مشروع المعجم التاريخي للغة العربية: خطوة جديدة نحو تحقيق الهدف

خميس, 11/18/2021 - 11:57

 

خطا مشروع المعجم التاريخي للغة العربية خلال هذه السنة 2021 خطوة كبرى نحو تحقيق هدفه؛ إذ أصدر سبعة عشر مجلدا تغطي المواد المعجمية ترتيبا من حرف الهمزة إلى حرف الجيم؛ حيث يرصد حركة الألفاظ متتبعا معانيها عبر العصور من خلال السياقات التي ترد فيها بدءا من العصر الجاهلي مرورا بالعصر الإسلامي مع الوقوف على شواهد اللفظ إن وردت في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، أو في أدب هذا العصر نثرا أو شعرا، ليتتبعها بعد ذلك في العصر العباسي حتى ينتهي إلى سياقاتها الاستعمالية في العصر الحديث.

 

الإعلان عن هذا الإنجاز جاء في حفل افتتاح الدورة الأربعين من معرض الشارقة الدولى للكتاب الذى ترأسه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة فى مركز إكسبو الشارقة مساء الثلاثاء27  ربيع الأول 1443هـ 02 نوفمبر 2021غ، بحضور رئيس مجلس اللسان العربي بموريتانيا الدكتور الخليل النحوي إلى جانب رؤساء مجامع اللغة العربية وعدد من علماء اللغة وفقهائها.

وفي كلمته بهذه المناسبة قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة الذي يمثل الإدارة التنفيذية لمشروع المعجم التاريخي الذي يرعاه سموه رعاية كاملة: إن  "اللغةُ العربيّةُ، أيّها الإخوةُ الكرام، لها من الخصائص والمزايا ما يرفعُها ويَسْمُو بها في دُنيا اللغات، وهي من أطولِ اللغات العالميّة عُمْرًا، وأوسعِها مُعجَمًا، وأروعِها بيانًا، وحقيقٌ بنا أن نجتمعَ اليوم من أجلها، وأن نخصص الجزء الأكبر من احتفالنا هذا في معرض الشارقة الدولي للكتاب بشأنها، وشأن الإنجاز الكبير الذي تم اليوم"

كما نوه في هذه الكلمة بالجهود المعجمية التي بذلها علماء اللغة منذ الخليل بن أحمد الفراهيدي وحتى العصر الحديث؛ "إلاّ أنّ اللغة العربيّةَ كانت بحاجة إلى معجم عربي كبير يتتبع تطور مفرداتها ويُؤرّخُ لجميع جذورِها وألفاظِها، فكان العملُ المعجميُّ العربيُّ كالصّرحِ العظيم والبناءِ الشّامخ، منظرُهُ جميلٌ، إلا أن لبنةً كبيرةً واضحةً تنقصُهُ، وكلُّ مَنْ يمرُّ بهذا البناءِ العظيم يقول: ما رأينا بُنيانًا أحسنَ من هذا، إلاّ موضعَ هذه اللّبنة".

ولكن هذه اللبنة التي كانت تستقطب اهتمام اللغويين وعشاق لغة الضاد ظل مشروع إنجازها "يترنّحُ بين نَقصِ التّخطيط، ومزالقِ ضخامةِ المشروع، وعوائق فداحة التّكاليف المادّيّة" رغم أن المحاولات تعددت " منذ عهدِ المستشرقِ الألماني فيشَرْ، ومنذ تأسيسِ مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، ثمّ جاءت محاولةُ اتّحاد المجامع اللغوية، ومحاولاتٌ أخرى، وشاء الله تعالى أن يرى النّورَ في زمنكم هذا، بعد أن صحَّت النّيّاتُ، وصدَقَ العزمُ، ولقد تشرفت بأن أشرفت وتابعت شخصيا مع كوكبةٌ كبيرةٌ من اللغويين في جميع المجامع اللغوية، سير العمل في هذا المشروع لحظة بلحظة، والحمدُ لله لقد وفّقَنا اللهُ سبحانه إلى هذا الإنجاز العظيم"؛ مضيفا أن العزم معقود على تواصل الجهود في هذا المشروع حتى يصدر كاملا في عشرات المجلدات. وقال "لقد بدأنا هذا المشروعَ العظيمَ ونحنُ نعلمُ وُعورةَ الطّريق والعوائقَ الشديدةَ والمزالقَ الخطيرةَ التي تعترِضُ السّالكين، واستَخَرْنا الله تعالى، وعزَمْنا عزمًا مؤكّدا على إنجازه والخَوْضِ في غماره، وهذا لا يعني أبدًا أنّ هذا المعجمَ التاريخيَّ مُبَرّأٌ من النّقص أو مُنَزَّهٌ عن الخطأِ، فالخطأُ ظاهرةٌ إنسانيّة، ولكن حَسْبُ المرْءِ أن يجتهد"

كما أعلن سموه عن إطلاق الموقع الالكتروني للمعجم التاريخي، قائلا: "إنّنا نُدرِكُ أنّ التّكنولوجيا الحديثة وشبكاتِ التّواصل الرّقميّة ميدانٌ فسيحٌ وواسعٌ للتواصل والنّشر، لذلك لقد خصَّصْنا موقعًا إلكترونيًّا للمعجم التاريخي في الشّبكة العالميّة، يستطيعُ كلُّ باحث في موقعه أن يطّلعَ على ما أنجز في هذا المعجم، ويبحث عن الكلماتِ والنُّصوصِ التي يريدُ، وهذا من التسهيلات التي ينبغي الاستفادة منها، كما خصّصنا تطبيقًا إلكترونيّا للمعجم التاريخيّ بحيث يكونُ في مُتناولِ أصحابِ الهواتفِ الذّكيّةِ واللّوحاتِ الرّقميّة"

وقد انطلق العمل في تحرير المعجم منذ السنة الماضية بعدما تهيأت الظروف واكتمل الإعداد على مستوى 10 مجامع عربية، بينها مجلس اللسان العربي بموريتانيا؛ إذ باشرت فرق التحرير عملها في 20 يناير 2020 بعد سلسلة من التدريبات أقيمت لفرق المعجم في مختلف البلدان العربية.

وقد عمل في المشروع مئات الباحثين والمختصين، عبر منصة رقمية أنشأها مجمع الشارقة للغة العربية، ويشرف عليها فنيا مهندسون يعملون في مجمع الشارقة.

 وتقوم الإدارة العلمية والتنفيذية بتحديد الحجم الإجمالي للعمل، ثم توزيعه على المجامع المشاركة. وبعد إنجازه من قبل فرق التحرير المعجمية ومراجعته من قبل المقررين العامين، تعكف لجان مركزية في القاهرة والشارقة على إعادة تدقيقه ومراجعته، وبعد المصادقة عليه من قبل الإدارة العلمية يطبع في الشارقة في نشرة أولية، يراجعها مرة أخرى مختصون من كِبار العلماء، قصد التأكد من سلامة الموادّ واكتمالها، ليعود إلى اللجنة العلمية للمعجم، ومن تستعين به من الخبراء للنظر في ملاحظات المراجعين واستكمال ما نبهت إليه من نقص في عناصره، ثم يرسل كرة أخرى إلى اللجنة التنفيذية في الشارقة ليطبع في نسخة ورقيّة تجريبيّة ثم يدقق من جديد، ليكون جاهزًا للطباعة والنشر والتوزيع.

وفي نهاية السنة الماضية أعلن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي خلال احتفالية الدورة التاسعة والثلاثين من معرض الشارقة الدولى للكتاب يوم الخميس 19 ربيع الأول 1442هـ/ 05 نوفمبر 2020 غ، عن صدور الطبعة التجريبية من المجلدات الثمانية الأولى من المعجم؛ ليصل العدد هذه السنة 2021غ إلى سبعة عشر مجلدا.

ساهم مجلس اللسان العربي بموريتانيا بنشاط في هذا الإنجاز. وقد تشكلت لجان العمل الموريتانية من عشرات الأعضاء ناهزوا سدس مجموع العاملين في المعجم، غير أن أعداد الباحثين تناقصت أثناء الطريق لأسباب شتى، دون أن ينال ذلك من تقدير إدارة المعجم للأداء النوعي والكمي العام للفريق الموريتاني الذي صنف ضمن المتصدرين من حيث الإنجاز. وكان من شواهد تقدير إدارة المعجم لعطاء الفريق الموريتاني أن استعانت بعدد من أعضاء الفريق في مهمات التدقيق المركزي للجذور المحررة من قبل اللجان المعجمية العربية الأخرى.