العربية في يومها بقلم: عبد الحكيم الأنيس

خميس, 12/21/2017 - 08:17
العربية في يومها  بقلم: عبد الحكيم الأنيس

 

 

(ألقيت في اليوم المفتوح الذي أقامته دائرة الشؤون الإسلامية بدبي بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي 18/12/2013م)

 

أيها الأخوة الأحبة:

 

      نلتقي احتفالاً بلغتنا اللغة العربية واحتفاءً بها.     

     ونلتقي تكريماً لها لما قدَّمتْهُ من إنجازات كبرى فقد جعلت العالَمَ يتكلمُ مثلنا، ويفهمُ عنا، وجعلت العِلْمَ ينطق بها.

        ويكفي العربيةَ فخراً وسمواً أنها اللغةُ الوحيدةُ على وجه الأرض اليومَ التي نزل بها كتابٌ من الله، قرئ منذ ألفٍ وأربع مئة وخمس وأربعين سنة، وما يُزال يقرأ، وسيظل يُقرأ إلى ما شاء الله.

         ويكفي العربيةَ فخراً وسمواً أنها لغةٌ تحدّث بها نبيان رسولان عظيمان، الذبيح إسماعيل ابن الخليل، وابنه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

          كم كُتِبَ بها مِنْ كتب في العلوم الشرعية والفلسفية والطبية والهندسية وسائر فروع المعرفة...

        وكم قِيل بها مِنْ شعرٍ في أغراض كثيرة، غذّى شعورَ الإنسان ومشاعره في الحب والجمال والخير والفضيلة.

        وكم نُقِلَ إليها من نتاج العقول في الشرق والغرب.

        وكم نُقِلَ منها إلى اللغات في أطراف الأرض!

        هذه هي العربية التي ننتمي إليها.

        وهذه هي العربية التي نعوِّل عليها.

        ننتمي إليها لأنها نسبٌ شريف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

       ونعوِّل عليها لأنها طريقنا إلى أنْ نكلِّم اللهَ.

       وليست العربية علماً فحسب، ولكنها سموٌ نفسي رفيع، وقد قال إمام من أئمتها: منْ تعلّم العربية رقَّ طبعُه.

    ورقة الطبع هبةٌ ربانية مَنْ أوتيها فقد أوتي خيراً عظيماً، ومَنْ حُرِمها فقد حُرِمَ خيراً كثيراً.

        فيا لغة العرب:

ما أرفعكِ وما أسماكِ وأنت تنزلين من السماء وحياً ربانياً عالمياً خاتماً!           

وما أبهاكِ وأجملكِ وأنت تخرجين من بين شفتي أفصح مَنْ نطق بلغةٍ في الناس!

وما أشدَّ ثراءكِ وبك يخطُب الخطباءُ المصاقيع، ويقول الشعرَ الشعراء المبدعون والنابغون، ويكتب الحكمةَ حكماءُ عاقلون، ويسحر الألبابَ أدباءُ فنانون!

وما أكثرَ مفرداتكِ بحيث استوعبت علومَ الأمم، حين نقلها الناقلون إلى صدرك الكبير لتكوني وعاءً لها!

وما أوسعَ معانيكِ وأنت تعبِّرين عن كل إحساس مهما دق وخفي وكان لطيفاً غامضاً!

 هل تريدون الدليل؟ 

حسبكم أن تقرؤا القرآن.

وأنْ تقرؤا كتاباً من كتب السُّنة.

وأن تقرؤا جمهرة خطب العرب.

وأن تقرؤا ديواناً من دواوين الشعراء قبل الإسلام، وديواناً بعده.

 واقرؤا تاريخَ الترجمة -و إنْ كان لم يُكتب بالتفصيل- بعدُ.

واقرؤا التاريخ وانظروا كيف ألَّف العلماءُ -بكل تخصصاتهم –فيها، ومِنْ قريبٍ نظرت تاريخ الأطباء فهالني ما ألَّفوه بها، وخجلتُ عمّن يزعم أنها تضيق عن العلم اليوم، وعمْرَ الله إنها لواسعةٌ سعة الكون، ولم تضق يوماً، ولكن ضاقتْ بها صدور، وحسدتها نفوس، وكادت لها عقول....

ولا عليها مِنْ هذا كله، فإنها باقيٌة بقاءَ كتاب الله، خالدةٌ خلودَ أهل الجنة الذين سيتكلمون بها هناك في عالمهم الأخروي السعيد.

ويكفي دليلاً على جمال هذه اللغة أنَّ الحورَ العِين سيغنين بها في الفردوس ويقلن: طال ما انتظرناكم ، نحن الراضيات فلا نسخط، والمقيمات فلا نظعن، والخالدات فلا نموت ، طوبى لمن كان لنا وكنّا له.

وتقول الواحدةُ لزوجها الآتي من رحلته البعيدة: أنت حِبي وأنا حِبك، ليس دونَك مقصد، ولا وراءك معدِل.

أيها الأخوة:

هل يجوز للغةِ كهذه أنْ تُهمل، أو أنْ تُستبدل، أو أنْ تُجهل؟!

ورحم الله رجلاً عالماً عاقلاً تقياً كان يقول: لأنْ أهجى بالعربية أحبُّ إلي مِن أن أُمدح بغيرها.

ولو فقهت القلوبُ أسرار هذه اللغة لم تشبع منها.

 

وها هي تقول:

 

أنا مجمعُ الأسرار والأنوارِ         

أنا مصنعُ الخطرات والأفكارِ

عودوا إليَّ إذا أردتم نهضةً         

للمجد في الأقطار والأمصارِ

أنا زهرُكم في السِّلم والإعمارِ

أنا سيفُكم في الحرب والأخطارِ

تحيَون بي، وأنا بكم أحيا، وإنْ    

عُدتم أعدْ، والنصرُ للأنصارِ

اللهُ خاطبكم وخاطبَ كلَّ مَنْ

في الأرض بي وأنا الضياءُ الساري

هل في لغات الناس مثلي، هل لكم

غيري إذا صِرتم بدار قرارِ؟

فتحمَّسوا وتحزَّموا وتعرَّبوا         

وتوقَّدوا بمحبتي كالنارِ

عُودوا إليَّ فإنني مشتاقةٌ           

أحيا على الآمال والتذكارِ

ولقد غدوتُ غريبةً في داري          

يا ويحَ مغتربٍ بلا أسفارِ