التصحيف والتحريف في المصادر د. أحمد مزيد عبد الحق

خميس, 04/25/2019 - 10:52

الحمد لله الذي صان كتابه من التغيير والتحريف وعصمه من التبديل والتصحيف وصلاته على نبيه محمد المخصوص بمزيد الحُظوة والتشريف أما بعد:

فإن الحديث عن الصناعة المعجمية الذي تكرم الأساتذة قبلي بالحديث عنه من أهم المهمات وآكد الواجبات على من يريد إحياء رسوم العربية بعد اندراسِها وإظهار معالمها ومحاسِنِها بعدَ انطِماسها إلا أن المقدِّمَة الطَّبعية لأي معالجة وتحرير معجمي يجب أن تُسبق ببذل جهد جَهيد في استِنقاذ النُّصوص ِ والسياقات اللفظية من براثن الخمول والنسيان، ومخالب التصحيف والتحريف والتغيير والتبديل بحسب الإمكان،  لإن إعمال الأنظار والأفكار في تحليل النصوص ومقارنة بعضها ببعض لا يُجدي فتيلا إن كانت الثقة بتلك النُّصوص مَهزوزة وكان المحرر والباحث لم يتوثق من صحة الألفاظ وثبوتها عن مستعمليها على الوجه الذي وصلَ إليه لأن المعاني ظلال للألفاظ وقد قيل قديما ((متى يَستقيم الظِّلُّ والعُود أعوجُ؟!)).

ونظرًا لهذا المعنى فقد بادر جِلَّة من أهل العلم في التأليف في هذا الباب على أنحاء مختلفة ومجالات متباينة وكان للمحدثين من ذلك القِدْحُ المُعَّلَّى والنَّصيبُ الأوفى فألف الإمام أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري(تـ382) كتبا (أكبرها لسائر ما يقع فيه التصحيف من الأسماء والألفاظ غير مقتصر على الحديث. ثم أفرد منه كتابا يتعلق بأهل الأدب، وهو ما يقع فيه التصحيف من ألفاظ اللغة والشعر، وأسماء الشعراء والفرسان، وأخبار العرب وأيامها ووقائعها وأماكنها وأنسابها. ثم آخر فيما يختص بالمحدثين من ذلك غير متقيد بما وقع فيه التصحيف فقط، بل ذكر فيه ما هو معرض لذلك.

وفي بعض المحكي مما وقع لبعض المحدثين ما يكاد اللبيب يضحك منه)[1].

(وكذا صنف فيه الخطابي وابن الجوزي، لا لمجرد الطعن بذلك من أحد منهم في واحد ممن صحف، ولا للوضع منه، وإن كان المكثر ملوما، والمشتهر به بين النقاد مذموما، بل إيثارا لبيان الصواب، وإشهارا) [2].

(وقد فضح بالتصحيف خلق من أهل الأدب، ومن الأشراف والقضاة والرؤساء وهجوا به، وبقى ذمّهم مخلدا فى بطون الكتب. وقد مدح بالاحتراس من التصحيف والتحفظ منه جماعة كثيرة، منهم: خلف الأحمر فإن الحسن بن هانئ رثاه وهو حىّ، فكان من أفضل ما عدّد من مناقبه أن قال:
لا يهِم الحاء فى القراءة بالخا ... ء ولا يأخذ إسنَاده عن الصّحف)[3]

ومن هذا المنطلق فسيكون موضوع هذه الورقة المختصرة المُوجزَة (التحذير من التصحيف والتحريف في النصوص التي يستشهد بها في اللغويات) مع ضرب أمثلة واقعية عَرَضَت لي أثناء ممارسة هذه الصناعةِ لأنواع من التصحيف والتحريف تعُم بها البلوى   أقدم لها بتمهيد بمثابة مدخل للموضوع يليه تعريف للتصحيف والتحريف والفروق الدلالية بين المُصطلحين عند من يفرق بينهما ثم أتبع ذلك ببعض النقول المحذرة من هذه الآفة مبرزًا أهم الأسباب التي تؤدي إلى التصحيف والتحريف اللفظِيِّ وأختم الورقة بخاتمة أختزِل فيها ما تم إيجازه في العرض.

المسألة الأولى: تعريف التصحيف

التصحيف: تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها[4].

وهذا التعريف من أجمع وأمنع التعريف التي عُرف بها التصحيف فهو يشمل التصحيف الراجع للشكل والتصحيف الراجع للنقط والراجع للتشابه في الصورة وغير ذلك.

وأكثر العلماء لا يغايرون في إطلاقاتهم بين التصحيف والتحريف غير أن الإمام أبي أحمد العسكري جعل فرقا بين المعنين وتبعه الحافظ ابن حجر العسقلاني في نزهة النظر مع ملاحظة التباين بينهما في تحديد الفرق.[5]

المسألة الثانية: التحذير من التصحيف والتحريف

نظرًا لعموم البلوى بالتصحيف وشيوعه وذيُوعه حتى اكتوى بناِه العامَّة والخاصَّة ونظَرًا لخَطرِه على الدِّين والدُّنيا من جِهَة أخْرى فقد حذَّر العلماء ورَهَّبُوا وحَرَّروا الكُتُب ورَتَّبُوا تنفيرا من هذه الغائلة المُحيطة بكُلِّ الكُتَّاب الواقِعَة في كُلِّ كتابٍ إلا الكِتَابْ،  وأسوق ههنا نقلا لا يمنَعُنِي طولُه من أن أسوقه صَدَّر به العلامة الأديب صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي كتابه الشَّهيرَ تصحيح التصحيف وتحرير التحريف:

(أما بعد فإنّ التصحيفَ والتّحريفَ قلّما سلِم منهما كبير، أو نَجا منهما ذو إتقانٍ ولو رسَخَ في العِلم رسوخَ ثَبير، أو خلَصَ من معرَّتِهما فاضلٌ ولو أنّه في الشجاعة عبدُ اللهِ بن الزُبَيْر، أو في البراعة عبدُ الله بن الزَّبِير، خصوصاً ما أصبح النقلُ سبيلَه أو التقليدُ دَليلَه، فقد صحّفَ جماعةٌ هم أئمةُ هذه الأمّة، وحرّفَ كِبارٌ بيدهم من اللُغةِ تصْريفُ الأزِمّة، منهم من البَصْرة أعيان كالخليل بن أحمد، وأبي عمْرو بن العَلاء وعيسى بن عُمر، وأبي عبيدَة مَعْمَر بن المُثنّى وأبي الحسن الأخفش وأبي عثمان الجاحِظ و الأصمعي وأبي زيد الأنصاري، وأبي عُمر الجَرْمي، وأبي حاتم السجستاني وأبي العباس المُبَرّد.

ومن أئمة الكوفة أكابر: كالكسائي والفرّاء والمفَضَّل الضّبي وحمّاد الرّاوية وخالد بن كُلثوم وابن الأعرابي وعلي الأحمر ومحمد بن حبيب، وابن السِّكيت وأبي عُبيد القاسم بن سلاّم وعلي اللِّحياني والطوال وأبي الحسن الطوسي وابن قادِم وأبي العباس ثعلب.

وحسبك هؤلاء السادة الأعلام، والقادة لأرباب المَحابر والأقلام، وكل منهم:

إذا تغلْغَلَ فِكْر المرءِ في طرَفٍ ... منْ عِلمِه غرِقَتْ فيه أواخِرُهُ

وإذا كان مثل هؤلاء قد صحّ أنهم صحّفوا، وحرّر النقلُ أنهم حرّفوا، فما عسى أن تكون الحُثالة من بعدِهم، والرذالةُ الذين يتبهرجونَ في نقدِهم، ولكن الأوائل صحّفوا ما قَلّ، وحرّفوا ما هو معْدود في الرّذاذ والطّل، فأما من تأخّر، وبَخّ قطْرُ جهلِه على سِباخ عقلِه وبخّرَ، وزادتْ سقطاتُه على البَرْق المتألّق في السحاب المُسَخّر فإنّهم يُصحّفون أضعافَ ما يُصحّحون ويحرّفون زياداتٍ على ما يحرّرون، ولقد كان غلَط الأوائل قليلاً معدوداً وسبيلاً بابُ اقتحامِه لا يزالُ مرْدوماً مردوداً، تجيءُ منه الواحدةُ النّادرةُ الفَذّة، وقلّ أنْ تتْلوَها أختٌ لها في اللّحاق بها مُغِذّة، فأما بعد أولئك الفُحول، والسُحب الهَوامِع التي أقْلعتْ، وعَمَّتْ رياضَ الأدَب بعدهم نوازلُ المُحول، فقد أتى الوادي فطَمّ على القَريّ، وتقدّم السقيمُ على البَري)[6].

ثم ساق-رحمه الله-أمثلة من تصحيفات القراء والمحدثين والفقهاء وغيرهم وصل بعضها لدرجة اتخاذِ صاحِبِه هُزْأَةً وأوردَ بعضهُ اصحابَه مواردَ الموتِ والهَلَكَةِ.

المسألة الثالثة: أسباب التصحيف

يمكننا إيجاز أسباب التصحيف والتحريف في أمور يُعدُّ الاحترازُ منها أهمَّ العوامل العاصمة من هذا الداء العضَالِ:

-السبب الأول: الاعتماد على الكتبِ في تَلقِّي العُلوم دون سَماعِها وتصحيحِها على العلماء العارِفين الذين تَلَقَّوها بالسَّنَدِ المُتَّصِل عن مؤلِّفيها ومن أشهر العبارات في ذلك ما أُثِر عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي - أحد الثقات الأثبات -: (لا تحمِلوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا تأخذوا القرآن عن مُصْحَفِيٍّ)[7].

ومن أمثلة هذا النوع ما ورد في محاضرات الأدباء ط دار ال أرقم2/650:

قال بشّار:

ويهماء يستاف التراب دليلها ... وليس له إلا اليماني مخلق

تجاوزتها وحدي ولم أرهب الرّدى ... دليلي نجم أو حوار محلّق

وصوابُه:

ويهماء يستاف التّراب دليلها ... وليس بها إلّا اليمانيّ مُحْلِفُ

تجاوزتها وحدي ولم أرهب الرّدي ... دليلي نجم أو جوادٌ مخلّف

كما في البرصان والعرجان للجاحظ ص479.

-السبب الثاني: الجهل بقواعد النحو والتصريف عند كثير ممن يحقق الكتب وينشرها

-السبب الثالث: التقليد الأعمى للمشايخ والإئمة دون معارضة كلامهم بمقتضى الرواية والدراية

 - السبب الرابع: الاعتماد على النُّسخ المتأخرةِ التي نسخها وراقون جهلة مع إمكانية الحصول على الأصول العتيقة المضبوطة المحررة ومثله الاعتماد على الطبعات التجارية غير المحققة أو التي حَققها جهلة أدعياء في أزمنة قياسية.

والبديل عن مثل تلك المطبوعات السقيمة أن يعتمد من ينقل عن الكتُبِ على الطبعات الموثوقة التي اعتنى بها من لهم قدم راسخة في العلوم درُرْبَةً واطلاعا من أمثال عبد العزيز الميمني الرَّاجكوتي ومحمد محمود الشِّنقيطي (ابن التلاميد) وعبد السلام هارون وأحمد محمد شاكر ومحمود محمد شاكر ومحمود الطِّناحي وأضرابهم.

ويمكن التمثيل على هذا بما مَرَّ بي أثناء تحرير مادة (ح ي ر) فرع (مُتَحيِّر) في ديوان شعر عدي بن الرقاع العاملي: ثعلب، تح: نوري حمودي القيسي وآخرين، المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1987م ص 85

رَكِبَتْ بِهِ مِنْ عَالِجٍ مُتَحَيِّرًا

قَفْرًا تُرَبِّبُ وَحْشُهُ أَوْلادَهَا

والصواب أن محل الشاهد منه مصحفٌ والصحيح متحيِّزًا كما في طبقات فحول الشعراء (2/ 707)

(ركبت بِهِ من عالج مُتَحَيِّزًا ... قفرا تُربِّب وحشه أَوْلَادهَا)

قال محمود شاكر :

(... و(مُتحيِّزٌ): بعيد متنح منعزلٌ لا يُنالُ، وقدد صححه الراجكوتي(مُتحيِّرًا) بالرَّاءِ ولا معنى لها. وفي معجم ما استعجم:913 "مُتَجَبِّرًا" وفسَّرها وقال:" أيْ: صعبَ المرتقى" وهي وإن كانت صحيحة المعنى غير مرادة هنا، والظِّباء تأوي بأولادها إلى مكان مُنعزل منقطع عن معظم الطريق، وتقف بعيدا تنظر مخافة على ولدها .تُربِّبُ: تربي وتتعهد.

يقول: إن هذه الظبية أفضت من رمل عالج إلى مكان منعزل تركت فيه ولدها، ثمَّ وصَفَ المَكَانَ بأنه قفرٌ تأوي إليه وحش الظباء، تتعهد أولادها حتى تطيقَ العَدْوَ؛ فتحفَظ نفْسهَا).

5-السبب الخامس: عدم النظر في القرائن الخارجية المرجحة لمعنى سائغ يحتمله رسم اللفظ فيكتفي المحرِّر بادئ الرأي مما تَحتمله الكتابة الشكْليَّة وكان ينبغي أن يُعمل كُلَّ القرائن المُرَجِّحَة لقراءَة مُعَيَّنَةٍ أو المُبعِدَةِ لقراءةٍ أخرَى ومما يَحضُرُنِي مثالًا على ذلك ما ورد في شعر عمرو بن معدي كرب الزبيدي الزبيدي : تح: مطاع الطرابيشي، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1985م

وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَا تَمِيمٍ بَعْدَ مَا... عَضَّ الحُسَامُ جَبِينَهُ لَمْ يُقْبَرِ

فِي فِتْيَةٍ مِنْ قَوْمِهِ خُضِبَتْ لَهُمْ... سُودُ اللِّحَى مِنْ عَاتِكٍ مُتَحَيِّر

فَقَولُه: (عَاتِك مُتَحير) يتَرَجَّحُ بالقرينَة أنَّه مصَحَّفٌ صوابُه (مِنْ عاتِكٍ مُتَخَثِّرِ) ذلك أن التَّحيُّر لم يرد في المعاجِم ولا في الشِّعْرٍ العَرَبِيِّ إلا وَصْفًا للماءِ المُتَرَدِّ في مَكَانٍ واحِدٍ والموصوف به هنا العَاتِكُ: وهو الدَّم، وليس التَّرَدُّدُ والاضطراب مِن شأنِ الدَّم بَلْ شأنه إذا لامَسَه الهواءُ أن يتَأكْسَدَ ويتَجَلَّط َ وَيَتَخَثَّرَ.

هذا ورُبَّما مَرَّ المُحَرِّرُ المُعجمي ببعض الألفاظ يتَرَجَّحُ لدَيه فيها بعد إمعانِ النَّظَرِ في القرائن المُخْتَلِفَة معنًى لم يَظهر وجهُه لمن قَبْلَه أو تصويب لفظ يراه تصحف عند الكبار ولا يجد في المصادر ما يسعف رأيَه بشكْلٍ قاطِعٍ للنِّزاعِ

فيكتفي بإبداء رأيه في ملاحظة تلفت أنظار من فوقه ممن يراجع عمله، فلَربما وجد أحَدُهم ما يؤيد الدعوى المثارة أو يدحضها.

ومن ذلك  ما مَرَّ بِي في جذر (ح ب ر)   فرع (مُحْتَبِر) في ديوان بشار تح: إحسان عباس، صادر، بيروت، 2000م1/331 وبتحقيق العلامة الطاهر بن عاشور3/202

حَازَ الوَلَاءَ المُحَمَّدَانِ لَهُ...هَذَا نَبِيٌّ وَذَاكَ يَقْتَفِرُ

  مَنْ كَانَ غَمْرًا مِنَ المَكَارِمِ وَالمَجْـ...ـدِ فَإِنَّ المَهْدِيَّ مُحْتَبِرُ

فقد عرفْتُ المُحْتَبِرَ تَبعا للعلامة الطاهر بن عاشور بأنه: المُتَّصِفُ بالحَبْرَةِ وَهِيَ الخَيْرُ تَبعا لتفسير العلامة الطلاهر بن عاشور جريت في التعريف على ما شرح به العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور 3/202

ولولا جلالة الشارح وأن العلامة الدكتور شاكر الفحام أهمل التنبيه على هذا الموضع في تعقباته الكثيرة لابن عاشور لقلت إن اللفظ مصحفٌ وأن الصواب(مُخْتَبِر) أيْ: مجرب لأنه قابله في السياق بالغَمر وهو من لم يجرب الأمور فمدح المهدي بأنه مجرِّبٌ.

وإذا كانَ التَّصحيف في الكَلِمات مُضَلِّلًا للمحرِّرِ المُعجمِيِّ مُسَبِّبًا مُجانَبَتَه للصَّواب في رَصْدِ المَعانِي وتطَوُّرِ دلَالاتها فإن الخَطْبَ يَشْتَدَّ والمُصيبَة تَعْظُم إذا اجتمع مع التصحيف اللفظي تَصْحِيفٌ مَعنوي بأن تُشرح الألفاظ وتُقرَّرَ على وجه سائغ لا ينبوا عنه الذوق السليم ولكنه معنى غريب لا تشهد له السياقات الأخرى عند الشاعر ولا عند أهل عصرِه  ومن ذلك ما صحف به الشيخ عاكش اليمني بيتي غيلان فقال:

وليلٍ كجلباب العروس ادَّرعْته...بأربعة والشخص في العين واحِد

أحم غُدافيٌّ وأبيض صارمٌ...وأغبَسُ مَبْرِيٌّ وأروعُ ماجِدُ

ثم شرحه على التصحيف فقال:

أراد بالأحم شعر رأسه، والأحم الأسود من كل شيء، والغدافي منسوب إلى الغُداف وهو الغراب لشِدَّة سواده

وأراد بأغبس بدَنَه والغُبسة بياض فيه كدرة ومَبْرِيٌّ: قد براه السُّرَى وكثرة الأسفار

وقد رد عليه وشنع العلامة محمد محمود بن التلاميد فقاتل إنه:

0إفك واختلاق وتحريف واختراق فقد حَّف في هذين البيتين خمس تحريفات

واحدة في الأول وأربعةً في الثاني

وليل كأثناء الرويزي جُبته ... بأربعة، والشخص في العين واحد

أحم علافي وأبيض صارم ... وأعيس مهري وأشعث ماجد

يقول: والشخص وغيره في عين من نظر إليه واحد من شدة السواد. و"أثناء الرويزي": شبه سواد الليل بالطيلسان. و"الخضرة عند العرب: سواد.

فسر الأربعة فقال: "أحم علافي"، يعني: الرحل. و"الأحم": الأسود. و"أبيض": سيف. و"أعيس": بعير. و"أشعث"، يعني: نفسه. يقول: إذا رأونا من بعيد فالشخص واحد. ويعني: هذه الأربعة، مع نفسه. و"علاف": من قضاعة.

وقد بين العلامة محمد محمود بن التلاميد ما حصل في تلك الأأبيات من تصحيف وساق البرهان والدليل على ذلك من أشعار العرب ومن رواية البيت في ديوان ذي الرُّمَّة[8]

الخاتمة: وصفوة القول أن التصحيف شَرٌّ لا بدَّ منه ولكنْ حسب المحقق المتثبت أن يَحتاط في الرواية والدِّراية ليسلم غائلته، وإذا كانَ هذا الدّاء لم يسلم منه أحَدُ من كبار الأقدمين فحِريٌّ بنا في هذه القرون المتأخِّرَة أن نحْتَرٍسَ منه أِشَدَّ الاحتراس ونحترز منه أشدَّ الاحتِراز ببذل الوقت والجهد اللازم والاعتماد على أثبت الروايات وأصحِّ النُّسخ مع إعمال القرائن واستشارة أهل التَّخصُّصٍ ومُذاكرتهم.

أحمد مزيد بن محمد عبد الحق انواكشوط 20 إبريل 2019م.

 

[1] فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي4/57.

[2] فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي4/57.

[3] ما يقع فيه التصحيف للعسكري1/18.

[4] انظر: فتح المغيث 4/57.

 [5] انظر: ما يقع فيه التصحيف للعسكري 1/77 فقد ضيق معنى التصحيف وقصرَه على التغيير الذي تبقى فيه صورة الخط واحدة،  وانظر: نزهة النظر لابن حجر العسقلاني ص119 فقد قال فيها:(إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق ، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمصحف ، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمحرَّف).

[6] تصحيح التصحيف وتحرير التحريف للصفدي ص4-5.

[7] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم2/31.

[8] انظر: إحقاق الحق وتبْريء العرب بلابن التلاميذص69-78 ط  غراس بتحقيق رائد بن سعد الشَّلَّاحي.