مجلس اللسان العربي يحتفل باليوم العالمي للغة العربية

ثلاثاء, 12/18/2018 - 15:11

أقيم اليوم في غرفة الصناعة والتجارة والزراعةبنواكشوط الاحتفالية المخلدة لليوم العالمي للغة العربية، وذلك بالتعاون ما بين مركز عربي نت، والمركز الموريتاني للغة العربية وبمشاركة وتنسيق مجلس اللسان العربي بموريتانيا، وبرعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال.

وتضمنت الاحتفالية فعاليات عدة منها معرض الخطوط العربية ومعرض التطبيقات الإلكترونية ومعرض مجموعة مطوري جوجل ومعرض الطوابع والبطاقات العربية، إضافة إلى الجلسات العلمية التي أقيمت بهذه المناسبة.

وقد ترأس الأستاذ علي سيسي عضو الأمانة بمجلس اللسان العربي الجلسة الخاصة بدور صناع المحتوى الوطني على الانترنيت وآليات تطويره، التي تركزت حول دور صناع المحتوى الوطني من مدونين ومطورين ومصممين في إثرائه والآليات التي تسمح بتطويره، كما تتضمن الجلسة محاور تتعلق باستخدام المنصات الرقمية وجهود الترجمة إلى اللغة العربية واللغات الوطنية الأخرى والتجارب والمبادرات الوطنية المتعلقة بصناعة المحتوى.

وكان الأمين العام للمجلس د. المختار الجيلاني قد شارك في الجلسة الافتتاحية وألقى بهذه المناسبة كلمة المجلس؛ وهذا نصها:

السيد الأمين العام لوزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان،

السيد مستشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال،

السيد الأمين العام للجنة الوطنية لليونسكو،

السيد رئيس المركز الموريتاني للغة العربية،

السيد رئيس مركز عربي نت،

الحضور الكريم،

يسعدني أن أرحب بكم جميعا في مستهل هذه الاحتفالية المباركة التي تترجم بصدق تعلقنا باللغة العربية واعتزازنا بالانتماء إلى ثقافتها الإنسانية الكونية. إنها اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى من بين لغات البشر لشرف حمل آخر الرسالات السماوية كما اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من بين البشر كافة لشرف تبليغها، إنها اللغة الأجمل والأكثر عراقة وأصالة ورسوخا في التجربة الإنسانية والحضارية، اللغة الأشد صلابة وتماسكا، اللغة الطيعة المرنة التي لا تخذل صاحبها بما تتيح له من الإمكانات التعبيرية الفائقة الدقة، وبقدرتها التي لا تضاهى على التوليد دلاليا وصوريا، الأمر الذي جعلها تبدو جسما واحدا نابضا بالحياة على الدوام، تتوالد أجزاؤه من أجزائه في سلاسل متصلة ومتسقة بشكل بديع، فاللفظة تشتق من اللفظة حتى لا يظل العقل محصورا في نطاق معاني الوحدات المعجمية، ويجري بسلاسة تقليب الصيغ المشتقة لمزج المعاني الصرفية بمعاني الأصول؛ فليس اسم المكان واسم الزمان واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والمصدر واسمه واسم التفضيل والمبالغة والتصغير والتثنية والتأنيث والتذكير وجمع القلة وجمع الكثرة واسم الهيئة واسم المرة واسم الآلة وغيرها إلا مظاهر من إبداعات هذه اللغة العظيمة وإعجازها لكل ما عداها حتى افتتنت بها الشعراء وتغنى بها غير أهلها حبا وانبهارا بجمال خطوطها وأصواتها وأوزان كلماتها وحسن تراكيبها وسعة أساليبها وجزالة ألفاظها واقتصاد تعبيراتها.

إننا نحتفل اليوم باللغة العربية في عيدها السادس، لكن العربية تخطو نحو الالفية الرابعة غير آبهة بالقائمين والقاعدين ومن حرموا لذة التأمل في مفاتنها وروعتها. إن شعوبا كثيرة على وجه المعمورة اليوم في الصين والهند وروسيا وماليزيا وأندونسيا واستراليا وشرق أوربا وفي الولايات المتحدة وإفريقيا يحتفلون بهذه المناسبة وربما بإجلال وحب أكبر للغة العربية، دون ان ينتظروا منا إشعال شمعة، برغم أننا أجدر بالاحتفاء بهذه اللغة العظيمة التي لا تزال ترفع أمتنا ونحن قاعدون، وتدفعها قدما ونحن سامدون.

ليس عيبا أن نجعل العربية وقفا؛ فهي ليست من أحدكم بأم ولا بأب وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، لكن الخطأ كل الخطأ أن نتخلى عن هذا الكنز الثمين بعد أن اكرمنا الله به، وننتظر حتى نرى الأمم الأخرى وقد أقبلت على اللغة العربية تعلما وخدمة وتطويرا لتصدق علينا الآية الكريمة: "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". ولنا في شركات مثل جوجل ومايكروسوفت وأيبل وغيرها دليل على أن العربية سيقيض الله لها من يخدمها لأنها محفوظة بحفظ القران الكريم أولا، ولأنها ثانياً لغة إنسانية عظيمة لا يمكن للبشرية الاستغناء عنها، وربما هي اللغة الوحيدة الحية اليوم، المتكلمة بعد ألف عام كما تذهب إلى ذلك بعض الدراسات الاستشرافية في الغرب. 

إن الواجب الوطني والديني يحتم علينا جميعا ان نعمل بدأب ودون كلل من أجل حماية اللغة العربية والنأي بها وهي في عقر دارها على الأقل، عن كل أشكال المضايقة والتهديد؛ إذ ليست عبارات من قبيل الأمن اللغوي والأمن الثقافي التي تتردد كثيرا في هذا السياق، إلا تعبيراً ملائماً عن فظاعة الخطر حين يهدد كيان الأمة في أخص خواص هويتها وهو اللغة.

لقد اختارت الدولة الموريتانية في دستورها أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، إلى جانب لغات وطنية أخرى معترف بها، فهي لغة القرآن الكريم والثقافة والهوية. لكن الممارسات الفردية في أغلب الأحوال لا تزال بعيدة عن هذا الاختيار الذي يترجم الإرادة الحرة للشعب الموريتاني. وسعيا إلى مساعدة السلطات في الحد من أشكال انتهاك حرمة اللغة العربية، فقد انتهى مجلس اللسان العربي من صياغة مشروع قانون لحماية اللغة العربية سيعرض على الجهات المعنية قريبا بحول الله.

أيها السادة والسيدات،

تأتي هذه الاحتفالية المشتركة تتويجاً لتعاون وثيق ومثمر بين مركز عربي نت والمركز الموريتاني للغة العربية، وإن مجلس اللسان العربي بموريتانيا الذي تولى التنسيق بين المركزين لإقامة هذه الاحتفالية، ليأمل أن تكون هذه سنة حميدة لنرى في المناسبات المقبلة باقي الفعاليات والمبادرات العاملة في هذا الميدان وقد تداعت للعمل معا لخدمة اللغة العربية وإعطائها حقها ومستحقها من الاحتفاء والتبجيل ونشر الوعي بالقضايا المرتبطة بواقعها ومكانتها.

هنيئا لكم في عيد اللغة العربية. أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله.