صفته ليماثل الآخر([54]).

أ/ المماثلة بين الصّوائت:

قد حرصت العربية عبر تاريخها الطّويل على توفير الانسجام والتوافق بين أصواتها في تتابعها، والتّخلّص من كلّ تعثّر في النّطق أو تنافر يشقّ على المتكلّم أو يجهده، ويظهر هذا في ما أسماه القدماء بكراهية أو استثقال توالي الأضداد. ، ومنها تتابع الصّوائت التي يستعصى أو يستثقل نطقها فينزع بها إلى التّماثل للتّقريب بينها، والاستثقال المستبعد قد يظهر في الاستعمال مدّة من الزّمن ثم عن طريق التّطور يسير نحو الانسجام والتّوافق تيسيراً لعمليّة النّطق واقتصاداً في الجهد العضليّ([55]). وقد لا يوجد في الاستعمال الفعليّ للغة، ويعرف فقط من العودة للأصول القياسية للكلام، وهو ما قال فيه ابن جنّ XE "ابن جني" ي: "وإنّما معنى قولنا: إنّه كان أصله كذا: أنّه لو جاء مجيء الصّحيح ولم يُعلل لوجب أن يكون مجيئه على ما ذكرنا. فأمّا أن يكون اُستُعمل وقتاً من الزّمان كذلك، ثم اُنصُرِف عنه فيما بعد إلى هذا اللفظ فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النّظر"([56]).

يتخلّص العرب من تتابع الصّوائت المتنافرة أو التي يكلّف إنتاجها مجهوداً عضلياً زائداً عن طريق التّقريب بينها بالمماثلة، التي تقضي بقلب أحد المتنافرين من جنس مجاوره ليعمل اللسان في اتجاه بعينه عملاً واحداً.

ومن المستثقلات التي ذكرها القدماء وعملت اللغة على تماثلها هو تتابع صائتي الضمّ والكسر، فقد ورد في تعليق سيبويه XE "سيبويه"  على قول أبي النجم XE "أبي النجم" : (لو عُصْرَ منه البانُ والمسكُ انعصر)، أنّهم: «كرهوا في (عُصِر) الكسرة بعد الضمّة، كما يكرهون الواو مع الياء في مواضع. ومع هذا أنّه بناء ليس من كلامهم إلا في هذا الموضع من الفعل، فكرهوا أن يحوّلوا ألسنتهم إلى الاستثقال»([57]). وقال الفرّاء XE "الفرّاء"  أنهم: « يستثقلون كسرة بعدها ضمّة، أو ضمّة بعدها كسرة»([58])، وعلّة ذلك عنده أنّ في نطقهما مؤونةً على اللسان والشفتين، عكس الفتحة التي تخرج بلا كلفة([59]). ولذلك أهملوا البنائين (فُعِل و فِعُل) في صياغة الأسماء، كما لم يرضوا بـ  (فُعِل) في الأفعال إلا في الثلاثي الذي لم يسمَّ فاعله([60]). وفي هذا الصدد نورد بعض التتابعات التي ظهرت فيها تلك المستثقلات وما يحدث بينها من تقريب يدرج ضمن مبحث المماثلة:

من أمثلة المماثلة المقبلة أو التقدّمية بين الصّوائت ما يحدث لصائت الضمّ في ضمير النّصب والجرّ الغائب الذي يتأثر في كلّ مواقعه الإسنادية بصائت الكسر القصير و الطّويل قبله أو الياء، فيتحول إلى صائت الكسر استجابة لقانون المماثلة، نحو:  ضَرَبْتِـهُ، بِرجْلِهُ، فيـهُ، عَليْـهُ، بِهـُـنَّ، بِهـُما، فتصبح على التّوالي: ضَربْتِهِ، بِرجلِهِ، فيهِ، عليـْهِ، بـِهــِنَّ، بِهـِما([61]). وقد حافظت القبائل الحجازية على الأصل في نطقها، الذي قرأ به حفص عن عاصم XE "عاصم"  في موضعين هما:

â وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكرهá الكهف 63. و â ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله á الفتح 10.

وقد تطرّق سيبويه XE "سيبويه"  إلى هذا النّوع من التّأثير على أنّه كان للاستخفاف من ثقل الضمّة بعد الكسرة، لأنّهما لا يلزمان حرفاً أبداً، و أنَّ "الهاء تكسر إذا كان قبلها ياء أو كسرة"([62])

ومن صور التّماثل المقبل أيضاً إبدال صائت الكسر القصير ضمّة استجابةً لتأثير صائت الضمّ قبله وذلك في نحو قول بعض العرب: مُنْـتـُن في مُنـْتِِـن([63])، حيث لا يفصل بين الضم والكسر إلا ساكن، فكرهوا الجمع بينهما في بناء واحد غير الفعل.

ومن الصّور التي فيها فصل بين المتماثلين بأكثر من صامت قولهم: مُنْحَدُر في مُنْحَدِر([64]) حيث أبدلت كسرة الدّال ضمّة تماثلاً مع ضمّة الميم لكراهة الخروج من ضمّ إلى كسر كما قالوا. وكلّ ذلك التّقريب طلباً للتّماثل، وإيثاراً للعمل من وجه واحد، وتخفيفاً للنّطق واقتصاداً في الجهد.

ومن التماثل المقبل الذي يحدث بين كلمتين والذي يسمى عند القدماء بالإتباع قلبُ كسرة اللام من لفظ الجلالة ضمّة تأثراً بضمّة الدّال التي قبلها من كلمة الحمدُ في قوله تعالى: â الحمدُ لُـلهá .الفاتحة 02. لقد عدَّ ابن جني XE "ابن جني"  هذا الإجراء من ضروب الإدغام أو التقريب بين الصّائتين المتخالفين، مُرجعاً هذا التّغير لكثرة الاستعمال فقال: "فلمّا اطّرد هذا ونحوه لكثرة استعماله أتبعوا أحد الصّوتين الآخر وشبّهوهما بالجزء الواحد وإن كانا جملة من مبتدإ وخبر، فصارت "الحمدُ لُله" كعُنُق وطُنُب، و"الحمدِ لِله" كإبِل وإِطِل إلا أنَّ الحمدُ لُله بضمّ الحرفين أسهل من الحمدِ لِله بكسرهما"([65])، ويوضّح أن القراءة بضمّتين أسهل من القراءة بكسرتين لسببين اثنين([66]):

الأوّل: أنّ إتباع الثّاني بالأوّل أقيس من إتباع الأوّل بالثّاني.

والآخر: أنّ ضمّة الدّال في الحمدُ ضمّة إعراب، وكسرة اللام في لِله كسرة بناء، وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء.

يبدو أنّ ابن جنّ XE "ابن جني" ي قد غلَّب معيار الإعراب على معيار النّطق فحكم بالسّهولة للتّتابع الذي يحافظ على علامة الإعراب ويتصرّف في صوائت البناء، غير أنّ معيار النّطق يقتضي العكس لأنّ الضمّة أثقل من الكسرة وتتابع كسرتين أيسر من تتابع ضمّتين.

وقد يُعدَل عن الصّائت الخفيف إلى ما هو أثقل منه طلباً للمماثلة ورفع اللسان من موضع واحد كما جاء في إبدال بعض العرب الفتحة ضمّة لوجود ضمّة قبلها في نحو قولهم: السُّـؤدُد والتي كان أصلها السُّـؤدَد.

ومن صور التّماثل السّابقة ما حدث في جمع المؤنث السالم للاسم الذي على وزن فـعْـلـة مثلث الفاء، ساكن العين، فحين يجمع تحرّك عينه بما يناسب حركة الفاء قبله كما يلي:

مماثلة الضمة للضمة وذلك نحو: خُطْوة، غُرْفة، ظُلْمة لتصبح بعد الجمع على التّوالي: خُطُوات، غُرُفات، ظُلُمات، يقول سيبويه XE "سيبويه"  في ذلك: «وأمّا ما كان (فُـعْلة) فإنّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد ألحقت التّاء وحرّكت العين بضمّة، وذلك قولك: رُكْبة ورُكُبات، وغُرْفة وغُرُفات، وجُفْرة وجُفُرات....»([67])

مماثلة الكسرة للكسرة نحو: سِدْرة سِدِرات، وكِسْرة كِسِرات، يقول سيبويه XE "سيبويه" : « وما كان( فِعْلة) فإنّك إذا كسّرته على بناء أدنى العدد أدخلت التّاء وحرّكت العين بكسرة، وذلك قولك: قِرِبات وسِدِرات وكِسِرات»([68]).

مماثلة الفتحة للفتحة نحو: جَفْنة وجَفَنات وسَلْوة وسَـلـَوات، يقول سيبويه XE "سيبويه" : «وأمّا ما كان على (فََعْلة) فإنك إذا أردت أدنى العدد جمعتها بالتاء، وفتحت العين، وذلك قولك: قَصْعة وقََصَعات وصَحْفة وصَحَفات وجَفْنة وجَفَنات وشَفْـرة وشَفَرات، وجَمْرة وجَمَرات»([69]).

إنّ غرض هذا التّماثل هو تخفيف النّطق والاقتصاد في الجهد العضليّ، بتقريب الصّوائت والعمل من وجه واحد، وفي تحريك العين أيضاً وظيفة دلالية تتمثل في الفرق بين الاسم والصّفة وهو ما ذهب إليه سيبويه( XE "سيبويه" [70]). وقد تحدث مثل هذه المماثلة ولكن بدون أي مسوغ دلالي، وتجمع بين ضمّتين في بناء واحد على الرّغم من استثقال العرب لهما، لما يكلفانه من جهد في إحداثهما، غير أنّ الذي جعلهم يرتضون هذه المماثلة هو التخلّص من وقيفة السّكون، لما ينجم عنها من إطالة في عملية التحقيق الإنتاجي للأصوات، وكذا العمل من وجه واحد، ومن ذلك قولهم: السُلُطان في السُلْطان، والقُرُفصاء  في القُرْفصاء([71])

من النّماذج السّابقة نلاحظ أنّ المماثلة بين الصّوائت مظهر من مظاهر التّطوّر اللغوي الذي يُعمل من خلاله على بعث التّوافق والانسجام، وتقليل الجهد المبذول بتوحيد اتجاه حركات النّطق والعمل على تشغيل جزء واحد من اللسان، أي مقدمته أو مؤخرته، وهما المنطقتان المسؤولتان عن الصّوائت بنوعيها، ويقول إبراهيم أنيسXE "إبراهيم أنيس"  في هذا الصدد: " إنّ الكلمة التي تشتمل على حركات متباينة تميل في تطورها إلى الانسجام بين هذه الحركات حتّى لا ينتقل اللسان من ضمّ إلى كسر إلى فتح في الحركات المتوالية، وقد برهنت الملاحظة الحديثة على أنّ النّاطق حين يقتصد في الجهد العضليّ يميل دون شعور منه أو تعمّد إلى الانسجام بين حركات الكلمة"([72])

أمّا النّوع الثّاني من التّقريب والذي يسمّى بالمماثلة المدبرة أو الرّجعية التي تسلّط فيها رياح التغيير من الثّاني إلى الأوّل، فيعدّل الأول من هيئته حتّى ينسجم مع الثّاني.

ومن صوره ما يحدث مع حركة همزة الوصل، إذ المعروف أنّها مكسورة في الأصل، ولكنّها تتحوّل إلى الضمّ في أمر الثلاثي مضموم العين في المضارع، نحو:اُقتُلِْ- اُخرُجْ، حيث تماثل كسرة الهمزة ضمّةَ العين بعدها فتتحول إلى ضمّة، وهذا التّماثل من النّوع المنفصل، ويقول في هذه الظّاهرة سيبويه XE "سيبويه" : « وذلك أنّك قرّبت الألف من المضموم إذ لم يكن بينهما إلا ساكن، فكرهوا كسرة بعدها ضمّة، وأرادوا أن يكون العمل من وجه واحد، كما فعلوا ذلك في: مُـذ ُ اليوم يا فتى وهو في هذا أجدر، لأنّه ليس في الكلام حرف أوله مكسور والثّاني مضموم...»([73])

ومن صور النّوع الثّاني ما حدث في لهجة تميم الذين أجروا المماثلة بين فتحة الفاء وكسرة العين من صيغتي: (فَـعيل) و (فََـعِل)، فانقلبت الفتحة كسرة استجابة لكسرة العين بعدها وذلك حين تكون العين من أصوات الحلق، كقولهم: لِئيم وشِهيد وسِعيد ونِحيف ورِغيف وبِِِخيل وبِئيس، وشِهِد ولِعِب وضِحِك ونِغِل ووِِخِم[74]، وفي هذا يقول ابن جني XE "ابن جني" : «ومن ذلك تقريب الصّوت من الصّوت مع حروف الحلْق، نحو شِعير، وبِعير، ورِغيف. وسمعت الشجريّ غير مرة يقول: زِئير الأسد، يريد الزََّئير»([75]). وقد حمل سيبويه XE "سيبويه"  هذا التّماثل على التّماثل الواقع في: فَعـَل يفعَـل الحلقي العين أو اللام، وأنّه إنّما فتح مع حروف الحلق لمشابهتها الألف. ولما لم يستطع فتح العين لعدم أمن اللبس، اختار الكسر للفاء وهو أقرب الأشياء إلى الفتح([76]).  إلاّ أنّ إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس"  يرى أنّه لا معنى لاشتراط حلقية العين في مثل هذه الكلمات، لأنّ الأمر عنده لا يعدو الانسجام الصّوتي بين الصّوائت الذي يسمع الآن في بعض اللهجات من نطق نحو: كِبير- بِعيد – نِظيف بكسر أولها([77])

ويبرّر سيبويه XE "سيبويه"  فتح العين في: (فعَل – يفعَل) ممّا عينه أو لامه حرف حلقي، نحو: سأل يسأل، وفتحَ يفتَح، قائلاً: «وإنّما فتحوا هذه الحروف لأنّها سفلت في الحلق، فكرهوا أن يتناولوا حركة ما قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف، فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيّزها، وهو الألف، وإنّما الحركات من الألف والياء والواو..»([78]). وذهب ابن جني XE "ابن جني"  إلى نفس التّعليل فقال: «وذلك أنّهم ضارعوا بفتحة العين في المضارع جنس حرف الحلق لمّا كان موضعاً منه مخرج الألف التي منها الفتحة»([79]).

ما يلاحظ أنّ سيبويه XE "سيبويه"  قد قسّم الصّوائت بإزاء الأحياز، فجعل الفتحة مع حروف الحلق لسفولها، والضمّة والكسرة مع حروف الفم لارتفاعها، ويتّضح هذا أكثر من قوله: «ولم يُفعل هذا بما هو من موضع الواو والياء، لأنّهما من الحروف التي ارتفعت، والحروف المرتفعة حيزٌ على حده، فإنّما تتناول للمرتفع حركة من مرتفع، وكُره أن يُتناول للذي قد سفل حركةٌ من هذا الحيّز» ([80]). ويرجع أيضاً XE "سيبويه"  ما جاء على الأصل بالكسر أو الضم إلى الفرق بين الأبنية وأمن اللبس، أو إلى مقياس السفول والارتفاع نحو: صلُح- يصلُح، وفرُغ- يفرُغ، فيقول: « والأصل في هذين الحرفين أجدر أن يكون،يعني الخاء والغين، لأنهما أشدّ الستّة ارتفاعاً»([81]).

ما يبدو في تتابع الفتحة الخفيفة مع الصّوت الحلقيّ الثّقيل وكأنّه من باب اختيار الأخفّ للأثقل، ولكن ما يؤكّده الدّرس الصّوتي الحديث أنّ وضع اللسان هو نفسه في إنتاج الفتحة أو أصوات الحلق، حيث يكون منبسطاً في قاع الفم في حالة إراحة، كما يقول برجشتراسر XE "برجشتراسر" : «وسبب الميل إلى الفتحة أنّ اللسان في نطق الحروف الحلقية، يجذب إلى وراء، مع بسط وتسطيح له،وهذا هو وضعه في نطق الفتحة»([82])،  ولا شك أنّ هذه العملية فيها يسر في النّطق، واقتصاد في الجهد العضلي.

ومن صور المماثلة المدبرة والمطردة في اللغة الفصحى، وقانونها الصوتي هو: أنّ كلّ فـَعْلول و فـَعْليلصار فـُعْلولاً و فـِعْليلاً، مثل: جُمهور وتِلميذ الأصل فيهما: جَمْهور وتـَلـْميذ([83])، حيث تؤثر الضمة أو الكسرة في الفتحة قبلها فتستجيب لهما وتماثلهما بانقلابها ضمة مع الضمة وكسرة مع الكسرة.

إنّ من الظّواهر المهمّة التي تدخل ضمن مبحث المماثلة بين الصّوائت ظاهرة الإمالة التي تنحو بالألف نحو الكسرة ليتجانس الصّوت([84])، وهي ضرب من ضروب الإدغام الأصغر عند ابن جني XE "ابن جني"  الذي قال فيه: «أنّه تقريب الحرف من الحرف وإدناؤه من غير إدغام يكون هناك»([85]). والغرض منها هو تجانس الأصوات والتماس الخفّة، كما قال سيبويه XE "سيبويه" : «أرادوا أن يقرّبوها منها، كما قرّبوا في الإدغام الصّاد من الزّاي حين قالوا: صَدَر، فجعلوها بين الزّاي والصّاد، فقرَّبها من الزّاي والصّاد التماسَ الخفّة، لأنّ الصّاد قريبة من الدّال، فقرّبها من أشبه الحروف من موضعها بالدال. وبيان ذلك في الإدغام. فكما يريد في الإدغام أن يرفع لسانه من موضع واحد، كذلك يقرّب الحرف إلى الحرف على قدر ذلك. فالألف قد تشبه الياء، فأرادوا أن يقرّبوها منها»([86]).

ويبين إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس"  وجه الاقتصاد العضليّ الحاصل من الإمالة بقوله: «إنّ الانتقال من الكسر إلى الفتح أو بالعكس يتطلّب مجهوداً عضلياً أكبر ممّا لو انسجمت أصوات اللين بعضها مع بعض، بأن تصبح متشابهة، لأنّ حركة الإمالة أقرب إلى الكسرة منها إلى الفتحة»([87])، والآكد من هذا، النتائج التي توصّل إليها أحد العلماء في قياسه لتردّدات الكسرة وتنوعاتها باستعمال جهاز CSL الذي يعدّ من أحدث الأجهزة الصوتية، إذ توصل إلى أنّ تردّدات الكسرة أقوى من تردّدات الإمالة([88])، وبذلك نعرف أنّ العرب تختار الإمالة تخفيفاً للجهد المبذول في النطق. والصّوت النّاتج عن الإمالة يكون بوضع اللسان موضعاً وسطاً بين وضعيه في صوتي الفتحة والكسرة، أو بمعنى آخر يوجد اللسان أثناء الفتحة الممالة بين التصعّد الذي يحدث مع الكسرة، وبين الاستواء الموجود مع الفتحة([89]).

وذكر سيبويه XE "سيبويه"  أنّ الألف قد تستعلي إذا تجاورت مع أصوات الاستعلاء ومنع إمالتها في هذا الموطن، فقال: «فلمّا كانت الحروف مستعلية، وكانت الألف تستعلي، وقربت(حروف الحلق) من الألف، كان العمل من وجه واحد أخفّ عليهم»([90]). و الاستعلاء ليس من صفات الفتحة لأنّ اللسان يكون معها مستوياً في قاع الفم، مع انحراف قليل في أقصاه نحو أقصى الحنك([91])، أي أنّ الفتحة تكون في الوسط بين ارتفاعين أو تضييقين أحدهما في أقصى اللسان وينتج عنه الضمّة، والآخر في مقدّمة اللسان وينتج عنه الكسرة، فإذا تصعّد اللسان قليلاً من موضعه مع الفتحة إلى جهة الكسرة حدثت الفتحة الممالة، وإذا انتقل قليلاً إلى جهة الضمّة حدثت الفتحة المفخّمة. وهو ما نلاحظه عند ابن جني XE "ابن جني"  حين قسّم الإمالة إلى نوعين: إمالة الألف نحو الياء أو الكسرة، وإمالة الألف نحو الواو أو الضمّة([92]).

والتّأثير في هذه المماثلة يعود لطرفين اثنين: الأول هو أصوات الاستعلاء التي تدعو الفتحة لتماثلها في صفة الاستعلاء، والآخر هو الياء والكسرة اللتان تدعوان الفتحة لتماثلهما في ارتفاع مقدّمة اللسان. وهذا معنى تجانس الصّوت والعمل من وجه واحد.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ بعض العرب قد استعانت بحذف أحد الصوائت لدفع التنافر الحاصل بينها، وذلك عند الانتقال من الصائت الأخفّ إلى الأثقل، كقولهم: فخْذ، وكبْد، وعلْم، ورجْل، عضْد، وكرْم، يريدون بها على التوالي: فخِذ، وكبِد، وعلِم، ورجُل، كرُم. ويفسّر سيبويه XE "سيبويه"  عملهم هذا بقوله: « وإنّما حملهم على هذا أنّهم كرهوا أن يرفعوا ألسنتهم عن المفتوح إلى المكسور، والمفتوح أخفّ عليهم، فكرهوا أن ينتقلوا من الأخفّ إلى الأثقل»([93])، ويظهر أنّ هذا التخفيف والاقتصاد في الجهد العضليّ بطرح هذا الصائت المستثقل أدّى إلى الاقتصاد في عدد المقاطع أيضاً.

ونلاحظ أيضاً أنّ استعمالهم هذا الحذف التخفيفي للصائت قد تعدّى الكلمة إلى ما يشبهها، فقد ذكر ابن جني XE "ابن جني"  حروفاً تنزل مع ما بعدها كالجزء منه وهي فاء العطف، وواوه، ولام الابتداء. وهمزة الاستفهام، وأنّ دخول أيّ من هذه الحروف على الضميرين: (هو وهي) يجيز إسكان هاء الضمير فيقال: أهْو؟ ، أهْي؟ ، فهْو، فهْي، وهْو، وهْي، لهْو، لهْي، لأنّ التركيب يصير حينئذ موازناً لعَضُد أو كـَتِف اللتين أجيز إسكان وسطهما هما وما كان على صيغتهما من الأسماء والأفعال([94]). كما نلاحظ هذا الحذف في تتابع حروف العطف(الواو، الفاء، ثم) مع الفعل المضارع المتصل بلام الأمر، في نحو قولهم: وَلـْتفعل، فلـْتفعل، ثمَّ لـْتفعل، للتخلـّص من ثقل الخروج من الفتح إلى الكسر.

وللصّوائت دورٌ هام في بعث الانسجام والاقتصاد في الجهد العضليّ باستبعاد الثّقل الذي يتسبّب فيه توالي الصّوائت وأشباه الصّوائت المتخالفة، وهذا ما نجده فيما يسمّى بالإعلال الذي يعمل على التجانس بين أنصاف الصوائت والصوائت التي قبلها، كقولهم: «إذا تحرّكت الواو أو الياء وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفاً»([95])، نحو: قال وباع، وغزا ورمى. وكذلك تقلب الألف أو الواو ياءً لمناسبة الكسرة قبلها والتخلص من الثقل، نحو: مصابيح وميزان وميعاد. والياء تقلب واواً لتناسب الضمّة قبلها أيضاً نحو: موقن وموسر.

ولكن يجب أن نشير في نهاية الحديث عن المماثلة، أنّ الإجراءات التّوازنية التي تقوم بها اللغة تتفاوت من حيث الجهد العضليّ، كما يقول إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" : «وللانسجام الصّوتي درجات بعضها أيسر من بعض: فتوالي الضمّ ثم الكسر ثم الفتح أشقّ من توالي ضمّتين ثم الفتح أو توالي كسرتين ثمّ الفتح، وربّما كان أيسر من هذا وذاك أن تصبح الكلمة مشتملة على ضمّ ثمّ فتحتين» ([96])، كما أنّ النّاطقين مختلفون في طلب السهولة واليسر باختلاف لهجاتهم وعاداتهم الكلامية، فلا يلتمس النّاطق أيسر السّبل في كلّ حال ، بل يقوم ببعض الانسجام أياً كانت درجته من اليسر.

ب/ المخالفة بين الصوائت:

المخالفة قانون صوتي أو إجراء توازنيّ يسير في عكس اتّجاه قانون المماثلة ويعمل على التخلـّص من ثقل المثلين أو الأمثال، وإعادة التـّوازن للوحدة اللغوية أثناء مسيرتها في التيار الكلامي.

إنّ المخالفة في منظور الدّرس الصّوتي الحديث هي قانون "يعمد إلى صوتين متماثلين تماماً في كلمة من الكلمات، فيغيّر أحدهما إلى صوت آخر"([97])، أو هي " الظـّاهرة الصّوتية التي تتمّ باجتماع صوتين متماثلين أو أكثر، ونزوع أحدهما إلى مخالفة الصّوت الآخر"([98])، أو هي "جنوح أحد الصّوتين المتماثلين في الكلمة إلى أن ينقلب إلى صوت مغاير"([99]) ويكون الصوت الحالّ في الغالب أحد الصوائت الطوال أو صوتاً من المجموعة المائعة وهي: اللام والميم والنون والراء ([100])، والمخالفة تعمل على إعادة التّوازن للسلسلة الكلامية بإزالة الثـّقل الذي سبّبه توالي المثلين أو الأمثال، وتعديل آثار المماثلة السلبية بتوفير قدر من الفروق التّمييزية بين الأصوات.

ولعلّ من أقدم الإشارات في التّراث العربيّ لهذه الظاهرة قول الخليل XE "الخليل"  بن أحمد الفراهيدي : «وأمّا (مهما) فإنّ أصلها (ماما) ولكن أبدلوا من الألف الأولى هاءً ليختلف اللفظ» ([101]). وقال أيضاً: « وأمّا قولك: (لبـّيك) إنما يريدون: قربا ودنواً، على معنى: إلباب بعد إلباب، أي: قرب بعد قرب. فجعلوا بدله (لبـّيك).  ويقال: ألــَبَّ الرّجل بمكان كذا وكذا أي أقام. وكان الوجه أن تقول: (لبَّبتـُك)، لأنّهم شبّهوا ذلك بالـلـّبب، فإذا اجتمع في الكلمة حرفان غيَّروا الحرف الأخير، كما قال الله جلّ وعزّ: وقد خاب من دسّاها، والأصل دسّسها، فقالوا: لبّيك قربت وأقمت»([102]).

إنّ علـّة المخالفة هي التخلـّص من الثقل النّاتج عن تجاور صوتين من مخرج واحد، لأنّ اللسان يمكث في موضع نطق الصّوت "مدّة أطول من نطقه منفرداً، ليؤدّي ما فيه من تضعيف، وهذا الوضع يتطلّب مجهوداً عقلياً أكبر، فمالوا إلى تخفيف هذا الجهد بإبدال أحد الصّوتين، أو الأصوات المضعّفة إلى أحد الأصوات التي خفّ نطقها، من أجل تقليل الجهد العضليّ المبذول في نطق التّضعيف"([103]).

وهذا الثـّّقل قد صرّح به القدماء بعبارات مثل : الكراهة والاستثقال، نحو قول سيبويه XE "سيبويه" : « هذا باب ما شذ ّ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التّضعيف وليس بمطّرد»[104]، وكذلك قوله في إبدال السّين من التّاء في استخذ من اتَّخذ: « وإنّما فعلوا هذا لأنّ التّضعيف مستثقل في كلامهم» ([105]). كذلك ذكر ابن جني XE "ابن جني"  حين تطرّق لتحول أحد المثلين أو الأمثال أنّ السبب يعود لــ: (استثقال تكريره) ([106]). وقال أيضاً:« ومن ذلك استثقالهم المثلين، حتى قلبوا أحدهما في نحو أمليت ــ وأصلها أمللت» ([107])، ثم صرح بعدها بقوله: « أمّا أمليت فلا إنكار لتخفيفه بإبداله»([108]).

يقول إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس"  في تفسير هذا التطور: «والسرّ في هذا أنّ الصّوتين المتماثلين يحتاجان إلى مجهود عضليّ للنّطق بهما في كلمة واحدة. ولتيسير هذا المجهود العضليّ يقلب أحد الصّوتين إلى تلك الأصوات التي لا تستلزم مجهوداً عضلياً، كأصوات اللين وأشباهها»([109]). ويربط هذا التطور بنظرية السّهولة التي تشير إلى أنّ الإنسان يبدّل مع الأيام بالأصوات الصّعبة في لغته نظائرها السّهلة، ويرجّح أن يكون مقصود القدماء بكراهية التّضعيف هو ما يحتاج إلى مجهود عضليّ.

المخالفة مظهر من مظاهر التـّطوّر اللغوي الذي يهدف إلى الاقتصاد في الجهد العضليّ، وهو إحدى نتائج نظرية السّهولة التي نادى بها كثيرٌ من المحدثين، والتي تشير إلى أنّ الإنسان يسعى للتخلص من الأصوات الصّعبة في لغته، والتي يكلـّف إنتاجها جهداً مضنياً وتعويضها بنظائرها السهلة. وهي بصفة عامّة أقلّ بكثير من المماثلة من حيث استعمال العربية لهما، والمخالفة بين الصّوائت كذلك أقلّ من المخالفة بين الصّوامت،  وذلك لأنّ تخالف الصّوائت له أهمية كبيرة في التفريق بين الصّيغ، ولهذا يكون موجوداً ابتداءً. ومن أمثلة المخالفة بين الصّوائت التي تخلصت بها العربية من النـّطق بمجموعة من الحركات المتّحدة الطّابع:

إبدال الفتحة كسرة في الكلمات التي يتتابع فيها صائتان للفتح، والأول منهما من النّوع الطـّويل، وذلك تيسيراً للنـّطق واقتصاداً في الجهد المبذول، ومن أمثلة هذا النّوع: كسر نون المثنّى على عكس جمع المذكر السالم الذي فتحت نونه، وكذلك كسر التاء في جمع المؤنث السّالم بدل الفتحة.

وما يرجّح هذا التـّغيـّر هو وجود ألفاظ بقيت محافظةً على نونها مفتوحةً، كالتي وردت في قول رؤبة( XE "رؤبة" [110]):

أَعـْرِفُ مِنـْها الأَنـْفَ والعـَيْنانا   *  وَمـِنْخـَرَيـْنِ أَشــْبـَها ظـَبـْيـانا

ومن تلك الألفاظ أيضاً قول العرب: «شَـتـَّانَ أَخـوكَ وَأَبـوك»، أي هما متفرقان، فشتـّان هو تثنية شـَتَّ([111]). كذلك ورد عن العرب بعض الألفاظ التي جاء فيها جمع المؤنـّث السّالم مفتوح النـّون، كقولهم: «استأصل الله عِـرْقَـاتـَهم»، و«سمعت لـُغـاتـَهم»، و« أخذت إراتـَهم»([112]).

إنّ تتابع فتحة النّون مع ألف المدّ (صائت الفتحة الطّويل) في المثنّى، جعل العربية تستنجد بقانون المخالفة، فأبدلت الفتحة كسرةً، كما في قولهم: افْعَلانِّ ذلك، وهل تفْعَلانِّ ذلك([113])، كما تكسر هذه النون كذلك استجابة لنفس القانون عند إلحاقها بالفعل المسند إلى جمع الإناث، ويقول فيها سيبويه XE "سيبويه" : «وإذا أدخلت  الثقيلة في فعل  جميع  النـّساء قلت: اضْرِبْنانِّ، و هل تَضْرِبْنانِّ، و لـَتَضْرِبْنانِّ» ([114]).

ووجود الألف هنا هو نوع من المخالفة للحدّ من توالي الأمثال، حيث توالت ثلاث نونات ولم تحذف نون النّسوة أمناً للـّبس، ويوضّح ذلك سيبويه XE "سيبويه" بقوله: « فإنّما ألحقت هذه الألف كراهية النـّونات، فأرادوا أن يفصلوا لالتقائها، كما حذفوا نون الجميع للنّونات ولم يحذفوا نون النّساء كراهية أن يلتبس فعلـُهن وفعل الواحد»([115]). غير أنّ هذه المخالفة التي فصلت بين الأمثال بالألف قصد التّخفيف من مؤنة النّطق بها متتابعة قد أوقعتهم في ثقل آخر وهو تتابع صائتي الفتح، فتخلّصوا منه بالمخالفة بالإبدال وذلك بقلب الفتحة كسرة، وهذا ما عبّر عنه سيبويه XE "سيبويه"  بقوله: « وكسرت الثـّقيلة ههنا لأنّها بعد ألف زائدة فجعلت بمنزلة نون الاثنين. وهي فيما سوى ذلك مفتوحة»([116]).

من أمثلة المخالفة كذلك: إبدال الضّمّتين المتتاليتين إلى ضمّة + فتحة، كما يقال في سُرُرٌ: سُرَرٌ، وفي ذُلُلٌ: ذُلَلٌ لاستثقال اجتماع ضمّتين مع التّضعيف.

وقد تستعمل المخالفة بالحذف فيما توالت فيه ضمتان في صيغة فُـعـُل كعُنُق وطُنُب و نحوهما، يقول سيبويه XE "سيبويه" : «وإذا تتابعت الضّمّتان فإنّ هؤلاء يخفـّفون أيضاً، كرهوا ذلك كما يكرهون الواوين، وإنـّما الضّمّتان من الواوين، فكما تكره الواوان كذلك تكره الضّمّتان، لأنّ الضّمّة من الواو. وذلك قولك: الرُّسْل، والطـُّنْب، والعـُنْق تريد الرُّسُل، والطـُّنُب، والعـُنُق»([117]). وقد قرئ بذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: â عُـرْباً أتراباً á الواقعة 37 وقوله : âخُـشْبٌ مسندةٌ áالمنافقون 04. ونفس الشّيء فُعل بتوالي الكسرتين، ورغم ندرته فقد خولف بينهما بتسكين الثـّانية منهما عند بعض العرب لدفع الثقل النـّاتج عن تتابعهما، ومن أمثلته: إبْل، وإطْل، وبِلـْص في: إبِل، وإطِل، وبِلِص،  يقول سيبويه XE "سيبويه" : «وكذلك الكسرتان تكرهان عند هؤلاء كما تكره الياءان في مواضع، وإنـّما الكسرة من الياء، فكرهوا الكسرتين كما تكره الياءان»([118]).

ومن التعاملات الصّوتية التي يمكن إدراجها ضمن ظاهرة المخالفة "النسبـةُ " في اللغة العربية وذلك لأنّ ألفاظها تلحق بها (كسرة + ياء مشدّدة)، وقد يوجد قبل ملحقات النسبة صائت الكسر القصير أو الطويل، أو شبه الصائت (الياء)، فيتكون بهذا تتابع للكسرات والياءات، فتحاول العربية حينذاك الاستنجاد بالمخالفة لتجنـّب النـّطق بهذه المجموعة من الأصوات المتـّحدة الطـّابع، تخفيفاً للنـّطق واقتصاداً في الجهد المبذول، وتتمّ هذه المخالفة بكيفيات منها:

1- إبدال صائت الكسر القصير أو الطويل فتحة، فمثال الأول ما ورد من أن العرب تقول إذا نسبت إلى نـَمِر وشـَقِرَة و الـدُّئِـل ونحوها ممـّا كُسرت عينه: نـَمَرِيّ و شَـقـَرِيّ  ودُؤَلـِيّ  بالفتح.

ومثال الآخر ما حدث في النسبة لحنيفة وربيعة، من تحول صائت الكسر الطـّويل إلى فتحة، ويتّضح هذا من الأمثلة الآتية:    حـَنيفـَة > حـَنيفـِيّ  > حــَنــَفـِيّ.رَبــيعـَة > رَبــيعـِيّ > رَبـَعـِيّ

جَـذيـمـَة >   جـَذيـمـِيّ >   جَـذَمِـيّ.

غير أنّ هذا الصّائت قد يبقى في بعض الألفاظ دون تغيـّر إذا كان إبداله أو حذفه يؤديان إلى لبس أو ثقل جديد (توالي الأمثال)، ومن أمثلة هذا النـّوع : شديدة شديديّ، و خليل خليليّ حيث لو أبدلوا أو حذفوا لأدّى إلى اللبس أو اجتماع الأمثال وهو مستثقل عندهم، فلو أبدلوا لصار اللفظان: شـَدَدِيّ و خَلـَلِيّ، ولو حذفوا لصار اللفظان: شَـدِّيّ و خـَلـِّيّ، وذكر سيبويه XE "سيبويه"  أنـّه سأل يونس عن سبب عدم الحذف في شـديدة، فقال: «لاستثقالهم التـّضعيف، وكأنـّهم تنكـّبوا التقاء الدّالين وسائر هذا من الحروف ».([119])

2- المخالفة بحذف شبه الصّائت (يْــ)، ومن أمثلته ما يلي:

جُهَيْنَة>  جُهَيْنـِيّ > جُهَنِـيّ .    قـُتَيـْبَة  >  قُتَيـْبيّ   >   قُتَبـيّ.

سُلَيـْمـَة > سُلَيـْمـِيّ > سُلَمـِيّ.   قُرَيْش >  قـُرَيْشِيّ  > قُرَشِيّ.

غير أنّ هذه المخالفة بالحذف إذا أدّت إلى لبس يُلجأ إلى بديل آخر وهو المخالفة بالإبدال، فيتحوّل صائت الكسر الطـّويل أو شبه الصّائت (يـْـ) إلى صائت الفتح الطـّويل في مثل قولهم:

طـَيْء >طـَيــْئـِيّ >طــائـِيّ، ولو حذفوا الياء لصارت طـَـئِـيّ

حـيرة >حـيـرِيّ >حـــارِيّ، ولو حذفوا الياء لصارت حِــرِيّ

أو يتحولا إلى شبه الصّائت (الواو)، كقولهم في أمـَيّـة: أمـَوِيّ بدلاً من أمـَيّيّ.

وقولهم في شـج وعـم: شَجَويّ وعَـمـَوِيّ، قال ابن يعيش XE "ابن يعيش" : «اعلم أن ما كان في آخره ياء من الأسماء المنسوبة، فإن كانت الياء ثالثة قبلها كسرة نحو عم وشج، فإنـّك تبدل من الكسرة فتحة كما فعلت في نمر وشقرة لثقل توالي الكسرات مع ياء الإضافة ثم تقلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فيصير في حكم التقدير عما وشجا ثم تقلب الألف واوا كقولك عموي وشجوي كما فعلت في عصا ورحى فقلت عصويّ ورحويّ» ([120])، ولو حذفوا في مثل هذين اللفظين لصارا على هذا الشكل: عَـمِـيّ و شَـجـِيّ، ولا شكّ أنّ في هذا لبساً واضحاً، وقد تخلـّصت العربية من ثقل توالي الأمثال بهذا الإبدال دون الوقوع في المحذور.

ج/ الـحـــذف والـتـّـقصـيـر:

تسعى العربية إلى التـّخلـّص من بعض المستثقلات التي تظهر مع بعض المقاطع في السّلسلة الكلامية أو الوقف، عن طريق التصرّف في الصّوائت بنوعيها الطـّويلة والقصيرة، وذلك يكون إمّا بحذف الصّائت كلياً وهو ما يسمّى بالإسكان أو السكون، أي عدم الحركة، والحركة(الصّائت) جهد يؤدّى في الكلام كالصامت. ولا شكّ أنّ أداء الكلام بكامل فائدته مع الاختصار في الجهد بحذف بعض الحركات أولى وأخفّ. أو يكون التخفيف بتقصير الصّائت فقط بنسبة معيـّنة دون حذفه، وهذا له دوره في إعادة التـّوازن والانسياب للسـّلسلة الكلامية.

ويُردّ هذا الحذف أو التـّقصير إلى ما يتميز به نظام اللغة العربية، إذ لا يقبل الابتداء بساكن ولا الوقوف على متحرّك، كما لا يجيز التقاء السّواكن إلا في ظروف خاصّة، وممّا لا يقبله هذا النـّظام أيضاً هو توالي أربعة مقاطع مفتوحة في الكلمة الواحدة، وينفر من توالي أربعة مقاطع متحرّكة فيما هو كالكلمة، وهذا ما أشار إليه سيبويهXE "سيبويه"  بأنـّه لا تتوالى أربعة أحرف متحرّكة إلاّ ويكون فيها ساكن محذوف([121])، ويتابعه المبرّد XE "المبرّد"  في ذلك بقوله: «واعلم أنـّه لا يكون اسم على أربعة أحرف كلـّها متحركة إلاّ وأصله في الكلام غير ذلك فيحذف. وذلك قولهم: عُـلـَبـِط ونحوه، وإنـّما أصله عُـلابـِط. وكذلك هُـدَبـِد إنّـما أصله هُـدابِـد، وذلك جميع بابه»([122]). وقد أشار إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس"  إلى هذا الأمر بقوله: «إنّ اللغة العربية تميل عادة في مقاطعها إلى المقاطع السّاكنة، وهي التي تنتهي بصوت ساكن، ويقل فيها توالي المقاطع المتحرّكة، خصوصاً حين تشتمل على أصوات لين قصيرة»([123]). كما أكـّد هذه الملاحظة أحمد مختار عمر XE "أحمد مختار عمر" إذ وجد من خلال تحليل أوزان اللغة العربية أنّ أكثر المقاطـع وقوعـاً هو المقطـع المتوسّـط المغـلق ( ص ح ص).([124])

إنّ التّـخلـّص من توالي هذه المقاطع المفتوحة هو من قبيل المخالفة لكراهية توالي الأمثال أيضاً، ولكنّـها تتجاوز الصّوت المفرد إلى المقطع على اختلاف كمّياته.

ومن صور تتابع المقاطع المفتوحة الفعل المسند لضمائر الرّفع المتحركة، والتي تخلـّصت منها العربية تخلصاً مطـّرداً، وذلك بحذف الصّائت من لام الفعل في مثل قولك: ضَرَبـْت، وضَرَبـْتـُما، وضَرَبـْتم، وضَرَبـْن، وضَرَبْـنا، وضَرَبْـتن. ويذهب أكثر القدماء إلى أنّ علـّة هذا الحذف هو كراهة توالي أربع صوائت (حركات)، غير أنـّهم نقلوا عن ابن مالك أنـّها للفرق بين الفاعل والمفعول في الفعل المسند إلى الضّمير(نا) نحو أكرمْنا، وأكرمَنا، ثمّ طرد الباب على وتيرة واحدة.

كما يوجد حذف آخر، وهو غير لازم، لأنـّه يتعلق بحذف العلامة الإعرابية لغير ضرورة، كالذي ورد في قراءة أبي عمرو XE "أبي عمرو:بن العلاء"  بن العلاء من إسكان لامات بعض الأفعال والأسماء، مثل: âيأمرْكمá الآية67 من البقرة، وâيشعرْكمá الآية 109 من الأنعام، وâإلى بارئـْكمá الآية 54 من البقرة، وقد ذهب النـّحاة إلى أنّ أبا عمرو كان يختلس ولم يسكـّن سكوناً تاماً، واختصّ هذا بالرفع والجرّ دون الفتح لأنـّه أخفّ عليهم([125])، غير أنّ هذا لا ينفي الاقتصاد في الجهد، كما فيه إشارة إلى أنّ العربية كانت تهمل الإعراب أحياناً.

ومن صور الحذف كذلك، ما يسببه الوقف من تفريغ الصّامت الأخير من الصّوائت الثّلاثة، والوقوف عليه، لأنّ الواقف في الغالب يطلب الاستراحة، وحذف الصّائت أبلغ في تحصيل الرّاحة([126]). كما يحذف عند الوقف مع هذه الصّوائت الثـّلاثة تنوين المرفوع والمجرور، أمّا تنوين الفتح فيبدل ألفاً مثل: قرأت كتابا، وكذلك يحذف ذلك التمطيط أو الإشباع الذي يلحق الضّمـّة والكسرة ويسمى في اصطلاح القرّاء بصلة هاء الضّمير وميم الجمع، ويعود سبب هذا الإشباع إلى تطويل المقطع الأخير إذا كان الذي قبله قصيراً كراهية الجمع بين مقطعين قصيرين، فقالوا مثلاً: ضربهو زيد، وعندهو رجل، وجاءني غلامهو، ومررت بهو، ومررت بهي، ونزلت بدارهي، وكذلك مع ميم الجمع في نحو قولهم: عليكمو، وأنتمو ذاهبون.

يسمّى هذا العمل في الدّراسات الصّوتية الحديثة بالمخالفة الكمـّية، التي تكره اجتماع مقطعين قصيرين فتعمل على تطويل الثاني، وتكره تتابع مقطعين طويلين فتمنع ذلك الإشباع إذا كان الأول من النـّوع الطـّويل، ومثال ذلك الآيتان: âونزّلناهُ تنزيلاًá الآية106من الإسراء، وâ خذوهُ فغلوهá الآية30من الحاقة. ويظهر أنّ العرب استعانت بالمخالفة الكمية بين المقاطع تيسيراً للنـّطق واقتصاداً في الجهد المبذول، والذي يبلغ ذروته مع الوقف إذ ينقص عدد المقاطع.

وممـّا يمكن حذفه عند الوقف ياءات الزّوائد، وهي في اصطلاح القرّاء" عبارة عن الياء المتطرّفة المحذوفة رسماً للتـّخفيف لفظاً"([127])، والتي في الوقف تحذف كاملة، في مثل: الداعْ، والمهتدْ، ونبغْ،  وفي الوصل قد تقصّر هذه الياءات إلى الكسرة لتوصل بما بعدها، وقد تحذف كاملة، وهذا الاختلاف يرجع لتنوع القراءات القرآنية.

أمـّا التـّـقـصـيـر فله مظاهر كثيرة منها ما يسمّى بالرّوم، وهو من وجوه الوقف ويعرف بأنـّه " تضعيف الصّوت بالحركة(الصّائت) حتى يذهب بذلك معظم صوتها، فتسمع لها صوتاً خفياً يدركه الأعمى بحاسـّة سمعه"([128])، أو هو: "النـّطق ببعض الحركة"([129])، وقيل هو: "الإتيان بأقلّ الحركة(الصائت) وقفاً، وقدّره بعضهم بثلثها"([130])، ولكنّ الأكيد أنّ الثـّابت في الرّوم من الصّائت أقلّ من الذّاهب، ولا يكون على قول القرّاء في فتح ولا نصب، وذلك "لأنّ الفتحة خفيفة فإذا خرج بعضها خرج سائرها لأنـّها لا تقبل التـّبعيض كما يقبله الكسر والضّمّ بما فيهما من الثـّقل"([131]).

من صور التـّقصير أيضاً الاختلاس، وهو "الإسراع بالحركة إسراعاً يحكم السّامع أنّ الحركة قد ذهبت وهي كاملة في الوزن"([132]). وقيل هو النـّطق بثلثي الحركة(الصّائت)، والمتـّفق عليه أنّ الاختلاس متعلقٌ بالوصل، وأنّ الثـّابت فيه من الصّائت أكثر من الذاهب.

ومن أمثلة التـّقصير المطـّرد تقصير المقطع الطـّويل المغلق(ص م ص)، وهو من المقاطع المستثقلة التي كلـّما ظهرت داخل السـّياق عملت العربية على التخلـّص منها بتقصير الصّائت الطـّويل الذي يمثـّل قمـّة المقطع، لتحصل على مقطع متوسـّط مغلق(ص ح ص)، ومن أمثلته:

* الجزم أو الأمر في مثل: لم يخافْ > لم يخَفْ.  لم يبيعْ > لم يبـِعْ.

لم يقومْ > لم يقـُم. خافْ >  خَـفْ .  بيـعْ  > بــِعْ . قومْ > قــُمْ

* اتـّصال تاء التأنيث بمعتل الآخر، مثل:

رماتْ > رمـَتْ . سعاتْ > سعـَتْ.    دعاتْ>  دعـَتْ.

* إذا كان الصّائت الطـّويل آخر الكلمة وهمزة الوصل في بداية الكلمة الموالية، فعند وصل الكلام تسقط الهمزة ويـُقصّر الصّائت ليُتمكـّن من النـّطق بالسّاكن بعده مشكلاً معه مقطعاً من النّوع المتوسّط المغلق، صامته الأول نهاية الكلمة الأولى ونهايته بداية الكلمة الموالية، ومثاله:  رمى الرّجل - غلاما الرّجل- يقضي الحقّ- لم تضربي ابْنَك- قاضي البلدة- يغزو القوم - لم يضربوا الآن.

غير أنّ هذا التـّقصير الأخير مقتصرٌ على المواطن التي لم يقع بها التباس، أمّا إذا خيف اللبس فإنـّهم يستعملون القلب في مثل: رميا، وغزوا، يقول ابن يعيش XE "ابن يعيش" : «فقلبوا ولم يحذفوا لئلاّ يلتبس الاثنان بالواحد، فكان احتمال ثقل ردّها إلى الأصل أسهل من اللبس» ([133]). كذلك فعلوا في تثنية المؤنّـث المختوم بالألف المقصورة فقالوا حبليان وذفريان، فلو حذفوا وقالوا: حبلان وذفران لالتبس بما ليس للتأنيث([134])، وكذلك قولهم: «اخشَوُا القوم، ورَمَوُا الرّجل، واخْشَيِ الرّجل، فإنـّهم لو حذفوا، لالتبس الواحد بالجميع، والأنثى بالذّكر» ([135]). وقد استعمل تقصير الصّوائت استعمالاً نحوياً، كعلامة إعرابية على جزم الأفعال المضارعة النـّاقصة في مثل قولنا:  لم يرمِ  ،  ولم يغزُ ،   ولم يرَ.

وفي الختام نوجز ما بسطنا القول فيه من قبل، وهو أنّ مظاهر الاقتصاد في الصّوائت العربية تكاد لا تنتهي، لأنـّها سهلة الإنتاج، قوية الإسماع، قليلة العدد، متعددة الوظائف من وصل الصّوامت بعضها ببعض، إلى التـّفريق بين الأبنية والصّيغ في المستوى الصّرفي، إلى الوظائف التي تقوم بها كعلامات إعرابية تميّز بين الأبواب النّحوية والأساليب، فضلاً عن شيوعها وكثرة تردّدها تناسباً مع مبدأ السّهولة واليسر، ودورها الفعّال في بعث الانسجام في السّلسلة الكلامية، وتخفيف النـّطق والاقتصاد في الجهد العضليّ والذهنيّ، لما تقوم به من إجراءات توازنية كالمماثلة، والمخالفة، والحذف، والتـّقصير.

 

مراجع البحث وهوامشه:

[1] لسان العرب، ابن منظور جمال الدين بن مكرم، دار صادر، (بيروت)، لبنان، ط4، 2005م، مادة (قصد)، ص: 3/353- 354.

[2] مقالات في اللغة والأدب، د تمام حسان XE "تمام حسان" ، عالم الكتب، (القاهرة)، مصر، ط1، 2006م، ص: 1/292.

[3] الاقتصاد اللغوي في صياغة المفرد، د فخر الدين قباوة، مكتبة لبنان ناشرون، (بيروت)، لبنان، ط1، 2001م ، ص:31.

[4] الأصوات اللغوية، د إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" ، مكتبة الأنجلو المصرية، (القاهرة)، مصر، ط3، 1999م ، ص 26.

[5] ينظر: دراسة الصوت اللغوي، د أحمد مختار عمر XE "أحمد مختار عمر" ، عالم الكتب، (القاهرة)، مصر، (د.ر.ت.ط)، ص: 135 .

[6] شرح المفصل، موفق الدين بن يعيش النحوي، عالم الكتب، (بيروت)، لبنان، (د.ر.ت.ط)، ص: 9/64.

[7] العين، الخليل XE "الخليل"  بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د مهدي المخزومي- د إبراهيم السامرائي، سلسلة المعاجم والفهارس، (د.ر.ت.ط)، ص: 1/57.

[8] الكتاب، سيبويه XE "سيبويه" ، تعليق: د إميل بديع يعقوب XE "يعقوب" ، دار الكتب العلمية، (بيروت)، لبنان،   ط1، 1999م، ص: 4/289.

[9] ينظر:  التفسير الكبير، محمد الرازي فخر الدين، دار الفكر، (بيروت)، لبنان، ط1، 1981م، ص: 1/37- 38.

[10] الأصوات اللغوية، ص: 26.

[11] مناهج البحث في اللغة، د تمام حسان XE "تمام حسان" ، دار الثقافة، (الدار البيضاء)، المغرب، (د.ر.ط)، 1986م، ص: 139.

[12] دراسة الصوت اللغوي، ص: 135.

[13] في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية، د غالب فاضل المطلبي، منشورات وزارة الثقافة العراقية، (بغداد)، العراق، 1984م، (د.ر.ط)، ص: 17.

[14] الأصوات اللغوية رؤية عضوية ونطقية وفيزيائية، أ د سمير شريف استيتية، دار وائل للنشر، الأردن، ط1، 2003م، ص: 203.

[15] المحيط في أصوات العربية ونحوها وصرفها، محمد الأنطاكي XE "محمد الأنطاكي" ، دار الشرق العربي، (بيروت)، لبنان، ط4، ص:1/14.

[16] مناهج البحث في اللغة، ص :141- 142.

[17] دراسة الصوت اللغوي، ص: 137.

[18] العين، ص: 1/57.

[19] الكتاب، ص: 4/289.

[20] الكتاب، ص: 4/363.

[21] سر صناعة الإعراب، أبو الفتح عثمان بن جنّي، حققه وعلق عليه: أحمد فريد أحمد، المكتبة التوفيقية، (القاهرة)، مصر، ص: 1/20.

[22] ينظر: مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية، د محمد يحيى سالم الجبوري، دار الكتب العلمية، ( بيروت)، لبنان، ط1، 2006م ، ص: 97-98 و الأصوات اللغوية رؤية عضوية ونطقية وفيزيائية، ص: 214- 215.

[23] الكلام إنتاجه وتحليله، د عبد الرحمن أيوب XE "عبد الرحمن أيوب" ، مطبوعات جامعة الكويت، ط1، 1984م.، ص: 246.

[24] الأصوات اللغوية، ص: 22.

[25] ينظر: المنهج الصوتي للبنية العربية، د عبد الصبور شاهين، مؤسسة الرسالة، (بيروت)، 1980م، (د.ر.ط)، ص: 43.

[26] الكتاب، ص:4/363.

[27] نقلا عن: بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، د عبد الرحمن الحاج صالح، موفم للنشر، الجزائر، 2007م، ص:2/179-180.

[28] بحوث ودراسات في اللسانيات العربية ، ص: 180.

[29] بحوث ودراسات في اللسانيات العربية ، ص: 180.

[30] بحوث ودراسات في اللسانيات العربية ، ص: 180.

[31] ينظر:  التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين، أبو البقاء XE "أبو البقاء"  العكبري، تحقيق د عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، (بيروت)، لبنان، ط1، 1406هـ.، ص: 156.

[32] الإيضاح في علل النحو، أبو القاسم الزجاجي، تحقيق: مازن المبارك، دار النفائس، (بيروت)، لبنان، ط3، 1979م،  ص: 70-71.

[33] من أسرار اللغة، د إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" ، مكتبة الأنجلو المصرية، (القاهرة)، مصر، ط3، 1966م،  ص: 183.

[34] الإضاءة في بيان أصول القراءة، علي محمد الضبّاع، المكتبة الأزهرية للتراث، (القاهرة)، مصر، ط1، 1999م، ص: 15.

[35] الأشباه والنظائر في النحو، جلال الدين السيوطي XE "السيوطي" ، المكتبة العصرية، (بيروت)، لبنان، (د.ر.ط)، 2006م، ص: 1/179.

[36] في اللهجات العربية، د إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" ، مكتبة الأنجلو المصرية، (القاهرة)، مصر، ط3، 2003م، ص: 85.

[37]ينظر: الكتاب، ص: 4/230-231.

[38] الأشباه والنظائر في النحو، ص: 1/179.

[39] الأشباه والنظائر في النحو ، ص: 1/179.

[40] ينظر: مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية، ص: 102.

[41] ينظر: طلب الخفة في الاستعمال العربي، مخطوط رسالة ماجستير في علم اللغة، ردة الله ردة الطلحي، كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى، 1989م، ص: 147.

[42] مفهوم القوة والضعف في أصوات العربية، ص: 104.

[43]ينظر:  دراسة الصوت اللغوي، ص: 156- 157 .

[44] خواص صوتية تمتاز بها اللغة العربية، مقال للدكتور كمال بشر XE "كمال بشر" ، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، ج: 71، نوفمبر، 1992م، ص : 37 .

[45] خواص صوتية تمتاز بها اللغة العربية ، ص : 37 .

[46] خواص صوتية تمتاز بها اللغة العربية، ص : 39.

[47] اللغة، فندريس XE "فندريس" ، تع: عبد الحميد الدواخلي- محمد القصاص، مكتبة الأنجلو المصرية، (القاهرة)، 1950م XE "فندريس" ، ص: 84.

[48] ينظر: اللغة العربية معناها ومبناها، د تمام حسان XE "تمام حسان" ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (القاهرة)، مصر، (د.ر.ط)، 1979م، ص: 46-47.

[49] ينظر: البيان في روائع القرآن- دراسة لغوية وأسلوبية للنص القرآني- د تمام حسان XE "تمام حسان" ، عالم الكتب، (القاهرة)، مصر، ط2، 2000م.، ص: 2/77.

[50] أثر القراءات في الأصوات و النحو العربي- أبو عمرو بن العلاء- د عبد الصبور شاهين، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، ط1، 1987م، ص: 235.

[51] دراسة الصوت اللغوي، ص: 378.

[52] دراسة الصوت اللغوي ، ص: 378.

[53] الخصائص ، أبو الفتح عثمان بن جني، حققه: محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر، (بيروت)، لبنان، ط2، (د.ت.ط)، ص: 2/139.

[54] ينظر: أثر القراءات في الأصوات و النحو العربي، ص: 125.

[55] ينظر:  اللهجات العربية في التراث، د أحمد علم الدين الجندي، الدار العربية للكتاب، تونس، (د.ر.ط)،  1983م، ص:1/349.

[56] الخصائص، ص: 1/257.

[57] الكتاب، ص: 4/231.

[58] معاني القرآن، الفراء، عالم الكتب، (بيروت)، لبنان،  ط3، 1983م، ص: 2/12.

[59] ينظر:  معاني القرآن ، ص: 2/13.

[60] ينظر الكتاب، ص: 4/231 و الاقتصاد اللغوي في صياغة المفرد، ص: 116.

[61] ينظر: التطور اللغوي - مظاهره وعلله وقوانينه- د رمضان عبد التواب XE "رمضان عبد التواب" ، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، ط3، 1997م، ص: 34.

[62] الكتاب، ص: 4/310.

[63] الكتاب، ص: 4/226  وينظر: الخصائص، ص: 2/143.

[64] الكتاب، ص: 4/259.

[65] المحتسَب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، أبو الفتح عثمان بن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف- عبد الحليم النجار- عبد الفتاح إسماعيل شلبي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مطابع الأهرام، (القاهرة)، مصر، 1994م، ص: 1/37.

[66] ينظر: المحتسَب ، ص: 1/ 37-38.

[67] الكتاب، ص: 4/58.

[68] الكتاب ، ص: 4/59.

[69] الكتاب ، ص: 4/57.

[70] ينظر: الكتاب، ص: 4/104.

[71] ينظر: الخصائص، ص: 2/143.

[72] في اللهجات العربية، د إبراهيم أنيس XE "إبراهيم أنيس" ، مكتبة الأنجلو المصرية، (القاهرة)، مصر، ط3، 2003م، ص: 86.

[73] الكتاب، ص: 4/259.

[74] الكتاب ، ص: 4/225.

[75] الخصائص، ص: 2/143.

[76] ينظر: الكتاب، ص: 4/225.

[77] نقلا عن: طلب الخفة في الاستعمال العربي، ص: 176.

[78] الكتاب، ص: 4/219.

[79] الخصائص، ص: 2/143.

[80] الكتاب، ص: 4/219.

[81] الكتاب، ص: 4/220.

[82] التطور النحوي للغة العربية، براجشتراسر، أخرجه وصححه: رمضان عبد التواب XE "رمضان عبد التواب" ، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، ط3، 1997م، ص: 63.

[83] ينظر: التطور النحوي للغة العربية ، ص: 63.

[84] شرح المفصل، ص: 9/53.

[85] الخصائص، ص: 2/141.

[86] الكتاب، ص: 4/235.

[87] في اللهجات العربية، ص: 57.

[88] ينظر: القراءات القرآنية بين العربية والأصوات اللغوية منهج لساني معاصر، د سمير شريف استيتية، عالم الكتب الحديث، (اربد)، الأردن، 2005م، ص: 45-46.

[89] ينظر: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، د رمضان عبد التواب XE "رمضان عبد التواب" ، مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، ط3، 1997م، ص: 93.

[90] الكتاب، ص: 4/244.

[91] ينظر: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، ص: 92.

[92] ينظر: سر صناعة الإعراب، ص: 1/58.

[93] الكتاب، ص: 4/231.

[94] ينظر: الخصائص، ص: 2/329-330.

[95] شرح شافية ابن الحاجب في علم الصرف، أبو الفضائل ركن الدين الحسن XE "الحسن"  الاستراباذي، تحقيق: عبد المقصود محمد عبد المقصود، مكتبة الثقافة الدينية، (القاهرة)، مصر، ط1، 2004م، ص: 2/742.

[96] في اللهجات العربية، ص: 86.

[97] التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه، ص: 57 .

[98] ظاهرة التخالف الصوتي في تراث علماء العربية القدامى، مقال للدكتور: صبيح التميمي XE "صبيح التميمي" ، بمجلة كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس ليبيا، العدد السابع، 1990م، ص: 365.

[99] في الأصوات اللغوية دراسة في أصوات المد العربية، ص: 283.

[100] ينظر: دراسة الصوت اللغوي، ص: 330

[101] العين، ص: 3/358.

[102] كتاب الجمل في النحو، الخليل XE "الخليل"  بن أحمد الفراهيدي، تح: فخر الدين قباوة، مؤسسة الرسالة، (بيروت)، لبنان، ط1، 1985م، ص: 153-154.

[103] ظاهرة التخالف الصوتي في تراث علماء العربية القدامى، (المقال)، ص: 367.

[104] الكتاب، ص: 4/563.

[105] الكتاب ، ص: 4/613.

[106] الخصائص، ص: 2/90.

[107] الخصائص ، ص: 2/231

[108]الخصائص ، ص: 2/232.

[109] الأصوات اللغوية، ص: 170.

[110] همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي XE "السيوطي" ، تح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية (بيروت)، لبنان، ط1، 1998م، ص: 1/160.

[111] ينظر: التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه، ص: 42.

[112] الخصائص ، ص: 3/304.

[113] ينظر: الكتاب، ص: 4/8.

[114] الكتاب ، ص: 4/10.

[115] الكتاب ، ص: 4/10.

[116] الكتاب ، ص: 4/10.

[117] الكتاب، ص: 4/231.

[118] الكتاب، ص: 4/231.

[119] الكتاب، ص: 3/371.

[120]شرح المفصل، ص: 5/151.

[121] ينظر: الكتاب، ص: 4/423.

[122] المقتضَب، أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، مطابع الأهرام، (القاهرة)، 1994م، ص: 1/205.

[123] الأصوات اللغوية، ص: 133.

[124] ينظر: دراسة الصوت اللغوي، ص: 307.

[125] ينظر: الكتاب، ص: 4/ 317 والخصائص: ص: 2/340.

[126] الإضاءة في بيان أصول القراءة، ص: 45.

[127] الإضاءة في بيان أصول القراءة ، ص: 53.

[128] التيسير في القراءات السبع، الإمام أبو عمرو الداني، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 2005 م، ص: 59.

[129] النشر في القراءات العشر، دار الصحابة للتراث بطنطا، مصر، ط1، 2002م، ص: 2/93.

[130] الإضاءة في بيان أصول القراءة، ص: 46.

[131] النشر في القراءات العشر ، ص: 2/96.

[132] الإضاءة في بيان أصول القراءة، ص: 31.

[133] شرح المفصل، ص: 9/123 و ينظر: الكتاب، ص: 4/270.

[134] ينظر: شرح المفصل، ص: 9/123.

[135] الكتاب، ص:4/271

- مجلة علوم إنسانية -