عبد اللـه با بكر في ذمة اللـه

اثنين, 02/13/2023 - 12:59

فارس آخر من رعيل التأسيس وجنوده الأفذاذ تخسره البلاد والأمة، نحتسبه نحن، مجلس اللسان العربي بموريتانيا، عند اللـه تعالى.

إنه الدكتور الكبير والبحاثة الخبير عبد الله بابكر الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الثلاثاء 7 فبراير 2023غ بالعاصمة التونسية، حيث كان يعمل خبيرا رئيسيا متخصصا متفرغا بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (آلكسو).

ويعتبر الفقيد من الباحثين الرواد السابقين إلى العمل على إنقاذ وصيانة التراث الثقافي الموريتاني، وخاصة المؤلفات والمخطوطات والمحكيات والفنون الشعبية والتقاليد والآثار الحضارية...

وعلى يديه وبجهوده وعزيمته تأسس المعهد الموريتاني للبحث العلمي، وتحت إدارته شق المعهد طريقه بنجاح في سبعينيات القرن العشرين، فتمكن من إنقاذ وترميم آلاف المخطوطات النادرة، وتسجيل وتوثيق ومساعدة عشرات المكتبات الخاصة في مختلف نواحي الجمهورية، ولاسيما في الحواضر البعيدة التي كانت العزلة والرمال والهجران تهدد وجودها وتكاد تبتلع كنوزها العلمية التاريخية؛ وهي شنقيط وودان وتشيت وولاته.

ومع إنقاذ وتثمين الثروة العلمية والثقافية المتمثلة في المخطوطات والوثائق التاريخية التي تزخر بها هذه الحواضر القديمة، كان الراحل  نشطا ومتقدما مباشرا في ملف التصنيف الدولي لتلك المدن على قائمة التراث العالمي للإنسانية، وهو التصنيف العالمي الذي ساهم مع تلك الجهود الوطنية والمحلية، في إعادة الحياة والنشاط إلى تلك المدن الأربع. وقد حضر الأستاذ عبد اللـه بابكر دورة مهرجان وادان عام 2021، وحاضر عن تراث هذه المدن الوطنية، وعن الدور الرائد الذي قام به المعهد الموريتاني للبحث العلمي في ذلك.

وكان من محاسن فترة إدارة الأستاذ عبد الله بابكر للمعهد أن احتضن المعهد مشروع موسوعة حياة موريتانيا، أكبر عمل موسوعي عن البلاد، وخصص مكتبا للعلامة المختار بن حامد صاحب العمل قبل هجرته إلى المدينة المنورة رحمه اللـه، وعهد المعهد إلى الأستاذ محمد المصطفى الندى – رحمه اللـه - برعاية المشروع تمهيدا لنشر الموسوعة.  

 

وقبل أشهر قليلة كان الراحل محاضرا طيفيا (عن بعد) في مجلس اللسان العربي، في ندوة ثقافية، عن "فن المقامة في موريتانيا"، وهو فن لغوي وأدبي من صميم التراث الثقافي الذي خصه الفقيد بمؤلفات قيمة منشورة، ودراسات ومحاضرات...

ولد المغفور له بإذن اللـه عبد الله بابكر سنة 1948غ في بوتلميت، ودرس العلوم الشرعية والعربية في محظرة أهل عدود. والتحق في دراسته النظامية بدار المعلمين العليا وكلية الآداب بالجامعة التونسية، ثم معهد الدراسات العليا في الإدارة العمومية بلوزان في سويسرا.

وعلى الصعيد المهني، عمل في الإذاعة الوطنية في أواخر الستينيات، حيث ساهم في تطوير مسيرتها العملية وتأثيث برامجها وتقاريرها الإخبارية باللغة العربية.

وفي سنة 1974 عمل أستاذا بالثانوية الوطنية في انواكشوط قبل اختياره لتأسيس وإدارة المعهد الموريتاني للبحث العلمي من 1975 إلى 1980غ.

شغل الأستاذ عبد اللـه وظائف في جامعة الدول العربية في جنيف، فكان ممثلا لها في جنيف، ومديرا في مركزها الإقليمي بتونس، وعمل خبيرا متخصصا لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، "حيث ساهمت جهوده في تطوير وإثراء عمل المنظمة وبرامجها الثقافية العلمية والتربوية"، كما جاء في بيان نعي رسمي صادر عن الإدارة العامة لهذه المنظمة.

وكان عضوا في المجلس العلمي لمعهد المخطوطات العربية.

***

إن مجلس اللسان العربي بموريتانيا وهو ينعي الفقيد ويحتسبه عند اللـه، ليسأل الله أن يغدق عليه شآبيب الرحمة والرضوان ويتقبله في أعلى الجنان مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يلهم ذويه الصبر ويعظم لهم الأجر.

والمجلس يتقدم إلى أسرة الفقيد وذويه وإلى سائر أبناء الوطن والأمة بخالص مشاعر التعزية والمواساة.

إنا للـه وإنا إليه راجعون.