قراءة في كتاب مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله - د. التقي الشيخ

اثنين, 03/11/2019 - 15:20

أشكر مجلس اللسان العربي على هذه السانحة التي يمكن من خلالها أن نتعرف على أهم منجز نظمي عن القرآن الكريم محققا ومدروسا ألا وهو كتاب"مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله" لمؤلفه الشيخ أحمدو ولد أحمذيه والذي قام بتحقيقه والتعليق عليه الدكتور مبارك المنى.

كان بودي أن يكون الدكتور مبارك بيننا لتقديم جهده الذي خبره وتمرس به لكن ظروف العمل منعت ذلك فطلب مني تقديم كتابه هذا على ضيق المهلة الزمنية فقد اتصل بي يوم أمس فقبلت تحت إلحاح الضرورة التي منعت أخانا الدكتور من الحضور وحالي مع هذا الكتاب ومع محققه تجد وصفها الدقيق عند ابن مالك حين يقول:

وفي اختيار لا يجيء المنفصل

       إذا تأتي أن يجيء المتصل

وذلك ما لم يتأت فنسأل الله العون والتوفيق.

وفي العتبة تعريف موجز بالمحقق وبالناظم ثم نلج إلى عمل المحقق في الكتاب.

الدكتور محمد أحمد المنى الملقب(مبارك) مواليد1981 روصو

ـ زاوج بين التعليم المحظري والنظامي وتخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية 2001 ومن شعبة القانون بكلية الحقوق بجامعة انواكشوط وكان طالبا نابها.

ـ حصل على دبلوم الدراسات المعمقة في التفسير من كلية أصول الدين(جامعة القرويين بالمغرب2004

ـ ناقش الدكتوراه بنفس الكلية ونالها بميزة مشرف جدا سنة 2008

ـ التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة2009 وتخرج منها إداريا مدنيا سنة20011

وهو الآن مستشار مكلف بالشؤون السياسية والاجتماعية للوالي بولاية الحوض الغربي.

درَّس بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وبجامعة انواكشوط 2009ـ2013

له عديد المقالات والبحوث العلمية وله ديوان شعر تحت الطبع.

الكتاب مراقي الأواه:

هو من تأليف العلامة العامل الورع أحمدو ولد أحمذيه ت1387(درس على والده الشيخ محمدو وعلى ألمين بن الحارث الشقروي، محنض بابه بن اعبيد، يحي ابن أحمد فال التندغي، محمد فال بن سعيد الملقب معي،يحظيه ولد عبد الودود)

ــ  مكث عامين في الجهاد مع الشيخ ماء العينين رفقة أخيه الشيخ محمد عبد الله  وبعض أبناء عمومتهما.

كان متصوفا أخذ عن خاله الشيخ محمد مولود ولد أمي، الشيخ محمدز ولد حبيب الرحمن فالشيخ محمد محمود ولد الشيخ القاضي، ثم الشيخ أحمدو بن بنب استقدمه إليه وجعله من خلصائه، وكل هؤلاء أجاز الشيخ أحمدو الذي توصل إلى خلاصة ذهبية هي قوله:

وقل من له النفوس تسلم   اليوم في البلاد أو منعدم

وشيخك الذ فيه لا ترتاب   سنة خير الخلق والكتاب

وعند ما ألف كتابه هذا تلقاه الناس بالقبول وأثنى عليه العلماء ومن ذلك قول الشيخ محمد النانه:

قد ارتاض لي قلبي وسمعي وناظري

                    عقود جمان رصعت بالجواهر

تؤدى بألفاظ رقاق شهية  

                    يدب دبيبا كأسها في الأباهر

ومنه قول العلامة محمد ولد أنحوي:

عقود جمان رصعت بالجواهر

           فلم تك تُلفي نحوها في النظائر

ونقحها شهم الفؤاد

                       وراثة بأنقال در عن رجال أكابر.

كان رحمه الله يتعهد القرآن حفظا وتدبرا ونسخا ؛ حيث نسخ المصحف الشريف أكثر من عشرين مرة(قصته مع الآية: وأصحاب الشمال)

                                   التحقيق

بدأت رحلة المحقق مع الكتاب بتحقيق سورة المائدة لنيل الدراسات العليا المعمقة سنة2004 ثم واصل فنال شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا عن تحقيق الجزء الثاني من التفسير  وذلك سنة 2008

إلا أن طموحه لم يقف عند ذلك فأكمل تحقيق الكتاب ليخرجه لنا في حلة بهية تمتاز ب:

ــ أناقة الشكل وجودة الورق والحبر والتنسيق حيث استوعب مجلد واحد متوسط الحجم 900صفحة، صادرة عن مجموعة نجيبويه، دار قطر الندى وديوان الشناقطة، منفذة بمصر.

ـ لم يخرج الشرح والتحقيق عن مقام الإيجاز؛ فالدراسة لم تزد على90صفحة، والفهارس لم تبلغ الستين صفحة.

ـ جاءت التعليقات والهوامش مقتضبة متناسبة مع المقدمات

ـ العناية التامة بالمتن تصحيحا وتنقيحا وضبطا وتخريجا وعزوا مع ترقيم الأبيات وجودة المنهج المتبع في ذلك والذي تحققت فيه متطلبات البحث أكاديميا وعلميا.

ـ فهرست الأحاديث، والأعلام، والقبائل، والأمم، والبلدان، والشواهد الشعرية مرتبة على القوافي، وفهرست الأنظام المضمنة مرتبة على القوافي، والأمثال بالترتيب الألفبائي

ـ المصاحبة المتأنية للمتن والتي مكنت من استخراج ما به من كنوز ودرر علمية، وتصحيح وتحوير بعض المسائل.

ـ التعرف بمناهج المفسرين الذين يرجع إليهم المؤلف والمقارنة بينها وبين منهج الناظم في الترجيح عند التعارض بين أقوال مراجعه أو ترك تغليب بعض الروايات على بعضها إما لعدم كفاية الدليل لديه أو لتساويه فيورد الأقوال دون ترجيح.

افتخرت ثلاثة علي السري ..

ـ جاءت خطة البحث مناسبة لمنهج المحقق في الإبانة والاختصار إذ لم تتجاوز قسمين أولهما مقدمة تضم فصلين أحدهما يعرف بالناظم والأخر يعرف بالمنظوم

وثانيهما عبارة عن النص محققا ومشروحا.

لم يكن طريق التحقيق سالكا إذ ظل هذا الكتاب على أهميته غفلا لم يتناول لولا المجهود القيم الذي بذله في شرحه حفيد المؤلف محمد فاضل ولد الشيخ محمدن ولد الشيخ أحمدو الذي وسم شرحه للمراقي بـ(فتح الإله بشرح مراقي الأواه) وقد نوه به المحقق في أثناء تعرضه للدراسات القبلية.

لقد توصل المحقق إلى خلاصات عن المراقي أهمها:

ـ أنه تفسير انتقائي يعتام من القرآن ما يحتاج البيان والتوضيح

ـ أنه جامع منتخب يلم شتات أقوال المفسرين وينتخب منها ما يراه مناسبا

ـ أنه مختصر يطوق مصادره بحيث لو ذكر ما لم يعزو فإنه حتما في أحد مصادره المذكورة

فقلت بعد الحمد للمبين معتمدا على نظام الدين

وابن جرير....

والذهب الإبريز واللباب مخافة الزيغ عن الكتاب

وكل ما لم أعزه حينئذ لأحد فهو في أحد ذي

ـ أنه تفسير أدبي جمعه شاعر بارع وأديب لوذعي وأبرز معالم الأدبية الشعرية الباهرة التي اتسم بها نظم المراقي فاسمع قوله:

من كان يطرب إلى مغرد  أنغام معبد فهو معبد ...

وكذلك احتفاله بالشواهد الشعرية المتناثرة في النظم بلفظها أو بالإحالة إليها

يقرر الدكتور مبارك المنى أن ولد أحمذيه انفرد بنظم تفسير القرآن في الغرب الإسلامي؛ بل لم يشهد التاريخ الإسلامي عملا مثل المراقي وإن كانت للحافظ بدر الدين الغزي(984هـ) منظومتان لا تزالان مخطوطتين ـ إن وجدتا ـ فإن الشيخ أحمدو لم يطلع عليهما وإلا لذكرهما مع مصادره فهو شديد الورع متسم بالأمانة العلمية( وكل ما لم أعزه ...)

والشيخ لم يكن يقصد التأليف وإنما كان يقيد فوائد ولطائف أثناء مروره ببعض الآيات فحصلت من ذلك جذادات جمعها وزاد فيها ونقص فكان كتابه الذي بين أيدينا.

عند صدور هذه الطبعة احتفت بها المحافل العلمية وسر بها أهل العلم وممن قرظها الشيخ محمد الحسن الددو والشيخ محمد عبد الرحمن ولد أحمد(ولد فتى)والدكتور محمد ولد سيدي محمد ولد مولاي وغيرهم، كما احتفت بها جامعة العلوم الإسلامية بالعيون من خلال ندوة نظمتها كلية أصول الدين حضرها لفيف من الدكاترة والباحثين والمهتمين وقدمت فيها ورقات قيمة عن الكتاب.

وها نحن اليوم في اللسان العربي نأخذ نصيبنا من الاعتناء بهذا المؤلف القيم خدمة للقرآن الذي نزل بلغة العرب التي يحتفى بها هذه الأيام على صعيد واسع.