مجلس اللسان العربي بموريتانيا ينظم محاضرة حول "المعالجة الدلالية في معجم مقاييس اللغة"

أربعاء, 09/21/2022 - 12:33

نظم مجلس اللسان العربي بموريتانيا مساء الثلاثاء 24 صفر 1444هـ 20 سبتمبر 2022 غ بمقره محاضرة بعنوان: "المعالجة الدلالية في معجم مقاييس اللغة"، قدمها الأستاذ الدكتور المختار الجيلاني، الأمين العام لمجلس اللسان العربي بموريتانيا سابقا، المستشار الثقافي بسفارة موريتانيا في القاهرة حاليا.

هذه المحاضرة هي (20) ضمن برنامج المحاضرات والندوات التي ينظمها مجلس العربي بموريتانيا، وقد أدارها الأمين العام لمجلس اللسان بموريتانيا معالي الوزير الدكتور البكاي ولد عبد المالك.

وفي كلمته بهذه المناسبة رحب رئيس مجلس اللسان الشيخ الخليل النحوي بالحاضرين من أساتذة وباحثين منوها أننا في هذه العشية من عشيات مجلس اللسان العربي نستقبل ضيفا، وإن من الصعب أن نصفه ضيفا، نظرا لعلاقته التليدة والمتجددة بالمجلس، "إننا سعداء أن نجده بين بيننا في هذا الربع الذي اعتاده وألفه، يقول النحوي، لقد كان هنا كما تعلمون ثم شد الرحال في مهمة كلفه بها بلده، ومع ذلك ظل معنا؛ فقد كنا على اتصال دائم. لقد أردنا أن نغتنم هذه السانحة حينما علمنا أنه حل بالبلد في إجازة قصيرة، فقلنا لا بد من ساعة مؤانسة، ساعة مدارسة لنقتبس من معرفته وخبرته؛ فكان اقتراح هذه المحاضرة حول "المعالجة الدلالية في معجم مقاييس اللغة" وهو موضوع يدرك أهل الشأن أهميته؛ فابن فارس أحد أعلام المعجمية الذين جددوا فيها نظريا وأغنوها منهجيا.

وقد نبه المحاضر الدكتور الجيلاني إلى أن هذا الموضوع وإن كان قديما؛ حيث يتناول عملا معجميا مر عليه أكثر من ألف عام؛ فإن نظرتنا إليه وطريقة التناول ستكون انطلاقا مما استجد من معارف لغوية في العصر الحديث.

ومن المعلوم أن ابن فارس في معجم مقاييس اللغة يسير وفق منهج شبه مطرد في معالجة الدلالات المعجمية على مستوى الجذور اللغوية والصيغ المشتقة منها؛ فهو يبدأ دائما بتحديد الحروف الأصلية التي يتكون منها الجذر اللغوي، ثم ينتقل إلى تعيين الدلالة أو الدلالات التي تتمحور حول الجذر وترتبط بها معاني الصيغ المتفرعة عنه، قبل أن ينتقل إلى استعراض هذه الصيغ. وبذلك استطاع أن يقدم نموذجا فريدا في عصره، لمعالجة شاملة لجذور اللغة العربية، واقفا على معانيها الأصلية والطارئة (جارية وفق معاني الأصول أو خارجة عنها، أو مجازية، أو هي من باب الإبدال...)، متتبعا أوجه تحققها في مختلف الاشتقاقات. وقد وصف هو نفسه هذا الصنيع بقوله: "وقد صدَّرنا كل فصل بأصله الذي يتفرع منه مسائله، حتى تكون الجملة الموجزة شاملة للتفصيل، ويكون المجيب عما يُسأل عنه مجيبا عن الباب المبسوط بأوجز لفظ وأقربه".

لقد دأب ابن فارس في عرضه لمشتقات الجذر وتفسيرها في ضوء الأصول أو الدلالات المحورية الكلية، على الوقوف عليها واحدة فواحدة، والحرص على الإحاطة بكل أنواعها، ضاربا الأمثلة الشارحة، من القرآن العظيم ومن الحديث الشريف وأشعار العرب وكلامهم. وقد يكتفي ببعض الاشتقاقات لذكر غيرها في مكان آخر، أو لوضوح وجه تحقق الدلالة المحورية في الباقي كقوله في كلمة (قَمْطَرِير): والأصل (قمط) وقد ذكرناه، وأن معناه الجمع. ومنه قولهم بعير قِمَطْرٌ: مجتمع الخلق. والقياس كله واحد. وكقوله في (درم): "...ثم يشتق من هذا الذي ذكرناه ما بعده". وقد يكون ذلك من باب الإحاطة بكل الدلالات التي يعينها للأصل، أو التقرير باطراد القياس في باقي الاشتقاقات الفرعية. كما ينوه في بعض الأحيان إلى عدم اطراد القياس في مواد أو كلمات معينة كالحروف وأسماء البلدان والأصوات وحكاياتها، كقوله: " والدَّعدَعة قولك للعاثر: دَعْ دَعْ، كما يقال لَعًا، فقد قلنا إن الأصوات وحكاياتها لا تكاد تنقاس، وليست هي على ذلك أصولا"

    ولعل من أهم المزايا التي ميزت معجم المقاييس كذلك، عدم إهمال المجاز من دلالات الكلمة، وحرص المصنف على إيراده. يقول الدكتور حسين نصار: "ومن الظواهر البارزة في المقاييس عناية المؤلف بالعبارات المجازية وهو ينبه عليها ويصرح بأنها من المجاز أو الاستعارة أو المشبه أو المحمول، وقد يضعها في آخر المادة". ومن ذلك قوله في مادة (ذوب): "... ثم يحمل عليه ما قاربه في المعنى مجازا. يقال ذاب الشيء يذوب ذوبا، وهو ذائب. ثم يقولون مجازا: ذاب لي عليه من المال كذا، أي وجب؛ كأنه لما وجب فقد ذاب عليه، كما يذوب الشيء على الشيء.

وقد تتبع المحاضر هذه الظواهر وغيرها في معجم مقاييس اللغة مثل النحت في المواد الرباعية والخماسية.

وفي الختام جاء دور الحاضرين من لغويين وباحثين حيث قدموا في نقاش مفتوح تعقيبات حول طبيعة المعجمية عند ابن فارس منبهين إلى ما يتميز به منهجه ونظريته في الأصول من اتساق، ولكن هذا الاتساق قد لا يخلو في بعض الأحيان من تكلف.