معلم زيادة في المبنى وريادة في المعنى

أربعاء, 03/20/2024 - 16:17

{وإذْ يَرفعُ إِبْراهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وإِسْماعيلُ، رَبَّنا تقبلْ مِنَّا إِنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ الْعلِيم}
استعمرَ البارِئُ عبادَهُ في أرضِهْ، وسخَّرَ لهُمْ ما فِي السمَوَاتِ وما في الأرضِ جميعاً منهْ، فكانَ الغِذاءُ، وكانتِ الكُسْوةُ، وكانَ الْمَأْوَى، ... 
ولمْ يَفْتأِ الإنسانُ يَسعَى لِتكْيِيفِ مَأْوَاهُ مع حاجَاتِهْ، ومُوَاءَمَتِهِ معَ خَصائِصِهِ وسِمَاتِهْ، يُخْطئُ في أحوالٍ ويُصيبُ في أحوالْ. 
هذا الْمَأْوَى (مقرُّ مجلسِ اللسانِ العربي) سَلَكَ سبيلاً غَيرَ ذِي عِوَجٍ لِلْمُوَاءَمَةِ بينَ الحَاجَاتِ والخَصَائِصِ والسِّماتْ، وحَرِصَ على أنْ يُعطِيَ المَثلَ في بِناءٍ أفضلَ بكُلفَةٍ أقلْ... 
في هذا البلدِ الطَّيبْ، عَثرنَا على تُربَةٍ ذاتِ خَصَائصَ مُميَّزةْ، فجعلناهَا المادةَ الأساسية، مُقتصدِينَ في استخدامِ الحَديدِ والأِسْمنتِ دُونَ إخلالٍ بقُوَّةِ المبْنَى وتمَاسُكِهْ. 
 

من اللَّبِنِ الطَّينِيِ المضغوطِ المصنعْ، إلى الطُّوبِ التقليديْ، إلى أسْقفِ القَبْوِ النُّوبِي، إلى القِبابِ وَالأَقْبِيَةِ الطينيةْ،  إلى الحَجَر الطبيعيْ..... كانت لنَا رِحلةُ إبداعٍ أصيلٍ لِتَشْيِيدِ معلمٍ يكونُ دُرَّةً على نَحرٍ مدينةِ نواكشوطْ عاصمةِ الثقافةِ في العالمِ الإِسلامِي للعامِ ألفين وثلاث وعشرين. 

اِسْتخرجنا مادَّةَ الطينِ الأوليةْ من شمالِ نواكشوط على بُعدِ مِائةِ كيلومتر تقريبا، وصَنعناهُ باستخدامِ مَاكيناتٍ حديثةٍ تعمل بتقنيةِ الضغطِ التِي بدأت تَرُوجُ في العالمِ اليوْمْ، لِما تتمتَّعُ به من الوَفْرَةْ، ومِنْ خصَائصِ العَزْلِ الصوتِي والتفَاعُلِ الحَرَارِي وانْعِدَامِ انْبِعاثِ الكَربُونْ ومِنَ الحِفاظِ على البِيئَةْ...
كان فخامةُ الرئيس محمد بَنْ الشيخ الغزواني قد وجَّهَ بتخصيصِ قِطْعَةِ أرضٍ لمجلسِ اللسانِ العربِي (مَعْلَمْ)، وتَكَفَّلَ صاحِبُ السُّموّْ الشيْخْ الدكتورْ سُلْطانْ بَنْ مُحمدْ القاسِمِي بِالبِناءْ. وبمقاربةٍ معماريةٍ إِبدَاعِيةْ، أنْجَزَ حُرٌّ مَا وَعَدْ. 
هكذا وُضِعَ الأساسْ، وشيئاً فشيئاً ارْتفَعَتِ الجُدْرانْ، فكان هذا المُجمَّعُ المُكوَّنُ مِنْ مبْنىً إداريٍ رئيسِي تَعلُوهُ قبةٌ شارِقِيَّةْ، ومبنًى إضافِي يضُمُّ مُصَلَّى، وقاعةً للمحاضراتْ، ومنْ غرفةِ حِراسةٍ مَبْنِية بتقنيةِ القَبْوِ النُّوبِي المُطوّرَةْ، إضافةً إلى منارةٍ شبيهةٍ بمنارةِ شنقيطْ، ومُجَسّمٍ لقُبَّةِ الصخْرَةْ، في إِشارَةٍ إلى عِنَاقٍ وِجْدانيٍ حَمِيمٍ بينَ شنقيطْ وبيتِ المَقدسْ والشارقةْ.
 

أنجزَ العمَلَ فريقٌ مُتعَدِّدُ الجنسياتْ، أَغْلَبُهُ منْ موريتانيا وفيهِ سنغاليونَ وماليونَ ومغارِبةٌ وفِلسطينيونْ.
ولأنَّ مدينةَ ولاتةْ هي عرُوسُ المدنِ التاريخيةِ في الدورةِ المُزَامِنة من دَوْراتِ مَهرجانِ مَدَائِنِ التُّراثْ، كانَ لا بدَّ أَنْ يكُونَ لهذهِ المدينةِ حُضورٌ في زَخارِفِ المبنى، في شَبَابيكِ النوافِذِ والشُّرُفاتْ، وفي نِجارَةِ الأبوابِ الخشَبيةْ.
 

ولأن المُجَمَّعَ مَرفَقٌ بِيئِيٌ بامتيازْ، غُرِسَتْ في جَنَبَاتِه أكثرُ مِنْ سِتينَ شجرةْ، مِنْها الظليلُ والمُثْمِر.
 وزُوِّدَ بنظامٍ شَبَكِيٍ يسمحُ باسترجاعِ مياهِ الأمطارِ مِنْ أعلى المبانِي واستخْدامِها في سقايةِ الأشجارْ، كَما تُصَفَّى مِياهُ الصَّرفِ الصِّحِّي لنفْسِ الغرضْ.
وكان لا بُدَّ أنْ يُزوَّدَ أيضاً بِنظامٍ بَديلٍ للإِضاءَةِ بِاستخدَامِ الطَّاقةِ الشمسيةْ، لِتخْفيضِ كُلفَةِ الكَهرباءْ، وتَعوِيضِها ولوْ جُزْئياً عندَ انقِطَاعِها.
مرحباً بِكُم في مُجَمّعِ مجلسِ اللسانِ العربي بموريتانيا
{اُدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِين}