الآثار القانونية لرسمية اللغة العربية

جمعة, 12/24/2021 - 12:58

 

 الأستاذ المحامي محمد المامي ولد مولاي أعلي

 

يتطلب الحديث عن الآثار القانونية لرسمية اللغة العربية الواردة في المادة السادسة من الدستور الموريتاني أن نقف أولا على المسار الدستوري الذي مرت به اللغة العربية في البلاد، ثم ثانيا الآثار الدستورية للتنصيص على رسمية اللغة العربية، قبل أن نصل ثالثا لآثاره القانونية على مستوى القضاء والإدارة والمعاملات والحياة العامة، ثم نختم بالمكانة القانونية الدولية للغة العربية.

أولا: المسار الدستوري للغة العربية:

لقد أخذت اللغة العربية في موريتانيا مسارا دستوريا متدرجا، بدأ باعتبارها لغة وطنية فقط دون أن تكون رسمية، ثم لغة رسمية إلى جانب اللغة الفرنسية (الإزدواجية)، قبل أن تصبح هي اللغة الرسمية الوحيدة.

فقد نصت المادة 3 من أول دستور لموريتانيا وهو دستور 22 مارس 1959 على أن (اللغة الوطنية هي العربية، واللغة الرسمية هي الفرنسية)، وهو نفس ما انتهجه دستور 20 مايو 1961 في بداية الأمر حيث احتفظ بنفس المقتضى إلى غاية صدور القانون الدستوري رقم 068/065 بتاريخ 4 مارس 1968 الذي عدل المادة 3 من دستور 61 لتصبح: (اللغة الوطنية هي العربية، واللغات الرسمية هي الفرنسية والعربية).

ولم تهتم المواثيق الدستورية إبان الأنظمة العسكرية الاستثنائية بمسألة اللغة وبقي الحال على ما هو عليه إلى غاية صدور دستور 20 يوليو 1991 الذي نص في المادة 6 على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وأن اللغات الوطنية هي (الولفية والبولارية والسونونكية).

وجاء بعد ذلك القانون الدستوري رقم 015/2012 بتاريخ 20 ابريل 2012 ليضيف مقتضى جديدا في ديباجة الدستور يؤكد على رسمية اللغة العربية، جاء فيه: (وتشكل اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد، واللغات الوطنية الأخرى، البولارية والسوننكية والولفية، كل في حد ذاتها، موروثا وطنيا مشتركا لجميع الموريتانيين يجب على الدولة باسم الجميع أن تحفظه وتطوره).

هذا التدرج الذي أخذته اللغة العربية في طريقها إلى الرسمية والذي بموجبه ظلت اللغة الفرنسية لغة رسمية في البلد أكثر من 30 سنة بعد الاستقلال، رتب آثارا كثيرة وعقبات عديدة حالت دون تبوئ اللغة العربية لمكانتها الجديدة.

فقد ظلت الجريدة الرسمية في البلد –وهي الجريدة المعنية بنشر القوانين، فلا تكون نافذة قبل نشرها بها- ظلت تصدر باللغة الفرنسية فقط الى غاية سنة 1989، حيث أصبحت القوانين تنشر باللغتين العربية والفرنسية اللتين هما لغتان رسميتان حينها.

ورغم أن أول أثر قانوني لدسترة اللغة الرسمية هو جعلها لغة القانون، فأي قانون لا يصدر بها لا يكون دستوريا، بدءا بالقوانين النظامية ثم العادية، ومرورا بالمراسيم وانتهاء بالقرارات والمقررات والتعميمات، غير أنه لا شيء يمنع من نشرها بلغة أخرى.

لذلك نصت القوانين الموضوعية الرئيسة على أن كل غموض في النص الفرنسي يرجع في معناه إلى النص باللغة العربية، نجد ذلك في المادة 1465 من المدونة التجارية، والمادة 1179 من قانون الالتزامات والعقود، والمادة 449 من القانون الجنائي.

ولعل ذلك مجرد أثر من آثار الثنائية التي كانت قائمة قبل دستور 91 التي تجعل من العربية والفرنسية لغتين رسميتين.

ثانيا: الأثر الدستوري لرسمية اللغة العربية:

يرتب النص الدستوري على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوارد في المادة 6 من دستور 91 أثرين جوهرين مهمين:

أولهما: أنه يجب أن تصدر النصوص القانونية باللغة الرسمية تحت طائلة عدم دستوريتها، وهذا من الناحية العملية لا يثير إشكالا لأن النصوص القانونية تصدر فعلا باللغة العربية وإن كانت مترجمة في الغالب من أصل فرنسي، وهوما يضعنا في إشكالات بسبب الترجمة تتعلق أساسا بسوء الصياغة وسوء السبك.

وثانيهما: أن القوانين عندما تتحدث عن استخدام اللغة في المجال الرسمي يجب أن تلزم باللغة الرسمية تحت طائلة عدم دستورية ذلك المقتضى المتعلق باللغة.

ومن هذا المنطلق الأخير تتولد الآثار القانونية لرسمية اللغة العربية على مستوى الإدارة والقضاء والمعاملات.

ثالثا: الآثار القانونية لرسمية اللغة العربية:

انطلاقا من وجوب مطابقة النصوص التشريعية للدستور، استجابت العديد من النصوص القانونية السارية لمقتضى النص الدستوري المتعلق باللغة.

1-على مستوى القضاء:

على مستوى القضاء ألزم القانون بأن تكون اللغة الرسمية هي لغة التقاضي، لكن مع ضمان حقوق غير الناطقين بها، لذلك نصت المواد 255 و314  و 366 من قانون الاجراءات الجنائية على أن المحاكم ملزمة بالاستعانة بمترجم في حالة ما إذا كان المتهم لا يتكلم العربية -اللغة الرسمية-أو في حالة وجود وثائق مكتوبة بلغة أجنبية.

وقد أصدرت المحكمة العليا قرارا في عهد الرئيس الأسبق للمحكمة المرحوم القاضي محفوظ ولد لمرابط، هو القرار رقم 34/2001 بتاريخ 23/09/2001 في الملف رقم 44/2001 قضى بأن اللغة العربية هي لغة التقاضي في موريتانيا، وأنه تلزم ترجمة كل الوثائق إليها.

وهذا ما يقع عمليا انسجاما مع النصوص القانونية ولا اشكال فيه.

2-لغة الإدارة:

يخضع العمل الإداري بقراراته وعقوده وتسيير مرافقه لقواعد القانون الإداري، والقانون الإداري كما هو معروف هو قانون مبادئ، بمعنى أنه في أغلبه ليس قانونا مكتوبا، وإنما تستمد قواعده من فقه القانون الإداري وفقه القضاء الإداري.

وبالرجوع لفقه القضاء الإداري المقارن نجد أمر اللغة محسوما في الأنظمة القانونية المشابهة لنظامنا، فقد استقر الاجتهاد القضائي في الأنظمة القضائية المشابهة على اعتبار القرار الإداري الصادر بلغة غير اللغة الرسمية معيبا بعيب شكلي يكفي لإبطاله.

 من ذلك مثلا قرار مجلس الدولة الجزائري رقم 005951 المؤرخ في 11- 02- 2002 عن الغرفة الثالثة، حيث جاء في القرار: (الأصل أن القانون متى ألزم الإدارة بتحرير قراراتها بلغة معينة وجب التقيد بمضمون القانون وإصدار القرارات الإدارية بذات اللغة المقننة، وبما أن الدستور أقر بصريح النص أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وحيث إن القرار الطعين صدر بلغة أجنبية...،وبالنتيجة صادق مجلس الدولة على قرار الدرجة الأولى والقاضي بإلغاء القرار الإداري...).

ومثله أيضا قرار محكمة العدل العليا الأردنية رقم 28/79 الذي تضمن: (إن كتابة أصل القرار المشكو منه بلغة أجنبية يجعله باطلاً، إلا إذا بلغ للمعني باللغة العربية).

وكذلك حكم المحكمة الإدارية بالرباط الذي قضى بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارة المغربية وهو الحكم الصادر في 2 يونيو 2017، المؤيد من محكمة الإستئناف الإدارية بموجب القرار رقم 256 المؤرخ في 31 يناير 2018.

وبالرجوع إلى النظام القانوني للغة الرسمية في فرنسا مثلا، -التي هي المصدر التاريخي لنظمنا القانونية-نجد أن الأمر محسوم قانونيا وقضائيا، وقد صدر في فرنسا قانون شهير هو القانون رقم 665 لسنة 1994 يؤكد على سيادة اللغة الفرنسية واجبارية التعامل بها، باعتبارها لغة التعليم والعمل والمعاملات والخدمات العامة.

بل أكثر من ذلك منع هذا القانون استخدام أي مصطلح أجنبي في المعاملات الإدارية طالما يوجد مصطلح أو لفظ فرنسي يحمل نفس المعنى.

والغريب أن هذا القانون بعد أن تحدث عن الزامية التعامل الرسمي بالفرنسية، نص على أنها –أي الفرنسية-هي اللغة الرئيسة في دول منظمة لفرانكفونية!! وبطبيعة الحال موريتانيا من الدول المنتمية للمنظمة لفرانكفونية، مما يثير الخشية من أن يكون اعتبار اللغة الفرنسية هي اللغة الرئيسة في الإدارة إنما هو استجابة للقانون الداخلي الفرنسي الذي ألزم بذلك دول منظمة لفرانكفونية بدل الدستور الموريتاني!!

وبالرجوع لفقه القانون الإداري نجد أن القرارات الإدارية الصادرة بلغة أجنبية معرضة للإبطال قانونا، لأن عيب الشّكل سبب من أسباب إلغاء القرار الإداري، وذلك عند تجاوز السلطة الإدارية الشكل الذي أوجب القانون.

وهو من وجهة نظر القانون ليس مجرد عقبة أو شكل لا قيمة له، ولكنه ضمانة للأفراد وحرياتهم وحقوقهم، فوصول فحوى القرار الإداري إلى المعنيين به بلغتهم الرسمية التي يفهمون، أو يفترض قانونا أنهم يفهمونها –بحكم الدستور-هو ضمانة أكيدة من ضمانات الحقوق والحريات.

 ولكن عيب الشّكل هذا لا يتعلق بالنظام العام -بخلاف عيب الاختصاص مثلا-لأنه إنما قرر لمصلحة المخاطبين بالقرار الإداري، لذلك لا يمكن للمحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها، بل يلزم أن يثار أمامها من الطرف الطاعن بالإلغاء، وحينها يتعين الغاؤه.

3-لغة العقود:

بالنسبة للغة العقود يتعين التمييز بين العقود الرسمية والعقود العرفية.

أ-العقود الرسمية:

نص قانون الموثقين في المادة 45 على أنه (يجب في كل الحالات التي يكون فيها أحد الأطراف أو الشهود لا يتكلم اللغة الرسمية –التي تحرر بها الوثيقة- أن يوجد إلى جانب الموثق مترجم محلف يشرح العمل الذي يجري تحريره، ويترجمه حرفيا، ويوقع بوصفه شاهدا إضافيا، والتوقيعات التي قد تكتب بحروف أجنبية يشهد المترجم ويوقع على صحة كتابتها في نهاية الوثيقة).

ونص في المادة 60 على أن (كل وثيقة أو عقد تم بشكل مخالف لمقتضيات المادة 45 يعتبر باطلا، مالم يحل بتوقيعات كل الأطراف، غير أن العقد يعتبر بمثابة ورقة عرفية إذا حلي بتوقيعات جميع الأطراف المتعاقدة).

وهذه المقتضيات موجودة كذلك في كل الأنظمة المشابهة كالسنغال والمغرب والجزائر وتونس وفرنسا ومصر وغيرهم، والسبب في ذلك هو أن الموثقين يعطون العقود الصفة الرسمية المميزة لأعمال السلطة العمومية، طبقا للمادة الأولى من قانون الموثقين، وبديهي أن أولى عناصر هذه الصفة الرسمية هي صدور العقود باللغة الرسمية التي أوجب الدستور صدور أعمال السلطة العمومية بها.

وتبعا لذلك لا تكون الورقة الرسمية المحررة بغير اللغة الرسمية صالحة لأن تكون رسمية، بسبب عيب الشكل هذا، وقد نصت المادة 420 من ق ا ع على أن (الورقة التي لا تصلح لأن تكون رسمية، بسبب عيب في الشكل، تصلح لاعتبارها محررا عرفيا، إذا كان موقعا عليها من الأطراف الذين يلزم رضاهم لصحة الورقة.)، ما يفقد العقود الرسمية التي تخلف فيها الشرط الشكلي المتعلق بالصدور باللغة الرسمية حجيتها، لتصبح مجرد عقود عرفية، شرط احتوائها على توقيعات أطرافها، وإلا أصبحت باطلة، وهو ما استقرت عليه محاكم النقض في الأنظمة القانونية المشابهة.

ب-العقود العرفية:

الأصل أن العقود العرفية تخضع لمبدأ سلطان الإرادة، ومؤداه خضوع كل عناصر العقد لإرادة أطرافه بما في ذلك لغة العقد.

لكن هذا المبدأ يخضع لاستثنائين: الأول: أن القانون الزم في بعض الحالات بكتابة العقود باللغة العربية، كما هو الحال في الاتفاقيات الجماعية للشغل، فقد نصت المادة 71 من قانون الشغل على أنه (يجب أن تكتب الاتفاقية الجماعية لزوما باللغة العربية).

أما الثاني: فيتعلق بالأثر القانوني لجهل اللغة على العقود، ومن هنا تبرز إشكالية حماية حقوق المتعاقد عندما يكون العقد مكتوبا بلغة لا يفهمها، ويبرز الأمر أساسا في العقود التي تكتبها الشركات عندنا باللغة الفرنسية (القروض التي تمنحها البنوك، وعقود فتح الحسابات المصرفية، وعقود الاشتراك في خدمات الماء والكهرباء...الخ)، فيوقع عليها أشخاص أميون في هذه اللغة.

ذلك أن قانون الالتزامات والعقود نص في المادة 424 على أن: (المحررات المتضمنة لالتزامات أشخاص أميين لا تكون لها قيمة إلا إذا أصدرها موثقون أو موظفون عموميون مأذون لهم في ذلك)، وهو نص مطابق للفصل 427 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، والمادة 454 من قانون الالتزامات والعقود التونسي، ويوجد مثيل له في القانون الجزائري والمصري والفرنسي. 

وبالعودة الى الاجتهاد القضائي المقارن في هذا المجال نجد المجلس الأعلى المغربي في قراره رقم 1908 لسنة 2006 يقرر أن: (الأمي هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة باللغة التي حرر بها العقد، ومناط الحماية القانونية المنصوص عليها في هذا الفصل هو جهل الشخص لمضمون الورقة).

وهو تقريبا نفس ما ذهبت اليه المحكمة العليا بتونس (محكمة النقض) في الطعن المدني عدد 8809 مؤرخ في 20/06/2006 حيث قررت أنه (لا يكون التصريح برضا من يجهل لغة العقد معتبرا، وبالتالي يكون العقد فاقدا لأحد أركانه فيكون باطلا بذلك).

وقد ذهب القضاء الفرنسي نفس المذهب، إذ قررت محكمة النقض الفرنسية في قرارها رقم 685 بتاريخ 26 نوفمبر 1986 ، وكذلك قرارها رقم 756 لسنة 1988- مل ميستر- أنه: (لا يشكل اثباتا المخطوط الذي يحمل توقيعا رديئا يعود لشخص لا يحسن لا القراءة ولا الكتابة إلا كتابة اسمه).

وبطبيعة الحال العقد الباطل لا يرتب أي أثر إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له طبقا للمادة 319 من قانون الالتزامات والعقود.

ج-اللافتات والرسائل الاشهارية:

 ألزم القانون أن تكون اللافتات والرسائل الاشهارية باللغة الرسمية للبد، ويشمل الاشهار الرسائل الاشهارية واللوحات واللافتات التي توضع على المتاجر والمؤسسات وغيرها مما يلفت انتباه العموم، فقد نصت المادة 66 من القانون رقم 017/2018 المتعلق بالإشهار على أنه: (تصاغ رسائل الإشهار على عموم التراب الوطني باللغة الرسمية واللغات الوطنية حسب الجمهور المستهدف، مع وجوب مراعاة سلامتها نحويا، ويمكن استخدام لغات أجنبية عند الاقتضاء...وتكون اللغة الأجنبية وجوبا تحت اللغة الرسمية أو اللغات الوطنية إذا رتبت اللغات بشكل عمودي من الأعلى إلى الأسفل، وتكون اللغة الأجنبية على اليسار إذا رتبت اللغات أفقيا من اليمين إلى اليسار).

والسبب في هذا الالزام أن اللافتات واللوحات والرسائل الاشهارية تشكل الهوية البصرية للمجال العام في الدولة، لذلك تعين أن تكون منسجمة مع هوية الدولة.

وهذا يقودنا للقول إن التعددية اللغوية التي نص عليها الدستور، تعتبر مرآة دستورية للهوية الوطنية، ومحددا قانونيا حاسما من محدداتها، وغالبا ما تشترط القوانين في الحصول على الجنسية المكتسبة اتقان احدى اللغات المحددة للهوية الوطنية، حتى يتأتى الانسجام بين مكونات الشعب الواحد.

د-الهوية الشخصية:

كان قانون الجنسية الموريتاني الصادر سنة 61 في ظل دستور 61 الذي يجعل العربية لغة وطنية ويجعل الفرنسية لغة رسمية، كان ينص في المادة 19 على أنه: (لا يستفيد من التجنيس: من لا يتكلم بطلاقة إحدى اللغات التالية: التكرورية والسوننكية والولفية والبمبارية والحسانية والعربية والفرنسية)

غير أنه بموجب تعديل سنة 2010 لقانون الجنسية -في ظل دستور 91-  أصبحت هذه المادة تنص على أنه: (لا يستفيد من التجنيس من لا يتكلم بطلاقة احدى اللغات الوطنية (العربية والبولارية والسونونكية والولفية)، وذلك انسجاما مع الهوية اللغوية المحددة دستوريا.

رابعا: المكانة القانونية الدولية للغة العربية

عادة ما تنال اللغات مكانتها القانونية الدولية من منطلق الحماية الدولية للحقوق الثقافية للشعوب، فبقدر انتشار لغة ما في عدة شعوب، واستقرار العمل الرسمي بها، بقدر ما تنال مكانتها في المنظومة الدولية.

من هنا جاء اعتماد اللغة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة كلغة عمل رسمية بموجب القرار رقم 3190 الصادر في الثامن عشر من شهر ديسمبر سنة 1973 لتكون بذلك إحدى اللغات الست التي تعمل بها الأمم المتحدة، وتطبيقا لهذا القرار أصدر مجلس الأمن في 21 دجمبر 1982 قراره رقم 528 الذي جعل العربية لغة رسمية ولغة عمل بالمجلس.

وفي نفس الإطار تم اعتماد اللغة العربية لغة رسمية في عديد من المنظمات الدولية والإقليمية، فهي لغة رسمية في المحكمة الجنائية الدولية طبقا للمادة 50 من نظام المحكمة، لكن دون أن تكون من لغات الترافع التي هي الفرنسية والإنكليزية فقط.

كما أن اللغة العربية هي أيضا لغة رسمية في كل من الجمعية العامة والأمانة العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) طبقا للمادة 58 من نظام المنظمة، هذا بالإضافة إلى كونها لغة رسمية في منظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الافريقي الذي قرر رسمية اللغة العربية في البند الخامس من المادة 33 من ميثاق الاتحاد.

ومؤخرا تم تقديم مشروع قرار باعتماد العربية كلغة رسمية في منظمة التجارة العالمية وكان معدا للاعتماد في الاجتماع الوزاري ال12 للمنظمة الذي كان مقررا بجنيف خلال الفترة بين 30 نوفمبر و 3 دجمبر 2021، ولكن تم تأجيله بسبب ظهور متحور أوميكرون المثير للقلق العالمي.

كما تم كذلك تقديم اقتراح باعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وقرارها الآن قيد الاعداد ويتوقع أن يصدر في الأسابيع القادمة.

ومن الغريب حقا أن موريتانيا احتفظت باللغة الفرنسية في تعاملاتها مع المنظمات الدولية بالرغم من أن مسألة اللغة اختيارية بالنسبة للدول!

والخلاصة أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في موريتانيا بموجب الدستور، ويترتب على هذه الرسمية أن اللغة العربية هي لغة التشريعات تحت طائلة عدم الدستورية، ولغة القضاء تحت طائلة النقض، ولغة القرارات الإدارية تحت طائلة الإلغاء، ولغة العقود الرسمية تحت طائلة فقدان حجيتها وتحولها إلى عقود عرفية، ولغة العقود غير الرسمية بالنسبة لمن لا يفهمون غيرها تحت طائلة البطلان، فضلا عن كونها احدى اللغات المكونة للهوية الوطنية سواء على مستوى الهوية البصرية العامة أو على مستوى اكتساب الجنسية الموريتانية، فضلا عن أن لها مكانة دولية عالية تساعد على الرفع من شأنها.

بقي أن نقول في الختام إن اعتبار اللغة العربية هي اللغة الرسمية في البلد هو مقتضى دستوري نص عليه الدستور الموريتاني، فالمطالبة بتعديله أو تغييره يمكن أن تعتبر وجهة نظر نختلف معها ولكن نحترمها لصاحبها، لكن السعي من أجل تعطيله أو مخالفته يعد انتهاكا لهيبة الدولة وقدحا في رموزها وعصيانا لدستورها.