إبدال الحروف الصوامت حروفًا صوائت في اللغة العربية/ الدكتور يحيى بن علي المباركي

خميس, 12/14/2017 - 12:29

إبدال الحروف الصوامت حروفًا صوائت في اللغة العربية

وتوجيه ذلك وفق القوانين الصوتية اللغوية[1]

الدكتور يحيى بن علي المباركي[2]

 

المستخلص:

تعد ظاهرة إبدال الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) حروف علة ولين (صوائت)، من الظَّواهر الصوتيَّة في اللغة العربية التي تستحق الوقوف عندها مليًّا، فشواهدها كثيرة، وتناوُل القُدماء من علماء اللغة العربيَّة والنحو لها متعدِّد الجوانب، وحكمهم عليها كان متعجلاً، وكانت مهمَّتي في هذا البحث هي المتابعة - ما أمكن - لِمَا قيل قديما وحديثًا حول هذه الظَّاهرة الصوتيَّة في اللغة العربية، ورَصْد شواهدها، ومناقشة بعض آراء القدماء من علماء اللغة العربيَّة والنحو في ضَوْء ما قاله المحْدثون حول بعض قضايا تتَّصل بِهذه الظَّاهرة الصوتيَّة، وخلصتُ إلى ما أراه إجراءً صوتيًّا تعمِد إليه بعض اللغات المنطوقة (والعربية واحدة منها)، وقانونًا صوابًا يتلمَّسُه المتكلِّمون بحروف هذه اللُّغات، ويَميلون إليه متى توافرتْ دواعيه، وقد أتى هذا البحث في مقدّمة تناولت التَّعريف بهذه الظَّاهرة الصوتيَّة والهدف من دراستها، ثمَّ انتقلْتُ إلى التَّعريف بالإبدال، وأوضحْتُ الفرْقَ بينه وبين كلٍّ منَ القلْب والتَّعويض، وهي مصْطلحات تردَّدتْ كثيرًا في مؤلَّفات القُدماء من اللُّغويين والنُّحاة العرب، ثمَّ تحدَّثت بعد ذلك - بإيجاز - عن التَّعريف بكلٍّ من الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت)، وحروف العلة واللين (الصَّوائت)، وكيف تسنَّى التناوُب بينها في اللغة العربية عند القدماء، وأوردتُ طرَفًا من آراء المحْدثين من الباحثين اللغويين حول علة هذا التناوب، واستشهدنا على ذلك بجملةٍ من الأمثلة والشواهد التي عثَرْنا عليها في بعضِ المطوَّلات من المعاجم اللغوية وكتب النحو والصرف، ثم عقَّبْنا على ذلك ناقدين ومناقشين ومحاكمين ما قيل حول هذه الظاهرة الصوتية في حُرُوف العربية، ومِلْنا إلى ما ظننَّا أنَّه الصواب، ثم عقَّبنا على ذلك بالخاتمة.

 

مقدمة

يرى القُدماء من علماء اللغة العربيَّة والنَّحو أنَّ حروف اللغة - أي لغة - تتعرَّض - في تبدلها - لما تتعرَّض له اللغة نفسها في أنظِمتها الأخرى من التطوُّر والتغيُّر أحيانًا؛ نتيجة انتقال اللغة من بيئتها واتصالها بلغة أخرى، وما قد يكون بين اللغتين من صراع[3]، وإلى ما قد يُصيب حُرُوف اللغة نتيجة الحقب التاريخيَّة الطويلة التي تَمُرُّ على اللغة في حروفها عندما يتكلمها أفرادٌ مختلفون في عصور مختلفة وأماكن متفرقة، وينظر بعضُ الباحثين عادةً إلى اللغة - في تطوُّرها على مُرُور الزمن - بأن اللغة تخضع للتطوُّر والتغيُّر من جيلٍ إلى آخر؛ لأن اللغة ليستْ في الحقيقة إلا عادات صوتية تؤدّيها عضلات خاصَّة، ويتوارثها الخلَف عن السلف، غير أنَّ تلك العضلات لا تؤدِّي تلك العادات الصوتية بصورةٍ واحدة في كلِّ مرَّة؛ إذ يُعزى إلى ما يمكن أن يطلق عليه العوامل الخلقية العضوية بعض ما يصيب اللغة التي يتكلمها أفراد مختلفون في عصور مختلفة من تبدُّلات صوتيَّة أو خلافها، وقلَّ أن تحتفِظ اللغة - في فروقٍ كهذه - بوحْدتها الأولى أمدًا بعيدًا، إضافة إلى أنَّ تلك التبَدُّلات الصوتيَّة الَّتي تصيب حروف اللُّغة تحدث على ما يلائم البيئة نفسها التي تحتضِن العُنصر اللغوي من رقَّة في الألفاظ والحروف أو ميل إلى الشِّدة والفخامة، وقد دلَّت الوقائع على أنَّ التفاوت الاجتماعي بين الطَّبقات داخل الجماعة اللغوية يحتِّم وجود آثار واضحة في اللغة رغم تجانس الوسط الاجتماعي إلى حدٍّ كبير[4]، وتبرهن الشواهد على أنَّ كلَّ لغة قد تتغير بمرور عدَّة قرون على استِخْدامها على ألسنة متكلِّميها تغييرًا يعتدُّ به، وتؤدي استِعْمالات الأفراد للُغتهم مع اختلاف تكوينهم الخلقي وتبايُن بيئاتهم إلى بروز اختلافات في أنظِمة اللغة - ومنها الصَّوتية - التي تُوصف بأنَّها سريعة التأثُّر ظاهرة التبَدُّل، فإذا تبلورت تلك الاختلافات وترافقتْ بمرور الزَّمن مع ما يصيب اللغة - خاصَّةً في حروف أصواتها - من تغيُّر وتبدُّل، نتيجة ما يتاح لأبنائِها من فرص الاحتِكاك والاختِلاط، عن طريق اتِّصالهم بأبناء اللغات الأخرى التي تختلف عنها، أو تنتمي إليْها بصلة، نازحين إلى بيئتها سلمًا لتبادُل المنافع واجتِلاب المصالح، أو حربًا يُسبَق بغزو منظم وسيطرة مسلَّحة، فإنَّ النتيجة في النهاية صراع بين لغتي الفريقين، وتختلف نتائجُه باختلاف أحوال هذا الصراع وأمده ومدى تقبل إحداهما لتأثير الأخرى، والمحصلة تبدُّل في أنظمة اللغتين - خاصَّة حروف الأصوات - يَجعلهما متأثِّرتين ببعضِهما في كثيرٍ من مظاهِرِهما الصَّوتية.

 

وتنقسِم هذه التَّغييرات الصَّوتيَّة عمومًا إلى قسمَين كبيرين:

أوَّلهما: التغْييرات التَّاريخيَّة.

وثانيهما: التَّغييرات التَّركيبيَّة.

 

ونعني بالتَّغييرات التَّاريخيَّة: تلك التغْييرات الَّتي تحدث من التحوُّل في النظام الصوتي للغة، بحيث يصير الصَّوت اللغوي في جَميع سياقاته صوتًا آخر، أمَّا التَّغييرات التركيبيَّة: فهي الَّتي تُصيب الأصْوات من جهة الصِّلات الَّتي تربط هذه الأصْوات بعضها ببعض في كلِمة واحدة[5].

 

أهداف البحث:

ليستْ غايتنا في الصَّفحات القادمة التأكيد على وُجُود هذه التغييرات الصوتية بقسميها - التَّاريخي والتَّركيبي - في اللغة العربيَّة، فآثارها واضحة، وشواهدُها لا تُحصى، والبحث فيها قد يطول، وإنَّما نهدف في هذا البحث أن نناقِشَ هذه الظَّاهرة الصوتية التي يلحظها كلُّ دارس ومتتبِّع لأصوات اللغة العربيَّة ألا وهي حقيقة "إبدال الحروف الصحيحة (الصوامت) حروف علَّة ولين (صوائت)" في اللُّغة العربيَّة، وأسباب هذا التغيير، وعِلَله الصوتية في ضوء ما قاله القُدماء من عُلماء اللُّغة العربيَّة والنَّحو، وما قال به بعض المحْدثين، مع الميل إلى ترجيح ما نظن أنَّه الحقّ والصَّواب في هذه المسألة أو تلك، ووضع القواعد والقوانين الصَّوتية - ما أمكن - مما ينتظم هذا التغيير ويضبطه صوتيًّا مع النظر إلى مدى اتِّفاق العربية - في أصْوات حُرُوفها - مع لهجاتها، وشيوع هذه الظَّاهرة الصوتية في اللغات العالميَّة الأخرى.

 

تعريف الإبدال والفرق بينه وبين القلْب والتعويض:

يحسُن بنا قبل أن نتحدَّث عن حقيقة هذا التناوُب بين الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) وحروف العلة واللين (الصوائت) في لغتنا العربية - موضوع البحث - أن نفرِّق أوَّلاً بين المصْطلحات الصَّوتيَّة الثَّلاثة (البدل، القلب والتعويض)، فنقول:

حدُّ البدل: وضْعُ الشيءِ مكان غيره على تقدير إزالة الأوَّل.

أمَّا القلْب: فهو تغْيير الشَّيء على غير الصورة التي كان عليها[6].

وحدُّ التعويض: هو جعْل حرْفٍ خلفًا لحرف أو أكثر أو حركة[7]، وهذه حُدُود - كما يُقال - عامَّة لما يجري في النَّحو وغيره[8].

 

والفروق بين الإبدال والقلب: أن القلب يختص بحروف العلة، والإبدال يكون فيها وفي الحروف الصحيحة، فالإبدال أعمّ والقلب أخصّ، وقال بعضهم: بدلٌ هو إقامة حرف مقام حرف غيره؛ نحو تاء تخمة وتكأة، وبدلٌ هو قلب الحرف نفسه إلى لفظ غيره على معنى إحالته إليه، وهذا إنَّما يكون في حروف العلَّة، وفي الهمزة أيضًا لمقارنتها إيَّاها وكثرة تغيُّرها، وذلك نحو: "قام"؛ فالألف واو في الأصل، و "موسر" أصله ياء، و "راس" أصل الهمزة استحالتْ ألفًا[9]، وكلّ قلْب بدل وليس كلّ بدل قلبًا، ويرى بعضُهم أنَّ الفرق بين البدل والقلب في الحروف: أنَّ القلْب يَجري في حروف العلَّة، ومناسبة بعضِها البعض، وشدَّة تقارُبها؛ فكأنَّ الحرف نفسه انقلب من صورة إلى صورة؛ إذا قلت: "قام"، والأصل "قوم"، فكأنَّما لم يُؤْت بغيره بدلاً منه، ولم يخرج عنه، فهذا في حروف العلَّة، فأمَّا في غيرها فيجْري على البدل لتباعُد ما بين الحرفَيْن؛ فلم يَجِبْ أن يجريَ مَجرى ما يتقارب التَّقارُب الشَّديد، بل وجب فيما تقارب أن يقدر أنَّه لَم يخرج من التَّغْيير عنْه؛ فلذلك أُجْري على طريقة القلب، فأمَّا ما تباعد فيقْتضي الخروج عنه التغيير[10]، والإبدال على نوعَيْن:

1- ما أبْدل إبدالاً شائعًا للإدْغام، وهو جَميع حروف المعجم إلاَّ الألف.

 

2- ما أبدل فيه حرف من غيرِه لبُعْده عن الإدغام[11]، وحُرُوف البدَل - لغير إدغام - اثنان وعشرون حرفًا، قال صاحب "التَّسهيل": يجمع حروف البدل الشَّائع لغير إدغام قولك: "لجد صرف شكس آمن طي ثوب عزته"، وعدَّها بعضُهم في اثني عشر حرفًا، جمعوها في عبارات متعدّدة منها: "طال يوم أنجدته"، وأسقط بعضهم اللام، ويعدّها في أحد عشر حرفًا، ثمانية من حروف الزيادة، وهي ما عدا السّين واللام، ويُضيف إليها الجيم والطاء والدال، وبعضهم يعدّها أربعة عشر حرفًا - كالرمَّاني - ويجمعها في قولهم: " أنصت يوم زل طاه جد"، ويرى الزمخشري بأنَّ حروف البدل هي حروف الزيادة والطاء والدال والجيم والصاد والزاي، ويجمعها قولك: "استنجد يوم صال زط"[12].

 

ويرى القالي: أنَّ حروف الإبدال عند اللغويين اثنا عشر حرفًا فقط يَجمعها قولك: "طال يوم أنجدته"[13].

 

وهذا الإبدال على نوعَيْن:

أحدهما: إبدال قياسي: وذلك عندما يكون للفظ صيغتان إحداهما: مقيسة صرفيًّا، وعليها مدار الاستِعْمال والشواهد تعضدها، والأخرى: مهْملة أو نادرة الاستعمال، وليس لها شواهد كافية تؤكِّد فصاحتها أو شيوع استِعْمالها.

 

الثاني: إبدال لغوي: وذلك عندما نرى للكلِمة صورتَين مستعْملتَين أو على الأقل جائزتَين في الاستعمال.

 

واللغويون قد قصروا عنايتهم على هذا النوع من الإبدال، وعدُّوه من سنن العرب؛ حيث يبدلون الحروف ويقيمون بعضها مقام بعض ويقولون: "مَدَهَهُ ومَدَحَهُ"، و "فرس رِفَلّ ورِفَنّ"[14]، ويقولون: "صَدَدْتُ وتَصْدِية[15]"، و "غَذّ وغَذَا"[16]، و "مَطَطْتُ ومَطَوْتُهُ"[17]... إلخ؛ حيث أبْدلَ - في رأيهم - أحد الصَّوتين المتماثلين المتجاورَين المدغمين في بعض ما ذكر من الأمثِلة إلى صوت علَّة طويل أو صوت لين، وسيأتي مزيدُ إيضاح لها فيما بعد.

 

تعريف الحرف الساكن الصحيح (الصامت) وحرف العلة واللين (الصائت):

يرى علماء الأصوات أنَّ الحرف السَّاكن الصَّحيح (الصامت) له مكان نطق محدَّد ينتج بقدر كبير من التوتُّر والاحتكاك، وربَّما غلْق كامل لمجرى الهواء ثمَّ فتحه فجأة[18]، وذلك بخلاف حرف العلَّة واللين (الصَّائت) الذي هو عبارة عن صوت مجهور يخرج مع الهواء عند النطق به على شكل مستمرّ من الحلق والفم، مع تغْيير يسير لوضع اللّسان ومجرى الفم وشكله أحيانًا، غير أنَّه لا يتعرَّض لتدخُّل الأعضاء الصوتيَّة الأخرى تدخُّلاً يمنع خُرُوجه أو يسبِّب فيه احتكاكًا مسموعًا[19]، وترتَّب على اختلاف كيفيَّة مرور الهواء الصَّاعد من الرئَتَين عبر القصبة الهوائية والتَّجويف الحنجري في حالتي النُّطق بكلٍّ من المجموعتين (الحروف الصَّحيحة وحروف العلة) أنَّ الحروف الصحيحة - على العموم - تختلف عن حروف العلة واللين، فالحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصَّوامت) لها مخارج ثابتة ومحدَّدة في الجهاز النطقي دون حروف العلَّة واللين الَّتي هي عبارة عن أصْوات متصاحبة مع هواء النَّفس الخارج من الجوف، وتنْفرد حروف العلَّة واللين (الصَّوائت) - عند علماء الأصوات المحْدثين - بميزة الوضوح السَّمعي؛ حيث تسمع من مسافة عندها قد تخفى الحروف الصَّحيحة أو يُخطأ في تمييزها، وهذه الميزة لحروف العلة واللين (الصوائت) دون الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) إنَّما أتتْها من قبيل عدم الاحتِكاك الَّذي تتميَّز به عند النُّطق بها ممَّا جعلها أصواتًا موسيقيَّة منتظِمة قابلة للقِياس، خالية من الضَّوضاء، لها القدرة على الاستِمْرار، وهي بهذا تختلِف عن الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) الَّتي هي عبارة عن ضوْضاء ناتجة عن الاحتِكاك[20].

 

ولاجتماع هذه الميزات الصوتيَّة في حروف العلَّة واللين (الصَّوائت) دون الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصَّوامت) بالإضافة إلى سهولة نُطقها - كما نرى من التَّعريف السَّابق - جَعَلَها أيسر الحروف وأسهلها على الجهاز النطقي للمتكلم باللغة، الَّذي يميل بطبْعه إلى الاقتصاد في المجهود العضَلي، وتلمس أسهل السُّبُل مع الوُصُول إلى ما يهْدف إليْه من إبراز المعاني، وإيصالها إلى المتحدِّثين معه بهذه اللُّغة؛ فهو لهذا يميل إلى استِبدال السهل من أصوات اللغة بالصَّعب الشَّاقّ الذي يحتاج إلى مجهودٍ عضلي أكبر.

 

وحروف اللغة العربيَّة بقسميها (الساكنة الصحيحة والعلة واللين) تختلف فيما بينها صُعُوبة أو سهولة، انفتاحًا أو ضيقًا، وضوحًا أو خفوتًا؛ فحروف العلة واللين (الصوائت) المتسعة أوضح من الضيقة؛ أي: إنَّ الفتحة أوضح وأقلّ ثقلاً من الضَّمَّة والكسرة، كما أنَّ الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) ليستْ جميعها ذات نسبة واحدة في ذلك، بل منها الأثقل كالهمزة[21]، واجتماع المثلَيْن في الكلِمة، والأَوْضح أيضًا كاللام والراء والنون على ألسِنتهم، فالأصوات المجْهورة أوضح في السَّمع من الأصوات المهموسة، وحروف العلَّة واللين (الصَّوائت) في اللغة العربيَّة هي ما اصطلح القدماء على تسْمِيته بحروف المدِّ واللِّين، وما عدا هذا فحروف ساكنة صحيحة (صوامت)، فنحنُ نرى بعد هذا كله أنَّ حروف العلَّة واللّين (الصَّوائت) أسهل وأوْضح وأكثر تردُّدًا في النطق من الحروف السَّاكنة الصحيحة (الصَّوامت)[22].

 

إبدال الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) حروف علة ولين (صوائت):

اتَّفَق كلٌّ مِنْ قدامى علماء اللغة العربية والنحو مع المحْدثين على إبدال بعض الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) في بعض ألفاظ اللغة العربية حروف مد ولين (صوائت)، بيد أنَّهم قد انقسموا فيما بينهم حول أسباب ذلك الإبدال، وعِلَله، وما يترتب عليه من إجراءات صوتية على قسمين:

أ- عند القدماء:

أشار القُدماء من علماء اللغة العربية والنَّحو إلى هذه المسألة الصوتية (إبدال الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) حروفَ علة ولين (صوائت) في كتبهم ومؤلفاتهم ومختصراتهم، وزادوها وضوحًا وهم يُناقشون الظَّواهر الصوتية في اللغة العربية، مما يعود - في أساسه - إلى ما ذكروه من أمثال: اجتماع الأمثال مكروه[23]، و (الحرف الذي يضارع به حرف من موضعه، والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه[24])، و (التخفيف للتضعيف[25]) ... إلخ، ولعلَّهم كانوا يريدون بذلك وأمثاله طلب الخفَّة والسهولة في نطق الحروف العربية، وما ذلك إلاَّ لأنَّ التضعيف يثقل على ألسنتهم، وأنَّ اختلاف الحروف أخفّ عليهم من أن يكون من موضع واحد، ألا ترى أنَّهم لم يجيئوا بشيء من الثلاثة على مثال الخمسة نحو ضَرَبَّبٍ، ولم يجئ فَعَلَّلٌ ولا فَعُلَّلٌ إلا قليلاً، ولم يبنوهن على فُعَالِلٍ كراهية؛ وذلك لأنَّه يثقل عليهم أن يستعملوا ألسنتهم من موضع واحد ثمَّ يعودوا له، فلمَّا صار ذلك تعبًا عليهم أن يداركوا في موضع واحد، ولا تكون مهلة كرهوه وأدغموا؛ لتكونَ رفعة واحدة، وكان أخفَّ على ألسنتهم مما ذكرت لك[26].

 

وقد يُقلب أحد الحروف المضعفة - من وجهة نظرهم - إلى حرف علَّة طويل، وذلك نحو: "تَغَلَّى في تَغَلَّلَ[27]، و "تَلَظَّى في تَلَظَّظَ[28]"، و "خَمَى في خَمَّ[29] "، وذلك بهدف التخفيف على الجهاز النطقي، ممَّا يدفع المتكلم بحروف اللُّغة إلى تجنُّب التحرُّكات النطقيَّة التي يمكن الاستغناء عنها، أو استبدالها بما هو أخفُّ منها في النطق، وهذه الغاية من استِبْدال حروف العلَّة واللّين (الصَّوائت) بالحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) عبَّر عنها ابن سِيده بقوله: "إنَّ حروف العلَّة أحقّ بالإبدال من كلِّ ما عداها من الحروف - يقصد السَّاكنة الصَّحيحة (الصَّوامت) - لاجتماع ثلاثة أشياء: طلب الخِفَّة، والكثرة، والمناسبة بين بعضِها وبعْض من جهة ما فيها من المدِّ واللين، ومن جِهة ما يمكن بها في الشعر والتَّلحين، ومن جِهة اتِّساع مخرجها على اشتِراكها في ذلك أجْمع، وكلّ واحد من المعاني الثَّلاثة يطالب بجواز الإبْدال، وأمَّا طلب الخِفَّة، فإنَّه إذا كان قلْب الواو إلى الياء في "ميقات" أخفّ من الأصْل الَّذي هو "مِوْقات"، فهو أوْلى منه؛ فالخفَّة تطالب به، وأمَّا الكثرة فإنَّ ما كَثُر في الكلام أحقُّ بالتَّخفيف، ولها كثرة ليست لغيرها من الحروف؛ لأنَّه لا يخلو كلمة منهنَّ أو من بعضهن؛ إذ لو أُشبعت الضمة لصارت واوًا، ولو أشبعت الفتحة لصارت ألفًا، ولو أشبعت الكسرة لصارت ياءً، فالكثرة تطالب التخفيف على ما بيَّنَّا.

 

وأمَّا المناسبة فتتطلَّب جواز قلْب بعض إلى بعض من غير إخْلال بالكلِمة، من قِبَل أنَّ المقارب للحرف يقوم مقام نفس الحرف، فكأنَّه قد ذكر بذكره نفس الحرف، وليس كذلك المتباعد منه، فلهذه العِلَّة من اجتماع الأسباب الثَّلاثة كانت أحقَّ بالإبدال من غيرها"[30].

 

وقال سيبويه: "باب ما شذَّ فأبدل مكانَ اللام الياء لكراهية التضعيف، وليس بمطَّرد:

وذلك قولك: تَسَرَّيت وتَظَنَّيت وتَقَصَّيت من القِصَّة، وأمليْت، كما أنَّ التاء في أَسْنَتُوا مبدلة من الياء، أرادوا حرفًا أخفَّ عليهم منها وأجْلد كما فعلوا ذلك في أتلج، وبدلها شاذّ هنا بمنزلتها في سِتٍّ، وكل هذا التَّضعيف فيه عربي كثير جيد"[31].

 

وقبل هذا الباب عَقَد سيبويه أيضًا في كتابه بابًا أسماه (باب ما شذَّ من المضاعف فشبه بباب أَقَمْت، وليس بمتلئب، وذلك قولهم: أَحَسْتُ يريدون أَحْسَسْتُ، وأَحَسْنَ يريدون أَحْسَسْنَ، وكذلك تفعل في كلِّ بناء تُبنى اللام من الفعل فيه على السُّكون، ولا تصل إليْها الحركة شبهوها بأقمت؛ لأنهم أسكنوا الأولى، فلم تكن لتثبت والآخرة ساكنة، فإذا قلت: لم أُحِسَّ لم تحذف؛ لأنَّ اللام في موضع قد تدْخله الحركة، ولم يبن على سكون لا تناله الحركة، فهم لا يكرهون تحريكها، ألا ترى أنَّ الذين يقولون: لا تَرُدَّ، يقولون: رَدَدتُّ؛ كراهيةً للتحريك في فَعَلْتُ، فلمَّا صار في موضع قد يحرِّكون فيه اللام من "رددت" أثبتوا الأولى؛ لأنَّه صار بمنزلة تحريك الإعراب إذا أدرك نحو "يقولُ ويبيعُ"، وإذا كان في موضع يحتملون فيه التَّضعيف لكراهية التَّحريك حذفوا؛ لأنَّه لا يلتقي ساكِنان، ومثل ذلك قولهم: ظِلْتُ ومِسْتُ، حذفوا وألقوا الحركة على الفاء، كما قالوا: خِفْتُ وليْس هذا النَّحو إلا شاذًّا، والأصل في هذا عربي كثير"[32].

 

وتحدَّث المبرِّد في "المقتضب" عن هذه الظَّاهرة في باب أفردَه لها بعنوان (باب ما شبه من المضاعف بالمعتلّ، فحذف في موضع حذفه)، وكان ممَّا قاله: "إنَّ التَّضعيف مستثْقل، وإنَّ رفع اللسان عنه مرَّة واحدة ثم العودة إليه ليس كرَفْع اللسان عنه وعن الحرف الَّذي من مخرجه، ولا فصل بينهما؛ فلذلك وجب ... ....، ولكن إذا وقع التضعيف للصيغ العربية، فإنَّ قومًا من العرب أبدلوا الياء من الثاني؛ لئلاَّ يلتقي حرفان من جنس واحد؛ لأنَّ الكسرة بعض الياء وأنَّ الياء تغلَّبتْ على الواو رِفعةً، فما فوقها حتَّى يصيرها ياءً، ولا يكون إلاَّ ذلك...، وذلك قولهم في تَقَضضت: تَقَضَّيتُ، وفي أَمْلَلْتُ: أَمْلَيتُ، وكذلك تَسَرَّيتُ في تَسَرَّرْتُ، والدليل على أنَّ هذا إنَّما أُبدل لاستثقال التضعيف، قولك: دينار وقيراط والأصل دِنَّارٌ وقِرِّاطٌ، فأبدلت الياء للكسرة، فلمَّا فرقت بين المضاعفين رجع الأصل، فقلب: دنانير وقراريط، وما خرج عمَّا ذُكِر ممَّا يرى أنَّه خالف أصل الموجود من الصِّيغ العربيَّة، وليس له علاقة ظاهرة عنده، وصفه بأنه شاذ جيء به لضرورة من وزن أو خلافه"[33].

 

وقال الزمخشري: والياء قد تُبدل من أحد حرفي التضعيف في قولهم أَمْلَيتُ، وقصَّيتُ، ولا ورَبِّيك لا أفعل، وتَسَرَّيتُ، وتَظَنَّيتُ، ولم يتَسَنَّ وتَقَضِّي البازي ... إلخ".

 

ولَم يزد ابنُ يعيش النحوي في شرحه لكلام الزمخشري عن وصْف كلِّ هذه المظاهر بأنَّ إبدال الياء فيها من هذه الحروف وأشباهها جاء شاذًّا، وأنَّها لا يُقاس عليها، ثم ساق الكلام على حسب ما ذكره صاحبُ الكتاب دون زيادة أو نقصان.

 

ويقول الرضي: "والياء تُبدل من أحد حرفي المضاعف...، ومن الباقي مسموع كثير، نحو أمليت وقَصَّيتُ "[34].

 

وقال ابن جني في "الخصائص": "ومِن ذلك: استثقالهم المثلين حتى قَلَبوا أحدهما في نحو: أمليت وأصلها أَمْلَلْتُ، وفيما حكاه أحمد بن يحيى: أخبرَنا به أبو علي عنه من قولهم: لا وَرَبِّيك لا أفعل؛ يريدون: لا ورَبِّك لا أفعل، نعم، وقالوا في أشدّ من ذا: -

يَنْشَبُ فِي المَسْعَلِ اللَّهَاءِ 

أَنشَبَ مِنْ مَآشِرٍ حِدَاءِ 

 

وقالوا: يريدون حِدَادًا، فأبدلوا الحرف الثاني، وبينهما ألف حاجزة...، ومن ذلك قول العرب: (تسرَّيت) من لفظ (سرر)، وقد أحالتْه الصنعة إلى لفظ (سري)، ومثله (قصَّيت أظفاري) هو من (ق ص ص)، وقد آل بالصَّنعة إلى لفظ (ق ص ي)، وكذلك قوله:

تَقَضِّيَ البَازِي إِذَا البَازِي كَسَرْ

 

وهو في الأصل من تركيب (ق ض ض)، ثمَّ أحاله ما عرض من استثقال تكريره إلى لفظ (ق ض ي)، وكذلك قولهم تَلَعَّيت - من اللُّعاعة - أي خرجت أطلبها - وهي نبت - أصلها (ل ع ع)، ثم صارتْ بالصنعة إلى لفظ (ل ع ي)... وأشباه هذا كثير، ونقل عن أبي عبيدة أن العرب نقلت حروف المضاعف إلى الياء، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَقدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10]، وهو من دسست، وقوله: ﴿ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾ [البقرة: 259] من مسنون، وقولهم: (سُرِّية من تسرَّرْتُ، وتَلَعَّيتُ من اللُّعاعة)، ونقل عن الجوهري في "الصحاح": يقال حَسَيتُ بالخبر وأَحْسَيتُ به؛ أي: حَسَسْتُ وأَحْسَسْتُ يبدلون من إحدى السينين ياء... إلخ"[35].

 

ونقل عن صاحب الجمهرة قوله: "إنَّ التمطِّي أصله التمطُّط، فأبدلوه كما قالوا: تَقَضِّي البازي... وما أشبهه"[36].

 

وخصَّص ابن سِيده في كتابه "المخصص" بابًا عنونه باسم "باب المحول من المضاعف" وقد افتتحه بما قرَّره سيبويه من قوله: "هذا باب ما شذَّ فأبدل مكان اللام ياء كراهية التَّضعيف، وليس بمطَّرد عنده"، وذلك كقولك: تَسَرَّيتُ وتَظَنَّيت، وتقَصَّيتُ وأَمْلَيتُ... وكلّ هذا التَّضعيف جيِّد كثير، وعلى الرَّغم من قول أبي علي مِن أنَّ سيبويه يرى أنَّ بدل الياء في هذه الأحرف شاذّ، فقد جاء غيرها ممَّا لم يحصر، فمنه قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9-10]، وأبدل الياء من السين الأخيرة، ثمَّ قلبها ألفًا لانفِتاح ما قبلها، وبعض ما قيل في قوله تعالى: ﴿ إِلَى طَعَاِمكَ وشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾ [البقرة: 259] من أنَّ تقديره "لم يتسنن"، فقلبت النون الثانية ياءً، ثم قلبت ألفًا لتطرفها وانفتاح ما قبلها، وحذفها للجزم، ثم جعل مكانها هاء للوقف... قال العجَّاج:

تَقَضِّيَ البَازِي إِذَا البَازِي كَسَرْ

 

يريد تقضُّضه من الانقضاض، ويقال: تقصَّيت من القصَّة، وقد روي: فلان آمَى من فلان من قولك أممت، وهذا مثل: أمْلى في معنى أملَّ... إلخ[37].

 

يتَّضح لنا بعد هذه الإشارات السريعة إلى تناول القُدماء من علماء اللغة العربية والنحو لهذه الظاهرة عدم وقوفهم عليها كثيرًا، فلم يناقشوها مناقشةً تُقنِع الباحث المدقق في تفاصيلها جميعًا، ولم يحصروا مظاهرها كلها، وإنما أشاروا إليها إشاراتٍ عابرة، وكانت نصوصهم حولها متشابهة، وأحكامهم عليها متباينة، وتفسيرهم لحدوثها يعتريه الاضطرابُ إلاَّ ما ندر، بَيْد أنهم - تقريبًا - يُجمعون على أنَّ العربي قد عمد إليها في لغته؛ طلبًا للخفة في نطقه.

 

ب - عند الباحثين المحْدثين:

عزَا بعض الباحثين المحدَثين ممَّن وقف على هذه الظَّاهرة في حروف اللُّغة العربيَّة إلى عوامل خارجة عن بنية اللغة، وقد تعود مظاهرُها - في معظمها - إلى عوامل التَّطوُّر التاريخي لأصواتها، وما احتفظتْ به من آثار اللُّغات السامية القديمة، التي تنتمي إليها بصلة القُرْبى (الأكادية والأرامية والعبرية والحبشية... إلخ).

 

يقول د. إبراهيم أنيس: "إنَّ اللام والميم والنون من الأصوات الساكنة، وهي أكثرها شيوعًا في اللغة العربية، وأنَّها قد تحوَّلت في مرحلة من مراحل اللغة العربية إلى الياء والواو، من مثل: وشر ونشر، والوقص والنَّقص، والوكز واللكز، ولا تقتصِر هذه الظَّاهرة - في رأيه - على اللغة العربيَّة، بل الباحِث المدقِّق في كلمات اللغات السامية كالعبرية سيعثر على أمثال هذه الكلمات التي سقناها...، الواو والياء كانتَا إذًا أحد الأصوات الثلاثة (اللام والنون والميم)، وقد أدَّتْ عوامل التطوُّر اللغوي إلى هذا الانقلاب...، فاللام والميم والنون تكون مجموعة من الأصوات الساكنة، وهي أكثرها في اللغة العربية، ولا يبعد أن تكونَ هذه الحقيقة في كلِّ اللغات السامية"[38].

 

ويذهب د. بول كراوس في محاضراته - المحاضرة الرابعة - إلى أنَّ هذا الاعتلال (نصب ووصب) في اللغة العربية يُعزِّز صحَّة الرأي القائل بمدى العلاقة القوية بين أفعال معتلة وأخرى غير معتلة في العربية، وهو ما يؤكِّد أيضًا أن هذا الاعتلال قد حدث في مرحلة وسيطة بين المرحلة الثنائية والمرحلة الثلاثية، وأمثال هذه الاعتلالات التاريخيَّة وقعت في الكلمات في حقبة متقدمة من نحو الفعل (نفر) نجده في الحبشية (وفر)، وهي حالة تؤكد ما نلاحظه في العربية من قربى بين (نَصَب ووصب، ونشر ووشر).

 

وذهب النحاة العبرانيون إلى أنَّ ظهور الأفعال المعتلَّة الفاء أو اللام (وخز وقفا في نخز وقفر) قد نشأت عن تطوّر أفعال صحيحة ثلاثية[39].

 

وأشار رابين إلى أنَّ المصادر العربية ذكرتْ أنَّ طيئًا- من القبائل العربية القديمة - تقول: بقى وبقت مكان بقي وبقيت، وكذلك أخواتها من نحو رضي ونسي وفني، يجعلون الياء - نصف العلَّة - ألفًا، وهذا - حسب رأيه - تطور قد حدث في العبرية أيضًا[40].

 

ويرى برجستراسر أنَّ تبديل الواو والياء بالهمزة في حالة وقوعهما بعدَ فتحة مَمْدودة مثاله (قائم وسائر) إلى غيرهما هو أثرٌ باق في حروف العربية من آثار اللُّغات السامية القديمة، والدليل على ذلك أنَّ التبديل يرتقي إلى اللغة السامية الأُمّ، وهو أنَّا نجده في الآكادية والآرامية، بل يذهب إلى أنَّ الحرف المشدَّد هو حرفان مثلان متتاليان مدغمان في حرف واحد، وقد يفكُّ الإدغام ويصير الحرف المشدَّد حرفين مختلفين بقَلْب أوَّل نصفيه إلى حرف آخر مثل كلمة (السنبلة) في العربية أصلها (السُّبُّلة)، وهي في الآرامية كذلك؛ أي: باءان، وصارتْ أولاهما في العربيَّة نونًا[41].

 

ويذكر المطلبي تعقيبًا على إبدال الهاء من الياء في (هذي) أنَّ ذلك الإبدال شائعٌ عند بني تميم في الوقف المحض...، وفي الحقِّ أنَّ صلة الهاء بأصوات المدِّ معروفة تاريخيًّا في اللغات السامية، ولعلَّ ذلك واضح كلّ الوضوح في اللغة العربيَّة؛ إذ إنَّ صوت الهاء فيها من أصوات الاعتلال، ويعامل في حالة تطرُّفه في طائفة من الأفعال معاملة أصوات المد[42].

 

ممَّا سبق من آراء لبعض الباحثين المُحْدَثين ممن وقف على هذه الظاهرة في حروف اللغة العربية نلاحظ ميْل أصحاب هذه الآراء تصريحًا أو تلميحًا إلى الاعتقاد بأنَّ كثيرًا من التبدلات الصوتيَّة الَّتي أصابت حروفَ اللغة العربيَّة - كإبدال الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصَّوامت) حروفَ علَّة ولين (صوائت) - إنَّما أتاها بسبب ما ذكروه مِن عوامل التطور التاريخي أو بعضه، وما تتركه من تغييرات على الحرف اللُّغوي مما يؤدِّي - في بعض آثاره - إلى أن ترث العربية بعضَ خصائص اللغات السامية القديمة، وتبقى فيها أثرًا ينميها إلى الأصل (الأم)، وتفسر في ضوئه معظم التبدلات الصوتية التي أصابتْ أصوات اللغة العربية.

 

مناقشة آراء القدماء من اللغويين والنحاة والباحثين المُحْدَثين:

نحن بعد سَرْد هذه الآراء للقدماء من اللُّغويين والنحاة مما عثرْنا عليه في المطولات من المعاجم وكتب اللغة ومؤلفات النحو والصَّرْف، وما ذهب إليه المحدَثون من الباحثين من أنَّ هذه التبدلات الصوتية التي أصابت حروف اللغة العربية (مما نحن بصدده) إنما أتاها طلبًا للتخفيف (كما رآه القدماء)، أو بسبب خارج عن بنية اللغة (كما ذهب إليه بعضُ الباحثين المحدَثين)، وقد عزوا مظاهره إلى عوامل التطوّر التاريخي لحروفها، وما احتفظت به من آثار اللغات السامية القديمة...إلخ، نقف على خلاف من وجوه عِدَّة، وسنأتي على بعضها.

 

فأمَّا القول بأن إبدالاً كهذا - إبدال الحروف الساكنة الصحيحة (الصوامت) حروف علة ولين (صوائت) - يعد من آثار اللغات السامية القديمة بقي شيء منه في العربية شاهدًا على التطور التاريخي لحروفها الذي تم عبر حِقَب تاريخية طويلة يفتقر - في ضوء ما رأيناه من أمثلة - إلى بيان، والقول به دون دليل يطلعنا على أطواره منذ نشأته، حتى استوائه ضَرْبٌ من تكليف علم الغيب في معرفته.

 

وقد كان القدماء - في رأيي - من علماء اللغة والنحو على طريق مستقيمة - إلى حدٍّ ما كما سنرى فيما بعد - في تعاملهم مع هذه الظاهرة، فقد أشاروا إلى وجودها في اللُّغة العربية في ألفاظ كثيرة لا تُحصَى، كما أشار إلى ذلك ابن سيده في "مخصصه" نقلاً عن أبي علي الفارسي[43]، ونبَّه ابن جني على كثرته في كتابه "الخصائص" في أكثر من موضع[44]، وقال الرضي: "والياء تبدل من أحد حرفي المضاعف... ومن الباقي مسموع كثير في أمليت وقصيت"[45].

 

ومع أنَّني أرى بأن هذه المسألة الصوتية هو إجراء لغوي تعمد إليه كثير من اللغات المنطوقة - كما سنراه فيما بعد - إلا أنَّ القدماء ظلُّوا ينظرون إليه على أنَّه إجراء شاذٌّ ونادر، مع كثرة المنقول منه عن العرب وفصاحته من حيث كان قياسُهم يأباه ولا يطرده، والاستعمال يجيزه.

 

وأمَّا أن حروف العلة واللين في بعض الألفاظ التي وردت في العربية كان أصلها اللام والميم والنون والراء - كما يراه بعضُ الباحثين المحدَثين - بناء على ما وجدوه من التعاقب بين حروف العلة واللين، وهذه الحروف الساكنة الصحيحة في اللُّغات السامية القديمة كالعبرية والآرامية والحبشية، وبعض الصيغ العربية، فلا ينهض - في رأيي - دليلاً على أنَّ ذلك إنما حدث بسبب التطوُّر التاريخي الذي تعرَّضت له اللغات السامية عامَّة، واللغة العربية بصفة خاصَّة؛ إذ لم يقدم لنا هذا الرَّأي تفسيراتٍ مقْنِعة للمراحل التَّاريخية، الَّتي سلكها الحرف منذ نشْأته، حتَّى استقرَّ على الصورة التي وصل إليْنا بها، وبناء على ذلك لا نستطيع بيان تسلسل التطوُّر الصوتي في هذا الإبدال بين حروف العِلَّة واللين (الصوائت)، وهذه الحروف الساكنة الصَّحيحة (الصوامت)، ولعلَّه قد مرَّ - إن سلَّمنا بصحَّة هذا الرَّأي - بمراحلَ شتَّى قبل أن يستقرَّ، كما أنَّه من الصَّعب الجزْم بأيّ من هذه الحروف هو الأصل وأيها هو الفرع، والنتائج التي توصل إليها هؤلاء الباحثون عن طريق قياس ما حصل لحروف اللغة العربية في ضوء هذا النزْر اليسير الَّذي علمناه من أحوال اللغات السامية القديمة، لا تقنع الباحِث المدقِّق بأن ذلك بعينه هو ما حدث فعلاً لحروف اللغة العربية.

 

ومع أنَّ القدماء من علماء اللغة العربية والنحو قد أفصحوا عن العلة الحقيقية لهذا الإبدال بين الحروف السَّاكنة الصحيحة (الصوامت) وحروف العلة واللين (الصوائت)؛ حيث نرى ذلك جليًّا فيما سقناه في مقدمة هذه الصفحات من أقوال، وفيما نجده أيضًا فيما أورده ابن سيده في "المخصص" حيث قال: "ثم النون لأنَّه أشبه بحروف العلَّة وما فيها من الغنة كما في حروف العلة والمد[46]"، وقال ابن يعيش: "أبدلت الألف من النون في هذه المواضع لمضارعة النون حروف المد واللين بما فيها من الغنَّة[47]"، وأورد السيوطي ستةَ عشر وجهًا لتشابه النون حروف المد واللين، وقد ذكر منها أنَّ فيها غنَّة، كما أنَّ في الألف وأختيها مدًّا، ومعاقبتها لهنَّ في المحل الواحد نحو جرنفشوجرافش[48]"، وقالوا عن الياء: "وإنَّما كثُر إبدال الياء (يقصدون من الحروف الساكنة الصحيحة)؛ لأنَّه حرف مجهور مخْرَجه من وسط اللسان، فلمَّا توسَّط مخرجه الفم وكان منه من الخفَّة ما ليس في غيرِه كثر إبداله كثرةً ليستْ في غيره[49]"...إلخ.

 

إلاَّ أنني أرى أنَّ كلَّ ما حدث فيما ورد عن العرب من ألفاظ ممَّا أورده القدماء من اللغويِّين والنحاة في كتُبِهم ومؤلَّفاتهم... إلخ، ومما لم يستطيعوا حصره - كما قال ابن سيده - ممثّلاً لهذه الظَّاهرة الصوتية، ليس إبدالاً - في معظمه - وإن حلا لكثيرٍ من هؤلاء القُدماء من اللغويين والنُّحاة القولُ به، وتفسير مظاهره في ضوء ما قرَّروه من قواعد للإبْدال - كما سنرى ذلك فيما بعد - ونظنُّ أنَّه على الرَّغم من اعتِرافهم بوجود هذه الظَّاهرة في لغة العرب، واطّرادها في كثيرٍ من الأبنية والصِّيَغ، فقد طفِقوا يحاكمونها على حسب قرب هذا المبدل أو بعده من مقاييس العربية الفُصحى، وخلصوا إلى اعتِبارها مظاهرَ شاذَّة غير مطَّردة في صياغة بعض الألفاظ في لغة العرب، لُجِئ إليها اضطرارًا، كما نرى ذلك في آرائهم وأقوالهم التي أوردوها كلَّما اصطدموا بألفاظ تمثِّل هذه الظاهرة.

 

رأي الباحث في هذا الإجراء اللّغوي والضَّوابط الصوتيَّة الَّتي تنظمه:

لستُ أدفع إمكانَ تأثير عوامل التَّطوّر التَّاريخي وغيرها جميعها أو بعضها في حدوث بعض التبدّلات الصوتية، التي أصابتْ بعض الحروف العربية، فآثارها واضحة، وشواهدها لا تحصى، ولا أنكر أنَّ كثيرًا من الحروف في ألفاظ اللغة العربيَّة قد أُقيم بعضها مقام بعض؛ طلبًا للتَّخفيف، وتسهيلاً على النطق، فذلك مما تميل إليه اللغات جميعُها قديمها وحديثها، وتقْتضيه قوانين التطوّر اللغوي، لكنَّني أجادل في إمكان نسبة كلّ ما نحن بصدده من مظاهر صوتيَّة أمثال:

مجموعة أ مجموعة ب

رَبَّ رَبَا[50]

شَبَّ شَبَا[51]

أَضَبَّ أَضَبَّى[52]

تَقَضَّضَ تَقَضَّى[53]

تَسَنَّنَ تَسَنَّى[54]

تَصَدَّدْتُ تَصَدَّيْتُ[55]

خَمَّ خَمَى[56]

تَغَلَّلَ تَغَلَّى[57]

تلظَّظ تَلَظَّى[58]

الجُبّ الجوب[59]

عَسَّ العَوس[60]

جَسَّ الجَوس[61]

 

إلى آخِر ما ذكره القدماء من علماء اللغة العربيَّة والنحو، أو بعض الباحثين المحدَثين من الإبدال [ويقصدون به إبدالَ الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) - كما نراها في المجموعة رقم (أ) - حروف علَّة ولين (صوائت) - كما نراها في المجموعة رقم (ب)] طلبًا للخفَّة، وتسهيلاً على النُّطق عند القدماء، أو أثرًا باقيًا من بعض خصائص اللُّغات السامية القديمة التي ورِثَتْها العربية، واحتفظت بها، وبقيت أثرًا ينميها إلى الأصل (الأم)، وتفسر في ضوئه معظم التبدلات الصوتية التي أصابتْ حروف اللُّغة العربية عندَ بعض الباحثين المحدثين، ويبقى الجهل بها عيبًا يقود إلى أخطاء في تفسير ظواهرها اللُّغوية حتى وجدنا قائلهم يقول: "ومن هنا نرى أنَّ ضلالات النحويين واللغويين القُدماء نشأ من جهلِهم باللغات السامية، مع أنَّ بعضَها كان شائعَ الاستعمال في زمانهم".

 

وأزعم بدلاً من ذلك أنَّ ما حدث في معظم الألفاظ - إن لم أقل كلها - الَّتي أوردها كلٌّ من القدماء من اللغويين والنحاة وبعض الباحثين المحدثين ممثّلة للظاهرة في أصوات اللغة العربية لم يكن إبدالاً بالمعنى الذي ذكره هؤلاء اللغويون - قدماء ومحدثين - (الذي هو إقامة حرف مكان حرْف غيره على تقدير إزالة الأوَّل، نحو: تاء "تخمة" و "تكأة" وأصلهما "وخمة" و "وكأة")، وإن كنت أتَّفق معهم جميعًا أنَّ الغاية من هذا الإجراء اللّغوي إنَّما لحق بهذه الألفاظ نتيجةَ ميل اللغة بطبيعتِها في حروفها إلى (طلب الخفَّة)، حيث تميل اللغة - أي لغة - إلى توفير الجهْد في نطق أصوات حروفها، ولتيسير هذا المجهود العضلي يحاول المتكلِّمون بحروف اللغة أن يُحقِّقوا حدًّا أعلى من الأثر النُّطْقي بأقلّ جهد، ويعتقد أنَّ ذلك هو السَّبب في أنَّ الإنسان في نطْقِه لأصوات حروف لغتِه يَميل - عادةً - إلى تلمُّس الأصوات السَّهلة التي لا تحتاج - غالبًا - إلى جهد عضلي، فتتبدل مع الأيام الأصوات الصعبة بنظائرها السهلة؛ طلبًا للخفة، وهذه العلَّة (طلب الخفة) هي ما عبَّر عنه القدماء من اللغويين في أكثر من موضع من مؤلفاتهم بـ (كراهية اجتِماع الأمثال[62])، و (كراهية التَّضعيف[63])، و (اجتماع الأمثال مكروه[64])، و (ثقل التَّضعيف[65])، و (واستِثْقال اجتماع الأمثال[66])، و (كراهة اجتماع اللفظين المشتبهين[67])... إلخ؛ ولذلك يفرُّ منه - عندهم - إلى الإبدال، ولست أرى ما حدث من تغْييرات صوتية في أكثر هذه الألفاظ التي أوردوها إبدالاً، بل هو حذف (Deletion) نَجَم عنه التخلُّص من أحد المثلين (وهو الثاني غالبًا)، وإشباع حركة المثل الأول (فتحة كانت أو كسرة أو ضمة)، فنشأ عنها حرف العلَّة أو اللين، فتوهم أنَّ المثل الثَّاني السَّاكن الصَّحيح (الصَّامت) قد أُبدل بحرف علَّة ولين (صائت)، وليس كذلك، بل ثاني الحرفين المثلين - في الغالب - قد حذف في هذه الألفاظ، وأشبعت حركة المثل الأوَّل، فنتج حرف علَّة طويل أو لين من جنسها (صائت).

 

ولعلَّ القول بذلك أسهل من تلمُّس تفسيرات - لما حدث من تغييرات صوتيَّة بين حروف ليس بينها أدْنى علاقة في الألفاظ التي أوردنا طرفًا منها سابقًا - بعيدة عن القوانين اللغويَّة الَّتي تخضع لها معظمُ اللغات المنطوقة، وهذا الإجراء اللغوي (الحذف في اللغة) - سواء كان الحذف قياسيًّا أو سماعيًّا - هو نوع من التخفيف من الثِّقل النطقي للفظ أو الجملة، ويكون بحذف بعض حروف اللفظ - مثلاً - للتقليل من عددها حتَّى يسهل النطق، أو بحذف بعض عناصر الجملة في حال طولها، وهو أيضًا - وإن تمَّ بحذف حرف أو حركة أو أكثر أو بالتخلُّص من كلمة أو أكثر - قانون لغوي شائِع الاستِعْمال في كثير من اللُّغات العالميَّة قديمها وحديثها، ويعني قانون الحَذْف في اللُّغة - بالنسبة للحروف - فنولوجيا: أنَّه طالَمَا كان بالإمكان نشوء بعض الحروف أو الحركات في لفظٍ ما (كما يحدث في الزِّيادة بالإقحام (Epenthesis) عند الأداء، فإنَّه يصبح بالإمكان أيضًا اختِفاء بعض الحروف والحركات من الصِّيغة عند النطق عن طريق الحذف، ويرمز لمثل هذا الإجراء اللُّغوي - الَّذي هو عكس الزيادة - فنولوجيا بالصيغة السَّهلة التَّالية:[68](X=O) ، ونستطيع أن نرى صُور الحَذْف في بعض اللغات العالميَّة - ومنها اللغة العربيَّة - على مستوى اللَّفظ في المصْطلحات التَّالية:

 

أ-(Aphaersis) ويعني: حذْف حرف أو أكثر من أوَّل الكلمة: ويُمكن التَّمثيل له من اللغة الإنجليزيَّة بنحو (I am>I`m) وتعني: (أنا أكون)، وكذا (I Ihave> I` ve)، وتعني: (أنا عندي)، ومن اللغة الألمانية بنحو: (Wiegeht es >Wiegeht` s) )، وتعني: (كيف يذهب به)، وهناك صور عدَّة تندرج تحت هذه الظَّاهرة من الألفاظ القديمة التي بقيتْ في اللغة الإنجليزيَّة المعاصرة فُقِد فيها النُّطْق بالحرف الأوَّل، من أمثال: (knife , knight)، حيث فقد فيها النطق بالحرف (k) قبل حرف ([69]n) .

 

وفي اللغة العربيَّة عدَّة صور تمثِّل هذه الظَّاهرة الصوتيَّة أصدقَ تمثيل، فمن ذلك - مثلاً - حذف التَّاء من أوَّل الفعل المضارع، وذلك إذا تليت مباشرة بتاء أخرى، ويتحقَّق هذا - عند الصرفيِّين العرب - في ثلاث صيغ هي: تَفَعَّلَ، تَفَاعَلَ، تَفَعْلَلَ، فعندما نبني فعلاً مضارعًا من هذه الصيغ - مثلا - يصبح: - تَتَأَمَّل، تَتَصَارَعُ، تَتَدَحْرَجُ... إلخ، إلا أنَّ الاستعمال جرى بحذف إحدى التاءين - جوازًا - كراهةَ اجتماع المثلين زائدين؛ وذلك طلبًا للخفَّة، فيصبح: تأمَّلُ، تَصَارعُ، تدحرجُ.

 

ب- (Syncope Syncopation) ويعني: الحذْف الَّذي تقتضيه بنية اللفظ (الاختزال)، وهو وإن كان شائعًا استِعماله في الحركات (الصوائت)، فقد يستعمل أيضًا مع الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصَّوامت)، ونستطيع أن نرى ذلك بوضوح في اللُّغة الإنجليزيَّة عند المقارنة بين نُطق كلٍّ من الإنجليز والأمريكان لكلمة (secretary)؛ حيث نجِدها تنطق عند الإنجليز (sekritri) بينما تنطق عند الأمريكان (sekriteri)، وقد يرى أيضًا في الحروف الساكنة الصَّحيحة الجهورات (الصوامت) عندما تختتم بها نهاية الكلمة كما في السويدية (templet > tempel) بمعنى (معبد)، وكذا: (lagret>lager) بمعنى (مخيم)، وكذا(sagen<sagnen) بمعنى (أسطورة)... إلخ.

 

وفي العربية شواهد كثيرة على مثل هذا الحذف، نذكر منها - مثلاً - حذف فاء الميزان الصَّرفي (فَعَلَ) من كلِّ فعل مضارع مثال، كما في وهب وصل وعد... إلخ، حيث تصبح: يهب، يصل، يعد... إلخ، والأصل: يوْهَبُ، يوْصَلُ، يوْعَدُ...إلخ[70].

 

وقد علَّل سيبويه وغيره هذا الحذف لكراهيتِهم الواو بين ياء وكسرة[71]، ومن ذلك أيضًا حذف الهمزة الزَّائدة من الفِعل الماضي عندما نبني منه الفعل المضارع وما تفرَّع عنه، نحو: أكرم يكرم، وأضاف يضيف... والأصل: يؤَكْرِمُويؤْضِيفُ... إلخ.

 

ومنه أيضًا: حذف بعض حروف الكلمة عند اتِّصال الضَّمائر بالأفعال، وذلك نحو: مضى ومشى وقضى وسعى، حيثُ تصبح: مضَوا وتَمشين وسعَتْ وقضَوا... إلخ.

 

كما أنَّه ورد حذف عين الميزان الصرفي (فَعَلَ) في الفعل المضعَّف عند إسناده إلى تاء الفاعل؛ لاستثقال اجتماع المثلين، كما في ظَلِلَ ومَسِسَ و حَسِسَ، وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق، ومذاهب الصَّرفيين العرب في ذلك وأمثاله: الإتمام نحو ظَلِلْتُ...، أو جواز حذف العين بدون نقْل حركتها نحو: ظَلْت ومَسْتُ، وجواز حذف العين مع نقْلِ حركتها إلى الفاء نحو: ظِلْتُ ومِسْتُ وحِسْتُ... إلخ[72].

 

أمَّا في جانب حذْف الحركات، فكُتب النحاة العرب مليئةٌ بالكثير من الأمثلة على ذلك، فقد أجازوا التسكين في (فَعُلَ و فَعِلَ) اسمًا كان أو فعلاً، كما في عَضْدُ وفَخْذُ وكَرْمَ وعَلْمَ، وقد قالوا بأنَّ الثِّقل هو لغة لأهل الحجاز، بينما التخفيف (بمعنى عدم الحركة للعين) هو لغة لبكر وأناس كثير من بني تميم[73]، وما يقال عن ذلك يُقال مثله عن الإشمام في اللغة العربية... إلخ.

 

ج- (Apocope (apocopation): ويعنون به: التَّرخيم أو حذف آخر حرف من الكلمة، لنعد مرَّة أخرى إلى اللغة السويدية حيث يلاحظ أنَّ الحركة الأخيرة في المفرد الاسمي المجرَّد في أثناء النَّظْم تحذف قبل الزائد الجمعي، مثل: (flicka) بمعنى (بنت) في مقابل (flickor) بمعنى (بنات)، وكذا ما نجِده فيها (gubbe) بمعنى (رجل كبير في السن) في مقابل (gubbar) بمعنى (رجال كبار في سنهم)... إلخ.

 

إنَّ ظاهرة حذف آخر الحروف في الكلمات (الترخيم) في الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) شائعُ الاستعمال أيضًا في اللغة الفرنسيَّة إذا انتهت الكلِمة بحرف ساكن صحيح (صامت) - وهي وصف - وتُليت بكلِمة بُدئتْ بحرف ساكن صحيح (صامت) - اسم - نحو (petit aim) بمعنى (صديق صداقته ليست عميقة) في مقابل (peti gars')، وكذا (groz aim) بمعنى (صديق كبير في صداقته) في مقابل (gro gars') بمعنى (صبي عظيم)... إلخ، وكذا (l' k ete) بمعنى (صيف طويل) في مقابل (l' preta) بمعنى (ربيع طويل)[74].

 

وقد احتفظتِ اللغة الإنجليزيَّة المعاصرة في الرَّسْم ببعض الصِّيغ القديمة التي تشير إلى اختفاء بعض الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) فيها في النطق إذا أتتْ في نهاية هذه الكلِمات، نحو (through) بمعنى (بين أو خلال) و (though) بمعنى (ورغم ذلك) وكذا (although) بمعنى (ولو أنَّ ومع أنَّ) ونحو (plough) بمعنى (فلح الأرض)... إلخ، ونكاد نسمع اختفاء الحرف السَّاكن الصحيح (الصامت) من نطق الإنجليز لبعض الألفاظ في اللغة الإنجليزية المعاصرة في أمثال (last time) بمعنى (في الزمن الماضي) و (Hammer) و (soccer)، ونحو (bugler) و (clear)... إلخ، حيث يلاحظ في هذه الصيغ وأمثالها اختفاء السَّاكن الصحيح (الصامت) من أواخر الكلمات عند النطق، مما يجعلنا نميل إلى القول: بأنَّ هذا الإجراء اللُّغوي الذي تعْمد إليه بعضُ اللغات - ومنها ما ذكرْنا - المتمثِّل في الحذف للحرف الساكن الصحيح (الصامت)، وإشباع حرف العِلَّة أو اللين (الصائت) الذي يقع قبله ليتولَّد عنه حرف علَّة أو لين طويل، هو إجراء لغوي تشترِك فيه معظم اللغات العالمية، وتفسر في ضوئه كثير من مشكلات الحذف الذي يقع فيها، ولا نعرف له سببًا واضحًا.

 

وتعدُّ اللغة العربية واحدة من تلك اللغات العالميَّة التي ترك فيها هذا الإجراء اللغوي (الحذف) - بعامَّة - وما نحن بصدده (حذف آخر اللفظ وإشباع الحركة التي قبله ليتولَّد عنها حرف علَّة طويل أو حرف لين للتَّرخيم (apocopation)، أو التَّخفيف) أثرًا واضحًا في بنْية كثير من الصِّيغ اللغوية العربيَّة، وقد أفرد لها القدماء من اللغويين والنُّحاة بعضَ الأبواب والفصول في مؤلَّفاتهم، وتناولوا ما يحدث من حذْف لبعض حروف الكلِمة الَّذي صنَّفوه إلى: حذف شاذّ، ليستْ له قواعد لُغويَّة تضبطه - وهو معظم ما ورد عن العرب ممثّلا لهذه الظَّاهرة - وآخر تلمَّسوا له بعض العِلل والتَّفسيرات، وحصروه في أضْيق نطاق، ومنه - مثلاً - ما أطلقوا عليه حذف بعض أجزاء الكلِمة في المنادَى المرخَّم، حيث قسموه إلى: حذف آخِر الكلمة على لغة مَن ينتظر المحذوف - وهنا قالوا: يبقى آخرها دون تغْيير من إعراب أو بناء - وحذف آخر الكلِمة على لغة مَن لا ينتظر المحذوف - وهنا قالوا: يعامَل آخر هذه الكلمة من الإعراب بما يعامل به آخرُ الكلمة وضعًا - ويعدُّ اسمًا تامًّا، ورتَّبوا على ذلك بعض القواعد والقوانين النحوية[75].

 

وهذه معالجة لهذه المسألة اللغويَّة التي شاعتْ في كثير من الألفاظ في اللغة العربية قاصرة - في رأْيِنا - ولا تقنع الباحِث المدقِّق في كثير ممَّا ورد عن العرب ممثّلاً لهذه الظَّاهرة اللغوية؛ فحذف بعض الكلِمة للتَّرخيم ليس مقصورًا على النداء في اللغة العربيَّة - كما أشار إليه النُّحاة - بل هو أوسع من ذلك بكثير، فقد ورد عن العرب حذف الضَّمير، وبعضه، وبعْض الحرف، وبعض الاسم، وبعض الاسم المقْرون بأل، وبعض الفعل... إلخ، فمن ذلك قول الشاعر: -

وَقَالُوا تَعَرَّفْهَا المَنَازِلَ مِنْ مِنًى 

وَمَا كُلُّ مَنْ وَافَى مِنًى أَنْتَ عَارِفُ 

 

فيمن أطلق القافية مع رفع لفظ (كل) ووجه ذلك أنَّه إذا رفع "كلاًّ" فلا بدَّ من تقدير الهاء ليعود على المبتدأ من خبره ضمير[76].

 

ومثال حذف بعض الضَّمير ما أنشده سيبويه عن بعض العرب:

دَارٌ لِسُعْدَى إِذْهِ مِنْ هَوَاكَا 

 

أراد (هي) فحذف الياء من ضمير الغيبة للمؤنث ترخيمًا[77].

 

ومن أمثلة حذْف بعض الحرف قولهم (لَدُ) في (لَدُنْ) - في إحدى لغاتها -[78].

ومنه قول النجاشي:

فَلَسْتُ بِآتِيهِ وَلا أَسْتَطِيعُهُ 

وَلاكِ اسْقِنِي إِنْ كَانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ 

 

أراد: ولكن اسقني، فحذف النون من لكن[79].

 

وقال الشاعر:

تُحَاذِرُ وَقْعَ السَّوطِ خَوْصَاءُ ضَمَّهَا 

كَلالٌ فَجَالَتْ فِي حِجَا حَاجِبٍ ضَمْرِ 

 

يريد في حجاج حاجب.

 

وقال لَبيد:

دَرَسَ المَنَا بِمُتَالِعٍ فَأَبَانِ 

وَتَقَادَمَتْ بِالحُبْسِ فَالسُّوبَانِ 

أراد: المنازلَ.

 

وقال علقمة:

كَأَنَّ إِبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ عَلَى شَرَفٍ 

مُفَدَّمٌ بِسَبَا الكَتَّانِ مَلْثُومُ 

أراد: بسبائب[80].

 

وقال العجاج:

قَوَاطِنًا مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي

 

أراد: الحمام، فحذف الميم الأخيرة للتَّرخيم في غير النداء، وأبدل من الألف ياءً كما يُبْدل من الياء ألف في قولهم مداري وعذاري، والأصل مدارى وعذارى[81].

 

ومثله قول خفاف بن ندبة السلمي:

كَنَوَاحِ رِيشِ حَمَامَةٍ نَجْدِيَّةٍ 

وَمَسَحْتِ بِاللَّثَتَينِ عَصْفَ الإِثْمِدِ 

 

أراد: كنواحي[82]، فحذف الياء تخفيفًا أو ترخيمًا في غير النِّداء - كما يراه النحاة - وأنشدوا لامرئ القيس بن حجر الكندي:

لَنِعْمَ الفَتَى تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ 

طَرِيفُ بْنُ مَالٍ لَيلَةَ الجُوعِ وَالخَصَرْ 

 

أراد: طريف بن مالك، فحذف الكاف من لفظ (مالك) ترخيمًا من غير أن يَكون منادى[83] - كما قرَّر النحاة - ومن شواهد حذْف الاسم المقْرون بأل ما أورده النحاة في باب الموصول:

مِنَ القَوْمِ الرَّسُولُ اللَّهِ مِنْهُمْ 

لَهُمْ دَانَتْ رِقَابُ بَنِي مَعَدِّ 

 

فقد ذهب بعض اللغويين القدماء إلى أنَّ (أل) هنا إنَّما هي بعض كلِمة أصلها (الذين) فحذف ما عدا الألف واللام، وقد ورد من ذلك أيضًا قول الشَّاعر:

وَإِنَّ الَّذِي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ 

هُمُ القَومُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمَّ خَالِدِ 

 

أراد: وإنَّ الذين؛ بدليل ضمير جماعة الذُّكور في قوله (دماؤهم)، وعليه خرَّجوا قولَه تعالى ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ [التوبة: 69]؛ أي: كالذين خاضوا، وقد ورد من ذلك أيضًا قول الشَّاعر:

مَنْ لا يَزَالُ شَاكِرًا عَلَى الْمَعَهْ 

فَهْوَ حَرٍ بِعِيشَةٍ ذَاتِ سَعَهْ 

 

أراد: الَّذي معه، فحذف ما عدا الألف واللام،

 

ومثله قول الشَّاعر:

وَغَيَّرَنِي مَا غَالَ قَيْسًا وَمَالِكًا 

وَعَمْرًا وَحُجْرًا بِالمُشقَّرِ أَلْمَعَا 

 

يريد: الذين معه، فحذف ما عدا الألف واللام تخفيفًا.

 

ومن شواهد حذف بعض (الذي) ترخيمًا قول الفرزدق:

مَا أَنْتَ بِالحَكَمِ التُّرْضَى حُكُومَتُهُ 

وَلا الأَصِيلِ وَلا ذِي الرَّأْيِ وَالجَدَلِ 

 

أراد: الذي تُرضى، فحذف ما عدا الألف واللام.

 

ومن شواهد حذْف الفعل قولُ الشَّاعر:

نَادُوهُمُ: أَنْ أَلْجِمُوا أَلا تَا 

قَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ: أَلا فَا 

 

يقولون: إنَّ هذا الرَّاجز إنَّما أراد في الشَّطر الأوَّل: (ألا تركبون) فحذف ولم يبق إلاَّ التَّاء، ثم أشبع حركتها (الفتحة) فنتجتْ ألف، وحذف من الشَّطر الثَّاني الَّذي هو الجواب، فلم يبق إلاَّ حرف العطف، ثمَّ أشبع حركته (الفتحة) فنشأت ألف أيضًا، وأصله (ألا فاركبوا)...إلخ[84].

 

وإنَّما سقنا بعض هذه الشواهد لنؤكِّد وجود هذا الإجراء اللُّغوي (الحذف) - عامَّة - وما نحنُ بصدده، وأعني به (حذْف حرف أو أكثر من آخر الكلمة للترخيم - apocopation - وإشْباع حركة الحرف الَّذي قبله - أيًّا كان نوعها ضمَّة أو كسرة أو فتحة - لينتج عنها حرف من جنسها) - خاصَّة - في اللغة العربية، وقديمًا قالوا: إنَّ الحركة حرفٌ صغير، وكانوا يسمُّونها بأسماء الحروف التي هي منها، فقد أطلقوا على الضَّمَّة الواو الصَّغيرة، وعلى الكسرة الياء الصغيرة، وعلى الفتحة الألف الصَّغيرة، وأكَّدوا ذلك بقولهم: إنَّه متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفًا من جنسِها، وقد أنشدوا على ذلك قول الفرزدق:

تَنْفِي يَدَاهَا الحَصَى فِي كُلِّ هَاجِرَةٍ 

نَفْيَ الدَّرَاهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ 

 

قالوا: يُريد دراهم وصيارف، فأشبع الكسرة على كلٍّ من الهاء والرَّاء، فنشأت ياء خالصة، وما أنشدوه لابن هرمة:

وَأَنْتَ مِنَ الغَوَائِلِ حِينَ تُرْمَى 

وَمِنْ ذَمِّ الرِّجَالِ بِمُنْتَزَاحِ 

 

قالوا: يريد بمنتزح، وهو مفتعل من النَّزح، فأشبع الفتحة فنتجت ألفًا خالصة، وقوله:

وَأَنَّنِي حَيْثُ مَا يَسْرِي الهَوَى بَصَرِي 

مِنْ حَيْثُ مَا سَلَكُوا أَدْنُو فَأَنْظُورُ 

 

يريد: فأنظُر، فأشبع الضَّمَّة الَّتي على الظَّاء، فنشأت واو خالصة، وقد علَّق ابن جنّي على ما أوْردْناه من شواهد بقوله: "فإذا ثبت أنَّ هذه الحركات أبعاض للحروف ومن جنسها، وكانت متى أشبعت ومطلت تمَّت ووفت جرت مجرى الحروف"[85].

 

والعجيبُ مِنْ مسْلك القدماء من اللغويين والنحاة في تعامُلهم مع هذا الإجراء اللغوي، ففي حين نجدهم يُثبتون قاعدة نحويَّة أو لغويَّة بقول واحد لعربي من البادية غير معروف، ومع اعتِرافهم أيضًا بكثرة المنقول ممثّلاً لهذه الظَّاهرة ووروده عن الفصحاء من العرب، فقد اضطرب موقفهم حوله - بعد إجْماعهم على أنَّ الحرف الثَّاني من المثلين في نحو (تقصَّص) أبدل إلى حرف علَّة أو لين (تقصَّى) - وطفقوا يحاكمونه في ضوء قرب هذا المبدل أو بعده من مقاييس العربية الفصحى، وخلصوا إلى اعتِبارها مظاهر شاذَّة غير مطَّردة في صياغة بعض الألفاظ في لغة العرب أُتي بها اضطرارًا.

 

فهذا سيبويه - أستاذ النحاة القدماء قاطبة - قد سمَّاه (باب ما شذَّ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التَّضعيف وليس بمطَّرد)، ومثَّل له بـ: تقصَّيت... إلخ، وقال في تعليل ذلك الإبدال غير المطرد - الخارج عن قواعد الإبدال: "أرادوا حرفًا أخفَّ عليهم منها وأجلد"[86].

 

بل وجدنا ابنَ جني يقول بعد عرض بعض الشَّواهد التي حذف فيها حرف أو أكثر من آخر الكلم في اللغة العربيَّة تخفيفًا (أو للترخيم): إنَّ العرب قد يحذفون بعض الكلم استخفافًا حذفًا يخلّ بالبقية ويعرض لها الشبه... إلخ[87].

 

وما قاله ابن جنِّي: وإن كان قد يتحقَّق في قليل جدًّا من الأمثلة التي عرضنا طرفًا منها، إلاَّ أنَّ الأعمَّ الأغْلب من هذه الشواهد تمثل مظاهر لهجيَّة فصيحة للغة العربية، سواء منها ما حذف في المنادى المرخَّم، أو ما حذف في غيره تخفيفًا، وقد قرئ بالحذف على الإجراء اللغوي الأوّل قوله تعالى: ﴿ يَا مَالِكُ لِيقْضِ عَلَينَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77] هكذا "يا مالِ" بكسر اللام على لغة مَن ينتظر المحذوف، وهي قراءة عبد الله وعلي وابن وثَّاب والأعمش[88]، وعليها قول زهير بن أبي سُلمى:

يَا حَارِ لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ

 

وقول رؤبة بن العجَّاج:

جَارِيَ لا تَسْتَنْكِرِي عَذِيرِي

 

ونسب إلى الفرزدق:

يَا مَرْوَ إِنَّ مَطِيَّتِي مَحْبُوسَةٌ 

تَرْجُو الحِبَاءَ وَرَبُّهَا لَمْ يَيْئَسِ 

 

ونسب إلى عنترة قوله:

يَدْعُونَ عَنْتَرَ وَالرِّمَاحُ كَأَنَّهَا 

أَشْطَانُ بِئْرٍ فِي لَبَانِ الأَدْهَمِ 

 

وقال لبيد بن ربيعة:

يَا أَسْمُ صَبْرًا عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ 

إِنَّ الحَوَادِثَ مَلْقِيٌّ وَمُنْتَظَرُ[89] 

 

وورد على الإجراء اللُّغوي الثَّاني شواهد كثيرة من كتاب الله - عزَّ وجلَّ - ومن أشعار من يوثَق بعربيَّته ومن كلام العرب الفصحاء، وقد بسطنا أمثلة من ذلك ممَّا سبق، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يتَسَنَّهْ ﴾ [البقرة: 259]، وقوله تعالى ﴿ ثمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يتَمَطَّى ﴾ [القيامة: 33]، وقوله تعالى: ﴿ وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10]... إلخ[90]، ولا نتَّفق مع القُدماء من علماء اللغة العربيَّة والنحو حول الحكم على هذا الإجراء اللغوي بأنَّه شاذّ غير مطرد، أو حذف قبيح، أو من شاذ الحذف... إلخ، ونرى بأنَّ هذه الشواهد والأمثلة تمثّل مظاهر لهجيَّة فصيحة من لهجات اللغة العربيَّة الفصحى، الَّتي لم تحظَ من قدماء اللغويين والنحاة بكثيرٍ من الاهتِمام، وقد شاعت في ألسِنة كثيرٍ من القبائل العربيَّة، ونخصُّ منهم مَن كان يقْطن البادية أو تقع منازلُها على تخومها لميلِهم الشَّديد إلى الاقتِصاد في المجهود العضلي، فحذفوا بعض الحركات واستعاضوا بسواها قصدًا إلى تجانُس الأصوات، وكذا فعلوا ببعض الحروف الزائدة، بل وبالأصليَّة أيضًا؛ رغبة في الانتهاء واختصار الحروف، وقد نسبت هذه الظَّاهرة اللغويَّة إلى أسد وبعض تميم وهم من القبائل البدوية، كما عرفت أيضًا عن قبيلة طيئ قطعتهم المشهورة كقولهم: "يا أبا الحكا" في: يا أبا الحكم[91]، ولا زالتْ هذه اللهجة تؤدَّى بمظاهرها جميعها في بعض اللهجات العاميَّة في البلدان العربية، وأخصّ منها ها هنا لهجات محافظات بيش وصبيا وأبي عريش وجازان - إلى حدٍّ ما - من جنوب المملكة العربيَّة السعودية، فقد نجد في هذه اللهجات جميعها ميلاً شديدًا إلى التَّرخيم في أدائهم لحروف كلامهم - على النحو الذي شرحناه سابقًا - وإليك بعضَ الأمثلة ممَّا نجده في كلامهم:

(أ) العربية الفصحى

(ب) عامية بيش وصبيا وأبي عريش... إلخ.

يا مُحَمَّدُ

يا مْحَمَّا

جَعْفَرُ

جَعْفَا

جئتُم؟

أَجِيتُو؟ (يمكن استعمالها في الخبر والاستفهام)

الَّليلُ

الَّلي

مِسْكِين

مِسْكِي

هل تَغَذَّيت؟

تَغَدَّيْ؟ (وهم يقلبون الذال دالاً في كلامهم)

تريد أَنْ تُسَافِر؟

تِبْغَى تْسَافِي؟

الحَجَرُ يتَدَحْرَجُ

الحَجَرُ يتَدَحْرَا

سَافَرَ

ساَفَا

هَلْ صَمَّمَ؟

شُفْتُنُّهْ صَمَّا؟

هَذهِ سُرُر

هَذِي سُرُو

وَجَع

وَجَا

فُلاَن يبَرْبِرٌ (يقول كلامًا غير مفهوم)

فلان يبَرْبِي

هَلْ قُلْتُمْ لَهُ؟

قُلْتُلُّلو؟

أَكَلَ

أَكَا

قَاعِد يكْتُب (وَقَاِعدٌ يكْتُبُ)

قَاعِد يكْتُو (ترد في الاستفهام والخبر)

الرَّفَقُ

الرَّفَا

 

... إلخ، وعند الموازنة بين الألفاظ المستعملة في العربية الفصحى الواردة في رقم (أ)، ومثيلاتها المستعملة في كلامهم العامي الواردة في رقم (ب)، تتبيَّن لنا بعض الحقائق أهمها:

1- (أنَّ ما حدث من تغيير في ألفاظ العينة رقم (ب) من كلامهم هو - ولا ريب - حذف للترخيم (بالمعنى الَّذي أوضحناه سابقًا)، وليس إبدالاً - كما قرَّره القدماء من اللغويين والنحاة في الأمثلة والشَّواهد التي وردتْ عن العرب - كما سنرى ذلك فيما بعد.

 

2- (أنَّ ظاهرة الحذف للترخيم (بالمعنى الذي أوضحناه سابقًا) قد وردت في ألفاظ العينة رقم (ب) من كلامهم؛ حيث حذف الحرف الساكن الصحيح (الصامت) الذي ورد في آخر كل كلمة من المجموعة رقم (أ)، ثمَّ أشبعت حركة الحرف الذي وقع قبل الحرف المحذوف ومطلت فنشأ حرفٌ هو من جنس حركته فمع الفتحة ألف، ومع الكسرة ياء، ومع الضمة واو.

 

3- (هذا الحذف ترخيمًا للحرف الساكن الصحيح (الصامت) الواقع في آخر هذه الألفاظ قد شمل تلك الأسماء التي وقعت بعد أداة نداء وتلك الأخرى التي لم تسبق بأداة نداء، مما يعني أن هذا الإجراء اللغوي في هذه الألفاظ العامية - مثله مثل ما حدث في ألفاظ اللغة العربيَّة الفصحى - يدخل في جميع متْن لغتهم دون استثناء (الأسماء والأفعال)، وهذا ما رأيناه - بالضبط - في الأمثِلة والشَّواهد التي أوْردها القدماء من اللغويين والنُّحاة.

 

4- (أوْضحنا سابقًا أنَّ هذه الظَّاهرة اللهجيَّة قد شاعت في ألسِنة كثير من القبائل العربيَّة التي كانت تميل في لغتها إلى الاقتِصاد في المجهود العضلي، وذلك بحذف بعض الحركات والحروف من أواخر الألفاظ، ومن هذه القبائل قبيلة طيئ اليمنيَّة، وسكَّان هذه المناطق التي تشيع في عامّيَّتهم هذه الظَّاهرة اللغويَّة هم - في رأينا - أبناء هذه القبيلة العربيَّة القديمة، وقد بقيت آثار لهجة آبائهم على ألسِنَتهم دليلاً على أنَّ هذا الإجراء اللغوي مقصد من مقاصد التَّيسير النطقي في الأداء، فحسب وذلك ميلاً إلى التخفيف وليس إبدالاً.

 

5- (أنَّ ما حدث في هذه الأمثلة من تغْيير يندرج تحت ذلك الإجراء اللغوي (الحذف بالمعنى الذي شرحناه سابقًا)، ويسري في جَميع ما أورده القدماء من اللغويين والنحاة من الأمثلة والشَّواهد في مؤلفاتهم وكتبهم، ويمكن ضبطه بهاتين القاعدتين الفنولوجيتين:

c _______ o # _____ /

v________vv / #______c (deleted

 

ولشرح هذه الرموز التي اشتملت عليْها هاتان القاعدتان نقول: إنَّ القاعدة الأولى تعني:

• أنَّ الحرف الساكن الصحيح (الصامت) يحذف إذا أتى في آخر اللفظ في هذا الإجراء اللغوي.

 

بينما تعْني القاعدة الثانية:

• أنَّ الحركة (الصائت) القصير في هذا الإجراء اللغوي (الترخيم) يصبح حرف علَّة طويلاً أو لين إذا وقع قبل حرف ساكن صحيح (صامت) ورد في آخر اللفظ وحذف، إنَّ هذا التَّفسير الذي قدَّمناه في التَّعامل مع هذا الإجراء اللغوي الذي وجد في بعض ألفاظ اللغة العربيَّة الفصحى ولهجاتها الحديثة (العامّيَّة) هو المذهب الَّذي نميل إليه ونرتضيه للأسباب التالية:

1- (أنه ينسجم مع ذلك الإجراء اللغوي (الحذف للترخيم (apocopation)، الذي يوجد في معظم اللغات العالميَّة المنطوقة، كالألمانية والسويدية والفرنسيَّة والإنجليزية...، وتعدّ العربية بلهجاتها القديمة والمعاصرة واحدة من هذه اللغات الَّتي يمثل فيها هذا الإجراء اللغوي أثرًا واضحًا في كثير من حروف ألفاظها، ويمكن عن طريقه تفسير بعض ما لحق صيغها من تغييرات ناتجة من خارج الكلمة ولا يعلم لها - على وجه الدّقَّة - سبب ظاهر كالإبدال للتماثل أو التشابه أو التجانس - قصدًا إلى الانسجام وهروبًا إلى التخفيف - مع بعض الحروف الواردة في بنية الكلمة.

 

2- (أنَّ الركون إلى مثل هذا التَّفسير (الذي يعني حذف الساكن الصحيح - الصامت - من آخر الكلمة للترخيم وإشباع حركة الحرف الذي قبله حتى ينشأ عنه حرف علة طويل أو لين) يبعدنا عن التكلف والتمحُّل في إبداء مبرِّرات مقبولة لكثير من صور التبدُّلات الصوتية التي لحقت طائفة عظيمة من الأمثلة والشواهد الممثلة لهذه الظاهرة اللغوية، مما لم نستطع أن نقف له على سبب ظاهر لوجه العلاقة بين الحرف المبْدَل والمبدل منه، نرى ذلك في أمثال: رَبَا في رَبَّ، ومُرَبَّى في مُرَبَّبُ، وشَبَا في شَبَّ، وأَضْبَى في أَضَبَّ، والجخَادِي في الجخَادِبِ، ولا وَرَبِّيكَ في لا وَرَبِّك[92]، والثعَالِي في الثعالِب، والأَرَانِي في الأَرَانِب، وقد أنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر:

لَهَا أَشَارِيرُ مَنْ لَحْمٍ تُتَمِّرُهُ 

مِنَ الثَّعَالِي ووَخْزٌ مِنْ أَرَانِيهَا 

 

قال: أراد الثعالب والأرانب[93].

وقالوا: دَافِي، في: دَافِف.

قال الراجز:

وَالنَّسْرُ قَدْ يَنْهَضُ وَهْوَ دَافِي[94]

 

وقالوا: مَطَّ الشيء يمطُّه مطًّا إذا مده، ومَطَاه، ومثله تَمَطَّطَ، وتَمَطَّى، وبه قال أبو عبيدة في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يتَمَطَّى ﴾ [القيامة: 33][95]، وقالوا: أحسست وأحسيت بسين واحدة، ومنه قوله تعالى: ﴿ وقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10]، بمعنى دسسها، وقالوا: تظنّيت في تظنّنت[96].

وقال الشاعر:

مَضَى ثَلاثُ سِنِينٍ مُذْ دَخَلْتُ بِهَا 

وَعاَمُ حَلَّتْ وَهَذَا التَّابِعُ الخَامِي 

يريد الخامس.

 

وقال آخر:

إِذَا مَا عُدَّ أَرْبَعَةٌ فِسَالٌ 

فَزَوْجُكِ خَامِسٌ وَحَمُوكِ سَادِي 

يريد سادس.

 

وقال آخر:

عَمْرٌو وَكَعْبٌ وَعَبْدُاللهِ بَيْنَهُمَا 

وَابْنَاهُمَا خَمْسَةٌ وَالحَارِثُ السَّادِي 

أراد السادس.

 

وقال الرَّاجز:

يَفْدِيكَ يَا زُرْعَ أَبِي وَخَالِي 

قَدْ مَرَّ يَوْمَانِ وَهَذَا الثَّالِ 

أراد الثالث.

 

وقال الشاعر:

وَمَنْهَلٍ لَيْسَ لَهُ حَوَازِقُ 

وَلِضَفَادِي يَمِّهِ نَقَانِقُ [97]

 

يريد ضفادع، فحذف العين وأشبع حركة الدَّال (الكسرة) فنتجت الياء.

 

وقالوا: تصدَّيت للأمر: تفرَّغت له وتبتَّلت، والأصل: تصدَّدت[98]، وقالوا في جمع مكوك: مكَاكِي، وأصله: مَكَاكِيك، ومنه قصّيت أظفاري في: قَصَصْت أظفاري، وقالوا في اسم الإشارة هذه: هذي، وقالوا: دَهْدَهْت الحجر فتَدَهْدَهَودَهْدَيتُهفتَدَهْدَى، وأنشدوا على ذلك قول ذي الرمة:

كَمَا   تَدَهْدَى   مِنَ   العَرْضِ الجَلامِيدُ[99]

 

وقال أبو النجم:

كَأَنَّ صَوْتَ جَرْعِهَا المُسْتَعْجِلِ 

جَنْدَلَةٌدَهْدَيْتَهَا مِنْ جَنْدَلِ 

 

وأنشد ابن السكيت:

نَزُورُ امْرَأً أَمَّا الإِلَهُ فَيَتَّقِي 

وَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّالِحِينَ فَيَأْتَمِي[100]

 

وأصله فيأتَمِمُ، فحذف الميم الأخيرة وأشبع حركة الميم الأولى (الكسرة) فنتجت ياءً، وقالوا في: أَجْلَح: أَجْلَى، وفي ضَبُحَ: ضَبُو، وقالوا: حَنَّ الشيء وحَنَا[101].

 

وقالوا: - ظَرَابِي في ظَرَابِينَ، وأَنَاسِي في أَنَاسِين[102]، وتَغَلَّيت وتَغَلَّلْت[103]، وتَسَرَّى في تَسَرَّرَ، وتَلَظَّى في تَلَظَّظَ، وأَمْلَيت في أَمْلَلْتُ.

 

قال الفرَّاء: أمللت لغة أهل الحجاز وبني أسد، وأمليت لغة بني تميم وقيس، ونزل القرآن العزيز باللُّغتَين معًا[104]، وقالوا في مشَرَّر: مشَرَّى، وفي شَرَّرت: شَرَّيت[105]، وقال الجوهري في نتلعَّى: أصله نتلعَّعُ، ونقل عن يونس أنَّ لبَّى أصله لَبَّب... إلخ[106].

 

3- (أنَّ من المعمول به في مناهج البحث في العلوم الإنسانيَّة - ومنها اللغة - منهج قياس ما غاب عنَّا ممَّا لم نتمكَّن من ملاحظته والوقوف عليه من الظواهر الإنسانيَّة والاجتماعيَّة على ما نشاهده ونلاحظه منها، وذلك عن طريق جمع مادَّته ولَمِّ شوارده وتتبع تفاصيله، ثم محاولة البحث عن أوجه الاتّفاق والاختلاف بين ما حدث للقديم من تبدُّلات في ضوء ما نعرفه عن المعاصر لنا من خصائص ومزايا، بحيث تفسّر في ضوئه بعض الإشارات التي وجدت في التُّراث القديم ولَم نتمكَّن من فهم ظواهرها آنذاك، ونستلْهِمه في محاكمة ما لم يطَّرد منه من الشواهد والأمثِلة التي وردت على ألسِنة الفصحاء من العرب مع ما وضعه القدماء من اللغويين والنحاة من القواعد والقوانين.

 

وبناء عليه؛ فإنَّنا نرى أن هذا الإجراء اللغوي (الحذف للترخيم كما أوضحناه سابقًا) ممَّا ألِفَته اللغة العربية الفصحى - كما رأينا ذلك في الشَّواهد والأمثلة شعرًا ونثرًا - وورد على ألسِنة العرب الفصحاء، وسارتْ على نهجه لهجاتها القديمة والمعاصرة، وبقيت أثرًا واضحًا على وجود هذه الظَّاهرة اللغويَّة في اللغة العربيَّة، ودليلاً شاهدًا على فصاحة الموجود منها وأن له في العربية الفصيحة أصلاً.

 

4- (أن من الأصول المقررة عند القدماء من اللغويين والنحاة: أنَّ الحذف أخفّ من القلب أو الإبدال، وأنه قد يلتزم الحذْف لكثرة الاستعمال؛ لأن كثرة الاستعمال توجب التخفيف البليغ والحذف أبلغ في باب التَّخفيف من القلب وغيره، وأنَّه قد يُحذف ما يحتاج إليه استخفافًا، وأنه لا يصار إلى التأويل مع إمكان حمْل الشيء على ظاهِره لاسيما إذا لم يقمْ دليل على خلافه، ومتى أمكن حمل الشيء على ظاهره كان أولى؛ إذِ العدول عن الظاهر إلى غير الظاهر إنما يكون لمرجح[107]، ومتى أمكن حَمْل الشيء على ظاهره أو على قريب من ظاهره كان أوْلى من حمله على ما لا يشمله العقل أو على ما يخالف الظاهر جملة[108]، بل نجد عندهم أصْرح من ذلك وأوضح، فقد قال بعضهم: التأويل إنَّما يسوغ إذا كانت الجادَّة على شيء ثم جاء شيء يخالف الجادَّة فيتأوَّل[109]، نستنتج من هذه الأقوال وأشباهها أنَّ القول بحدوث الحذف في هذه الألفاظ للترخيم (بالمعنى الذي أوضحناه سابقًا) تأكيدًا لهذه الظَّاهرة في اللغة العربية الفصحى ولهجاتها القديمة والمعاصرة يتوافقُ مع ما ذهب إليه القدماء من اللغويين والنحويين باللجوء إلى الحذف طلبا للخفة، ومراعاة للظَّاهر البعيد عن التكلُّف، وحملا على ما تقبله قواعد اللغة ويسوغه نظامها.

 

الخاتمة

كثيرةٌ هي القضايا اللغوية التي تزخر بها اللغة العربية، مما أثار انتباه القدامى من اللغويين والنحاة وبعض الباحثين المحدثين، وحاولوا إيجاد تفسير وتعليل لمعظمها.

 

وما زال كثير منها يَحتاج إلى التأمُّل في مظاهرها وإعادة النَّظر فيما قاله القدماء من اللغويين والنُّحاة وبعض الباحثين المحدَثين عنها وتلمُّس حلول لها، ولعلَّ من تلك الظَّواهر التي أشار إليها القدماء من اللغويين والنحاة العرب وبعض الباحثين المحدثين ما وصفوه هم بإبدال الحروف السَّاكنة الصحيحة (الصوامت) حروف علَّة ولين (صوائت)، ومع اتِّفاق كلا الفريقين (القدماء من اللغويين والنُّحاة وبعض الباحثين المحدثين) على أنَّ هذه الظاهرة اللغوية التي أصابت بعض الألفاظ في اللغة العربية هي إبدال؛ حيث أبدل ثاني المثلين بحرف علة طويل أو لين (صائت) إلا أنَّهما اختلفا في التعليل والتفسير لأسباب حدوث ذلك في ألفاظ اللغة العربية، فقد ذهب القدماء من علماء اللغة العربية والنَّحو إلى أنَّ السَّبب وراء ذلك هو طلب الخفة، وقد نصُّوا عليه بعبارات مختلفة، ومع أنَّ هذا المسلك وأشباهه ملاحظ من أحوال اللغات، ويقبله نظامها الصَّوتي؛ لأنه نتيجة لعوامل طبيعية تتعلق باللغة نفسها، وميل أصواتها داخل البنية إلى الانسجام فيما بيْنها بالتخلص من الحروف الثقيلة على النطق، واستبدالها بحروف أخرى أخف على النطق؛ مما يحقق حدًّا أعلى من الأثر النطقي ولا يتطلَّب مجهودًا عضليًّا كثيرًا، فقد عزا بعض الباحثين المحدثين كثيرًا من التبدلات الصوتيَّة التي أصابت حروف اللغة العربية - على وجه العموم - وما نحن بصدده إلى عوامل التطوُّر التاريخي، وإلى ما يمكن أن تكون اللغة العربية قد ورثته من آثار أخواتها الساميات القديمة من تبدُّلات صوتية أصابت نظامها الصوتي.

 

وبمقارنة ما أثاره بعض المحْدَثين من علماء وباحثين من آراءٍ حوْل هذه الظَّاهرة في حروف اللغة العربيَّة التي أسْموها إبدال الحروف السَّاكنة الصَّحيحة (الصوامت) حروف علَّة ولين (صوائت)، وما توصَّلوا إليه من نتائج مع ما قاله القدماء من علماء اللغة العربية والنَّحو حول الظَّاهرة نفسها، تبيَّن لي أنَّ كلا التَّفسيرَين ليس قاطعًا بأنَّ هذا هو حقيقة ما حدث من تغْييرات صوتيَّة في هذه الألفاظ - لأسباب عرضناها في مكانها من هذا البحث - بل إنَّ بعض هذه التَّفسيرات والتعليلات تصادم قوانين اللُّغة، وبعضها مسائل ظنّيَّة لا بَّد فيها من تكلُّف ما لم يثبت دليلُه، أو يقوى احتِمال صحَّته؛ ولهذا عمدنا إلى طرح تفسير وتعليل آخَر لهذه الظَّاهرة اللغوية في اللغة العربيَّة يسلم من التعسُّف في التقدير والتكلُّف في التخريج والقول بما لا يشمله العقل أو يخالف القوانين اللغوية جملة، ويتَّصف بالسهولة في طريقة التعرف على حقيقة - ما نرجح - أنَّه حدث فعلا في هذه الألفاظ، وينسجم مع ما عُرِف من حال اللغة العربية بلهجاتها القديمة والمعاصرة وأحوال اللغات العالمية المنطوقة في سلوكها هذا المسلك اللغوي - الحذف للتَّرخيم (بالمعنى الذي أوْضحناه سابقًا) - في ميلها إلى التَّخفيف، ويتَّفق مع ذلك الإجراء اللغوي (التَّرخيم) الَّذي عرفه نظام اللغة العربية ونطق به عدد كبير من أبناء القبائل العربية قديمًا وحديثًا وفطن إليْه القدماء من اللغويين والنحاة ووصفوه بعبارات مختلفة في كتبهم. وعزوها - فيما رأينا - إلى طلب الخفَّة أو التخفيف بسبب أنَّ الصَّوتين المتماثلين يحتاجان إلى مجهود عضلي للنطق بهما دفعة واحدة، وأفرد له النّحاة العرب أبوابًا وفصولاً في كتبهم ومؤلفاتهم ورتَّبوا عليه بعض القواعد فيما أسموه الحذف للتَّرخيم على لغة مَن ينتظر آخر الكلمة المحذوف ولغة من لا ينتظر هذا المحذوف.

 

ونحن بعد هذا الَّذي عرضناه من حال اللُّغات التي وجد فيها هذا الإجراء اللغوي (الحذف للتَّرخيم بالمعنى الَّذي شرحناه سابقًا)، وحال اللغة العربية الذي نظنُّ أنَّه كان إجراء أصيلاً فيها بدليل كثرة المنقول منه، ووروده فيها، وتعدُّد مصادره - قُرآنا وشعرًا ونثرًا - حيثُ تلقَّاه القدماء من اللغويين والنحاة بالقبول، نرجِّح شيوع هذه الظَّاهرة في اللُّغة العربية استعمالاً، واطرادها قياسًا، بخلاف ما نصَّ عليه هؤلاء القُدماء من شذوذ ما ورد منها أُتِي به اضطرارًا، ونظنُّ أنَّنا متفقون مع كلٍّ مِن قدامى اللغويين والنحاة، وبعض الباحثين المحْدَثين على الغاية من المَيل إلى هذا الإجراء اللغوي (الحذف للتَّرخيم بالمعنى الَّذي شرحناه سابقًا)، وهو تلمُّس أيْسر السُّبل وأسهلِها للنطق بحروف اللغة تحقيقًا لأعلى حدٍّ من الأثر النطقي بأقلِّ جهد مُمكن من ناحية، وميلاً إلى الاقتصاد في المجهود العضلي للجهاز النطقي من ناحية أخرى... إلخ، بيْد أنَّنا قد اختلفنا معهم في التَّخريج، وافترقنا عنهم في التَّفسير والتَّعليل بناء على ما رأيناه من أحوال اللغات العالميَّة المنطوقة، وحال اللغة العربيَّة بلهجاتها القديمة والمعاصرة.

 

أسماء بعض المصادر والمراجع

أولا: العربية:

1- الإبدال اللغوي، أبو الطيب، تحقيق عز الدين التنوخي، دمشق، سنة 1960 م.

2- أسس علم اللغة، ماريو باي، ترجمة أحمد مختار عمر، ط مطبعة دار الكتب، سنة 1403 هـ.

3 - الأشباه والنَّظائر، عبدالرحمن جلال الدين السيوطي، ط2، بيروت - لبنان، دار الحديث للطباعة والنشر والتَّوزيع، 1404 هـ.

4- الأصوات اللغويَّة، إبراهيم أنيس، ط6، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصريَّة، سنة 1981 م.

5- البحر المحيط، أبو حيان، ط2، مصورة عن طبعة مولاي السلْطان عبدالحفيظ سليمان المغرب.

6- التطوّر اللغوي، رمضان عبدالتواب، مطبعة المدني، القاهرة، المؤسسة السعودية بمصر، سنة 1981 م.

7- التطوّر النحوي، براجستر اسر، القاهرة، سنة 1929 م.

8- توضيح المقاصد والمسالك لشرح ألفية ابن مالك، ط1، مكتبة الكليات الأزهرية، سنة 1977 م.

9- جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، ط1، حيدر أباد، مصورة بالأوفست مطبعة مجلس دائرة المعارف، سنة 1344 هـ.

10- الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني، بيروت - لبنان، دار الهدى للطباعة.

11- سر صناعة الإعراب، أبو الفتح عثمان بن جني، تح: مصطفى السقا وآخرين، ط1، مصر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، سنة 1954 م.

12- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، عبدالله بن عقيل، ط6، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 1979 م.

13- شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين محمد بن الحسن الإستراباذي، تح: محمد نور الحسن وآخرين، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية.

14- الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري؛ تح: أحمد عبدالغفور عطار، بيروت - لبنان، دار العلم للملايين.

15- الكتاب، أبو بشر عمرو بن قنبر، ط1، مصر، المطبعة الأميريَّة ببولاق، سنة 1316 هـ.

16- الكشْف عن وجوه القراءات السَّبع وعِلَلها وحججها (ج1)، مكّي بن أبي طالب القيْسي، ط2، بيروت، مؤسَّسة الرسالة، سنة 1404 هـ.

17- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، بيروت - لبنان.

18- لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، بيروت - لبنان، نشر دار صادر.

19- المخصص، أبو الحسن علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده، بيروت، دار الفكر.

20- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبدالرحمن جلال الدين السيوطي، دار إحياء الكتب العربيَّة.

21- المصباح المنير في غريب الشَّرح الكبير، أحمد بن علي الفيومي، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية، سنة 1398 هـ.

22- معجم المصطلحات النَّحويَّة والصرفيَّة، محمد سمير نجيب اللبدي، ط1، بيروت، مؤسَّسة الرسالة، دار الفرقان، سنة 1405 هـ.

23- همع الهوامع مع شرح جمع الجوامع، عبدالرحمن جلال الدين السيوطي، دار الفكر للطباعة والنَّشر والتَّوزيع.

 

ثانيا: المراجع الأجنبية:

1- GenerativePhonology. Sanford. A. Schene. 1973. Prentice Hall, Inc. Englewood Cliffs , N. J.

2- Introduction to Phonology. Sharon. H. Taylor. 1978. Prentice Hall, Inc. Englewood Cliffs , N. J.

3- Phonology (An introduction basic concepts). Roger Lass. 1984. Cambridge University Press.

 

[1] يقصد بالحرف للمكتوب، والصوت للمنطوق، فالأوَّل اصطلاح كتابي (إملائي)، والثَّاني اصطلاح لغوي - نسبة إلى علم اللغة - ويعدُّ الصوت الإنساني ذلك النَّموذج المتكامل للسلوك الاجتماعي، فمن المعروف أنَّ جهاز النطق الإنساني قادر على إحداث عدد كبير جدًّا من الأصوات الكلامية، ولكن كلّ لُغة لا تصطنع إلا عددًا محدودًا من الأصوات؛ فنحن في العربيَّة لا نستعمل جميع الأصوات التي يمكن أن يحدثها جهاز نُطْقِنا، بالإضافة إلى أن الصوت اللغوي الذي يصْدر عن جهاز النُّطْق الإنساني يختلف عن سائر الأصوات التي تَحْدُث عن أسباب أو أدوات أخرى كما يحدث في العالَم الطبيعي نتيجة لقرْع جِسْم بجسم، أو احتكاك جسْم بآخر، أو نفخ في جسم خاص، أو لغير ذلك، والصوت الإنساني ككلّ الأصوات ينشأ من ذبذبات مصدرها في الغالب الحنجرة لدى الإنسان، فعند انْدِفاع النفَس من الرئتين يمرّ بالحنجرة فيُحدث تلك الاهتزازات التي بعد صدورها من الفم أو الأنف تنتقل خلال الهواء الخارجي على شكل موجات حتى تصل إلى الأُذُن، ويتركَّب الصَّوت الإنساني من أنواع مختلفة في الشِّدَّة، ومن درجات صوتية مُتباينة، كما أنَّ لكل إنسان صفة صوتيَّة تميّز صوته من صوت غيره، ووصف التَّأثير السمعي للأصوات ينتهي بنا إلى أن نُطلق عليها أوصافًا مثل: (لينة - خشنة - عذبة... إلخ)، مجلة الفيصل لسنة 1417 هـ ص150.

[2] بكالوريوس من كليَّة اللغة العربيَّة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة عام 1398 هـ.

- ماجستير من قسم اللغات الشرقيَّة في جامعة أنديانا - بلومنجتون في الولايات المتحدة الأمريكية.

- دكتوراه في اللغويات من كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1414 هـ.

- يعمل الآن أستاذًا مشاركًا في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز، وأستاذًا لعلم الأصوات بقسم اللغة العربية.

[3] أنيس، إبراهيم، الأصوات اللغوية، ط6، ص: 22 وما بعدها.

[4] ماييه، علم اللسان، ص 443، تعريب الدواخلي.

[5] عبدالتواب. رمضان، التطور اللغوي، ص: 17.

[6] المرادي، توضيح المقاصد والمسالك، ص: 3، وما بعدها.

[7] اللبدي محمد سمير، معجم المصْطلحات النَّحويَّة والصَّرفيَّة، ط1، مؤسَّسة الرِّسالة، ص: 163.

[8] ابن سيده، المخصَّص 31 /267، بيروت، دار الفكر، 1398 هـ.

[9] توضيح المقاصد والمسالك، ص: 3 وما بعدها.

[10] المخصص: 31 /167.

[11] الأزهري. خالد، شرح التصريح: 2 /366.

[12] ابن يعيش، شرح المفصَّل: 9 /7 وما بعدها.

[13] السيوطي، المزهر في علوم اللغة العربية وآدابها: 1 /460.

[14] نفسه: 2 /460.

[15] اللغوي. أبو الطيب، الإبدال اللغوي: 1 /396.

[16] نفسه: 2 /292.

[17] نفسه: 2 /292.

[18] ماريوباي، أسس علم اللغة، تعريب أحمد مختار عمر، ص 78.

[19] المطلبي، الأصوات اللغوية، ص24.

[20] أنيس، الأصوات اللغوية، ص26.

[21] ذكر مكّي بن أبي طالب أنَّ الهمزة حرف جلد بعيد المخرج صعب على اللافظ به، بخلاف سائر الحروف، الكشْف في القراءات السبع، تح/محيى الدين رمضان، ط 2، بيروت: مؤسَّسة الرسالة، سنة 1404 هـ: 1 /72، وقال ابن يعيش في شرح المفصل: "الهمزة حرف شديد مستثقَل يخرج من أقصى الحلق؛ إذ كان أدخل الحروف في الحلْق فاستثقل النطق به؛ إذ كان إخراجه كالهوع"؛ "شرح المفصل"، عالم الكتب، بيروت: 9 /107.

[22] نفسه، ص 28.

[23] السيوطي، الأشباه والنظائر: 1/18.

[24] سيبويه، الكتاب، ط بولاق: 2 /398.

[25] نفسه: 2 /401.

[26] نفسه: 2 /398.

[27] ابن منظور، لسان العرب: 2 /1005.

[28] نفسه: 3 /371.

[29] نفسه: 1 /1117.

[30] ابن سيده، المخصَّص: 13 /267 وما بعدها.

[31] سيبويه، الكتاب: 2 /401.

[32] نفسه: 2 /398.

[33] المبرد، المقتضب، تح: محمد عبدالخالق عضيمة، القاهرة: 1 /246.

[34] ابن يعيش، شرح المفصَّل: 10 /24.

[35] ابن جني، الخصائص، تح: محمد علي النجار، القاهرة: 2 /90 و 315 وما بعدها.

[36] ابن دريد، جمهرة اللغة، ط1: 1 /43 وما بعدها.

[37] ابن سيده، المخصص: 13 /288 وما بعدها.

[38] أنيس، الأصوات اللغوية، ص28.

[39] المطلبي، الأصوات اللغويَّة، ص 136 و 193.

[40] نفسه، ص200.

[41] براجستر اسر، التطوّر النحوي، ص 46.

[42] نفسه، ص206.

[43] ابن سيده، المخصص: 13 /288.

[44] الخصائص: 2 /91 وما بعدها.

[45] الرضي، شرح الشافية: 3 /212.

[46] المخصص: 13 /268.

[47] شرح المفصل: 13 /20.

[48] الأشباه والنظائر: 1 /298.

[49] شرح المفصل: 10 /21.

[50] أبو الطيب اللغوي، الإبدال: 1 /89 وما بعدها.

[51] نفسه: 1 /91 وما بعدها.

[52] نفسه: 1 /19 وما بعدها.

[53] المزهر: 1 /46.

[54] المخصص: 13 /288 وما بعدها.

[55] الفيومي، المصباح المنير: 1 /396.

[56] ابن خالويه، ليس في كلام العرب، تح: أحمد عبدالغفور عطار، ط2، 2 /110.

[57] اللسان: 2 /1005.

[58] نفسه: 3 /371.

[59] الفيروز آبادي، القاموس المحيط: 2 /212.

[60] نفسه: 2 /213.

[61] نفسه: 2 /242.

[62] الأشباه والنظائر: 1 /18.

[63] الكتاب: 2 /401.

[64] الأشباه والنظائر: 1 /18.

[65] شرح المفصل: 10 /24.

[66] الأشباه والنظائر: 1 /18.

[67] نفسه: 1 /18.

[68] Lass ,Roger. Phonology. 1984. Cambridge UniversityPress. PP: 186 - 188.

[69] نفسه: 781.

[70] الحملاوي، شذا العرف في فن الصرف، بيروت - لبنان، ص 60 وما بعدها.

[71] الكتاب: 2 /232 وما بعدها.

[72] شرح ابن عقيل، دار الفكر: 4 /246 وما بعدها.

[73] الكتاب: 2 /258.

[74] scane ,sanford. GenerativePhonology.! 1973. PrenticeHall , Englewood Cliffs, New Jersy. PP: 74 - 7 8.

[75] السيوطي، همع الهوامع، بيروت - لبنان، دار الفكر: 1 /184 وما بعدها.

[76] الخصائص: 2 /254.

[77] الكتاب: 1 /9.

[78] شرح المفصل: 4 /101.

[79] الكتاب: 1 /9.

[80] الخصائص: 2 /437.

[81] الكتاب: 1 /9.

[82] نفسه: 1 /9.

[83] شرح ابن عقيل: 4 /295.

[84] نفسه: 1 /157.

[85] الخصائص: 2 /315 وما بعدها.

[86] الكتاب: 2 /401.

[87] الخصائص: 1 /81.

[88] الشواذ: 136.

[89] الهمع: 1 /184 وما بعدها.

[90] القيسي، مكي، الكشف عن وجوه القراءات السبع وحججها: 1 /308 وما بعدها.

[91] آل صوار، يحي بن علي، أثر اختِلاف اللهجات العربيَّة في النَّحو، رسالة ماجستير بالمكتبة المركزية بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، ص 366.

[92] اللسان: 1 /1099.

[93] الكتاب: 1 /344.

[94] اللسان: 1 /993.

[95] الكشف: 1 /309، والجمهرة: 1 /43 وما بعدها.

[96] الكشف: 1 /308.

[97] شرح المفصل: 3 /212، وانظر: 10 /24.

[98] المصباح المنير: 1 /396.

[99] شرح المفصل: 10 /25 وما بعدها.

[100] نفسه: 10 /24 وما بعدها.

[101] الإبدال: 2 /47.

[102] اللسان: 3 /297.

[103] الإبدال: 2 /461.

[104] اللسان: 2 /531.

[105] الإبدال: 2 /106.

[106] شرح المفصل: 10 /25 وما بعدها، والإبدال: 1 /321.

[107] أبو حيان، البحر المحيط، ط2: 2 /258.

[108] نفسه: 4 /307.

[109] الاقتراح: 29، 82.

 

 

 

موقع الألوكة