افتتاح فعاليات الأسبوع الوطني للغة العربية بمناسبة الاحتفال بيومها العالمي

سبت, 12/18/2021 - 22:44

يحتفل العالم في الثامن عشر من ديسمبر كل عام باليوم العالمي للغة العربية. وقد اختارت الأمم المتحدة عنوان: "اللغة العربية والتواصل الحضاري" موضوعا لاحتفاليات هذا العام، كما جاء في بيان الأمم المتحدة عبر موقعها الإلكتروني.

 وبهذه المناسبة، بادر مجلس اللسان العربي بموريتانيا باقتراح تنظيم أسبوع وطني للغة العربية يؤثث باحتفاليات وأنشظة مشتركة بين مجموعة من الهيئات والمنظمات العاملة على التمكين للغة العربية، من بينها: المركز الموريتاني للغة العربية، والحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، وجمعية الضاد، والمرصد الموريتاني للغة العربية، ومركز عربي.نت، وجمعية "أنا لغتي". 
وقد انتظم الحفل الافتتاحي لهذا الأسبوع يوم  السبت 18 دجمبر2019غ الموافق 14 جمادى الأولى 1443ه، بمباني جهة نواكشوط، تحت إشراف السيد الداه ولد أعمر طالب، وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وزير الثقافة وكالة، وبحضور لفيف من الشخصيات الرسمية والمثقفين ورجال الإعلام والمهتمين باللغة العربية.

تضمن برنامج الاحتفالية، بعد تلاوة آيات من القرآن الكريم رتلها عضو ديوان مجلس اللسان العربي بموريتانيا الشيخ علي سيسي، والاستماع إلى فقرة من نشيد اللغة العربية، عرضا عن الأهمية الحضارية والثقافية للغة العربية في العالم والخطوات التي اتخذتها الأمم المتحدة تجاه هذه اللغة منذ القرن الماضي وصولا إلى المصادقة بالإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2012 على أن يكون 18 دجمبر يوما عالميا للغة العربية. وقد أصبح هذا اليوم عيدا للغة العربية يجري  الاحتفال به في مختلف دول العالم في جميع القارات.

وفي كلمته بهذه المناسبة نوه معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي السيد الداه ولد أعمر طالب بأهمية اللغة العربية في العالم وخاصة العالم الإسلامي والعربي؛ فهي اللغة التي اصطفاها الله تعالى لنقل رسالته الختام الى الإنسانية، مبرزا الأهمية التي يوليها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني للتمكين لها ولنشرها.

وقال الوزير في كلمته: إنه إذا كان العالم يحتفي باللغة العربية باعتبارها لغة للعديد من سكان الكوكب، فإننا نحتفي بها أيضا باعتبارها لغة القرآن الكريم. وقال إن هذه اللغة بكل خصائصها تستحق العناية والتقدير. وقد احتلت ترتيبا متقدما بين لغات العالم وواصلت تألقها وتميزها، وهي اليوم من أكثر اللغات اقتدارا على الخلود. وذكر بأن اللغة العربية أمدت كثيرا من لغات العالم في فترة العناق الحضاري. وقال إن الدستور الموريتاني حسم القول بشأن مكانة اللغة العربية. وقال: إننا، مع ذلك، سنظل نؤمن بأن كل اللغات الحية لغات علم وانفتاح وأنها تستحق الاحترام. وسيكون تعاطينا معها تعاطيا حضاريا يعكس ثراء ثقافة لغتنا ويوطد علاقتها مع إيجابيات الانفتاح.

كما ألقى المشاركون من ممثلي الهيئات العاملة من أجل التمكين للغة العربية كلمات بهذه المناسبة تمحورت حول أصالة العربية في المجال الشنقيطي:دينا وثقافة وتعبيرا، وأنها تعد مكونا ثقافيا رئيسا في الوحدة الوطنية، وأنها اللغة الرسمية دستوريا، وأنها هي واللغات الوطنية تشكل هويتنا، وأن التمكين لها في جميع المجالات الحيوية يعد ضمانا لاستقلالنا الثقافي عن الاستعمار الأجنبي.

وكان الأمين العام لمجلس اللسان العربي بموريتانيا الدكتور البكاي عبد المالك قد ألقى كلمة باسم المجلس هذا نصها:

 

السيد معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي

السيد الأمين العام لوزارة الثقافة

السيد والي نواكشوط الغربية

السيدة رئيسة جهة نواكشوط

السيد الحاكم

السيدة العمدة

السادة رؤساء وأمناء الهيئات العاملة في مجال التمكين للغة العربية

زملائي الأعزاء

السادة الحضور أيها السادة والسيدات السلام عليكم ورحمة الله 

يخلد العالم هذا اليوم الثامن عشر ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية احتفالا باليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها باعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة

وكما تعرفون اللغة العربية هي لغة أكبر كتلة حضارية على مستوى الكوكب إذ تعتمدها 25 دولة في العالم لغة رسمية أو مشتركة

فهناك حوالي 467 مليون ناطق باللغة العربية حول العالم ما يعني أنها رابع أو خامس لغات العالم بحسب التصنيف تأتي بعد الصينية أو الماندارين (1036) والإنجليزية (618) والهندية والأوردية (487) والإسبانية بحسب بعض الدراسات،

وهي علاوة على ذلك من أكثر لغات العالم نموا وانتشارا تتقدم في ذلك على الكثير من اللغات مثل الفرنسية والروسية

أيها السادة والسيدات

سيادة اللغة العربية والتمكين لها معناه سيادة التسامح والانفتاح والتنوع والاعتراف بالخصوصيات الثقافية للشعوب على غرار ما كان موجودا في عصورها المشرقة.

في تلك المرحلة كان يتم استجلاب العلماء والأطباء من الهند والصين وآسيا الصغرى إلى الحواضر الإسلامية الكبرى مثل دمشق وبغداد وقرطبة دون أي تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللغة وهو ما مثل في الواقع شكلا من أشكال العولمة المتكافئة حيث كان كل طرف يجد ضالته عند الطرف الآخر وكان الجميع في ذلك الوقت يتحدثون اللغة العربية وكانت كل الاكتشافات وكل الاختراعات العلمية التي استجدت مثل الحساب العشري ومعادلات الدرجة الأولى والثانية والمعادلات التفاضلية وحساب التكامل ... تتم كلها باللغة العربية، كما كانت أكبر المراصد العلمية والفلكية التي عرفتها البشرية في الحقبة الوسيطة مثل مرصد الشماسية ببغداد ومرصد قاسيون بالقرب من دمشق ومرصد مراقة في آسيا الصغرى كانت تقدم فيها التجارب العلمية وتدون فيها نتائج الأرصاد الفلكية باللغة العربية.. وبالمثل كان تصحيح نظريات بطليموس في علم الفلك على أيدي الفلكيين العرب من أمثال البتاني المعروف عند اللاتينيين باسم "بتنيوس" وجابر ابن أفلح صاحب كتاب إصلاح المجسطى أو التأليف الرياضي المعروف لبطليموس وكتاب إصلاح المجسطى هو في مجمله تصحيح وتصويب لنظريات بطليموس في علم الفلك كما عبر عنها في كتابه المذكور آنفا ومن هؤلاء أيضا البتروجي المعروف عند اللاتينيين باسم بتراجيوس وهو الذي سميت "فوهة بتراجيوس" البركانية على سطح القمر باسمه وهو صاحب كتاب "الحياة" الذي دافع فيه عن نظرية المدرات اللولبية للكواكب ... كل هذه الأعمال العلمية الرائدة والفتوحات الفلكية تمت باللغة العربية.

وكانت ترجمة كتب أرسطو وغاليان (المعروف عند العرب باسم جالينوس) ومراجعة نظرياتهما في الفلسفة والطب والفيزياء وعلم الفلك باللغة العربية أيضا هذا كله دليل على أهمية اللغة العربية وفضلها في تطور العلوم ونقلها إلى الغرب.

ولا ننسى في هذا الصدد الإشارة إلى فضل اللغة العربية على اللغات الأخرى وخصوصا اللغات الأوروبية كالفرنسية على سبيل المثال من خلال ظاهرة الاقتراض اللغوي من ذلك ما شهد به كبار المعجميين الفرنسيين أنفسهم ونكتفي هنا بذكر مثال واحد منهم هو المعجمي الفرنسي المشهور صاحب القواميس والخبير في الصناعة المعجمية جان بريفو الذي ألف كتابا عنونه:

Nos ancêtres les arabes, Ce que notre langue leur doit

"أسلافنا العرب، ما تدين به لغتنا لهم"

في هذا الكتاب دافع جان بريفو بحرارة عن أطروحة مفادها أن الفرنسية والفرنسيين مدينون في تراثهم اللغوي والشعري للغة العربية فقد تلقى الفرنسيون لغتهم أو جزءا كبيرا منها من العرب ويقول جان بريفو بأنه: "يوجد من الألفاظ الفرنسية من أصل عربي ضعف الألفاظ الفرنسية من أصل غولي (les mots d’origine gauloise) وربما أكثر من ذلك بثلاثة أضعاف يقول المؤلف" (الصفحة 7 من الكتاب المذكور).

ولولا الخوف من الإطالة والخشية من الإسفاف والملالة لأتينا في هذا الباب بالعجب العجاب.

أيها السادة السيدات

إن التحدي الأبرز الذي يواجه اللغة العربية في عصرنا الحالي عصر الثورة الرقمية هو ضآلة المحتوى الرقمي بها على شبكة المعلومات الدولية ولذلك أسباب كثيرة لا يتسع المقام لذكرها

وفي تقديرنا أن المشكلة التي تثار اليوم حول مستقبل اللغة العربية والأخطار التي تثار حول بقائها هي مشكلة زائفة طرحت وتطرح بشكل مقلوب ولن يستقيم الجواب عن السؤال ما لم نُقوّم السؤال نفسه: فالخوف ليس على اللغة العربية بما هي لغة، فهي لغة القرآن وقد وعدنا الله بحفظها: قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ بل الخوف على أهلها وعلى الحضارة التي قامت على أساسها.

قال تعالى ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ وكلمة الناس عندما تستخدم في الأسلوب القرآني فهي للدلالة على الكونية. وفي تقديرنا أن الخيرية المقصودة هنا تتعلق بمركب عضوي تاريخي شامل تشكل اللغة جزءا منه ولا يجوز فصلها عنه

أيها السادة والسيدات لقد ظللنا ردحا من الزمن نجيب عن أسئلة لم تطرح أصلا، واختلط علينا في هذا الأمر كما في أمور أخرى كثيرة خطاب العقل بخطاب العاطفة، فلم نطرح أبدا السؤال الصحيح المتعلق بنا وبكينونتنا وبمقدار أرجحية الإسهام الذي نقدمه للعالم وليس سؤال الأصوات والمقاطع والحروف، سؤال اللغة مجردا عن القوة والفعل والحضور في العالم.

 هكذا تحولت اللغة في عيوننا إلى كائن عاجز ونوع مهدد بالانقراض علينا أن نحميه ونفرضه بالقوة على غيرنا إذا لزم الأمر، ونشأت لدينا منذ تلك اللحظة عقدةٌ ظلت تراودنا مصدرها إحساسُنا نحن قبل غيرنا بضعف اللغة العربية وعجزها عن مسايرة التقنية والتحديث وتحولت اللغة العربية من جراء ذلك إلى كائن استحال أمره إلى ضعف بعد قوة، إلى كائن يحتضر ننتظر موته

بشار بن برد عندما رد مغاضبا بقصيدته الهجائية المعروفة على الأعرابي الذي استفزه في مجلس الخليفة بسؤاله: "أعربي هذا أم مولى؟" كان على عكس الأعرابي يفصل بين موضوع اللغة وبين سؤال العصبية أو المركزية العرقية لأنه رد باللغة العربية الفصيحة التي أعجزت الأعرابي الذي تسبب فيما تسبب به لنفسه ولأمثاله كما قال الخليفة، فقد كانت اللغة العربية بالنسبة لبشار اللغة الوحيدة، كانت لغة كونية وإلا لما اختارها للتحدث بها في سورة الغضب.

وهكذا فإننا عندما نستخلص العبر من الآية السابقة ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ ومن سلوك بشار بن برد - وهما المثالان اللذان اخترناهما من بين أمثلة كثيرة- ندرك بسهولة أن الحلول التي نبحث عنها لكي تستعيد اللغة العربية مكانتها في العالم كلغة شاء الله لها أن تكون لغة كونية لا تكمن في الانكفاء على الذات ولا في سائر النزعات الارتكاسية القائمة على رد الفعل بل الانفتاح الواثق على الحضارات والثقافات وعلى اللغات الأخرى بما يعزز الحيوية النسبية للمركب العضوي التاريخي للحضارة العربية الإسلامية ولا يكون ذلك ممكنا في نظرنا إلا بالانكباب على ما تتيحه التقنية الرقمية من فرص استعادة التاريخانية الضائعة وجميع عناصر القوة والفعل.

بفضل التقنية الرقمية التي هي عنوان الثورة الصناعية الرابعة أصبحت لغة العالم واحدة، أصبح العالم يتحدث لغة واحدة هي أشبه ما تكون برياضيات كونية mathématis universalis)) لسان حالها يقول "من لم يكن رياضيا فلا يدخل علينا" وعلينا نحن كحضارة وكأمة علينا أن نقرر الدخول أو عدم الدخول بالبقاء على هامش الحضارة المعاصرة كائنات تراثية تعيش على الماضي أو على استهلاك كل ما ينتج في سائر الفضاءات الجغرافية أو الذهنية، كائنات لا تعرف إلى الإبداع والابتكار أو الإنتاج سبيلا.

أيها السادة والسيدات

أختم بالقول أننا عندما نتمكن - في سياقنا المحلي- من وضع أسس سليمة لنظام تعليمي قوي متجذرٍ في الأصالة، متمسكٍ بالنواحي الإيجابية من تراثنا وفي مقدمتها اللغة العربية وعلومها وبلغاتنا الوطنية وتنوعنا الثقافي، ومنفتحٍ وبقوة على الحداثة وعلى الآخر الحضاري للاستفادة من تجاربه المثمرة وعلى التقنية الرقمية التي يجب أن نربي النشء على أبجدياتها من الروضة إلى الجامعة، أقول عندما نتمكن من ذلك فستكون لنا في سياقنا المحلي فرصة للحاق بركب الحضارة، وبالمثابرة والإصرار واستخلاص العبر والدروس من الآية الكريمة يمكننا -في سياق أعم- استعادة الريادة.. فالعولمة تنذر بمصائر لم تتحقق بعد وطائر مينارفا لا يبدأ في التحليق إلا عند الغسق، ولا ندري من سيقيم أخيرا في ذلك القفص الفولاذي الذي تحدث عنه ماكس فيبر.

أقول عندها وعندها فقط ستكون لنا لغة مثلما أصبح للصينيين لغة يسعى في طلبها الكثيرون لا يبالون بغرابتها وتعقدها ولا يبحثون عن جمالياتها ولا عن أسلوبها. عندها سيكون من السهل والنافع معا طلب هذه اللغة لا للعبادة فحسب بل ولطلب المنافع أيضا فذانك شيئان ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا وليس من ضرورة حصول أحدهما حصول الآخر ولا من امتناع حصول أحدهما امتناع حصول الآخر فقد يحصلان معا فتكون بهما القوة والفعل والريادة وقد يرتفعان معا ويمتنعان فينجم عن ذلك الذل والهوان والتبعية، وقد علمتنا فلسفة التاريخ الخلدونية أن المغلوب مولع بتقليد الغالب تلك سنة كونية وسنة إلهية ولن تجد لسنة الله تبديلا

السلام عليكم ورحمة الله.