نصت معاجم اللغة على أن شرى واشترى تردان بمعنى، ولهما نظائر عديدة مما ترد فيه فعل وافتعل بمعنى، مثل بكر وابتكر وآب وائتاب وكسب واكتسب وقدر واقتدر وخبر واختبر، على أن اتحاد المعنى، وإن كانت له شواهده مرجوح بأمرين:
الأمر الأول مداره على ما ذهب إليه بعض اللغويين من دلالة الزيادة في المبنى على الزيادة في المعنى، أو العلاقة بين قوة اللفظ وقوة المعنى، وذلك من فقه اللغة الدقيق، فإن في ابتكر من قوة الدلالة على التبكير ما ليس في بكر، وقل بمثل ذلك في كسب واكتسب وقدر واقتدر، هذا مع فرض اشتراك فعل وافتعل في الدلالة على المعنى العام، واختلافهما فقط في الدلالة على مراتبه أو درجات قوته.
لكن هناك أمرا ثانيا يذهب بالفرق أبعد من ذلك. وحسبك اختلاف معنى شرى واشترى في كل أو جل مواردهما في القرآن الكريم، فإن اللـه تعالى قال في قصة يوسف عليه السلام: { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍۭ بَخْسٍۢ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍۢ وَكَانُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ} وأردف مباشرة من بعد: { وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِٱمْرَأَتِهِۦٓ أَكْرِمِى مَثْوَىٰهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ}، فميز بين شرى واشترى في القصة جاعلا شرى لإخراج السلعة واشترى لإدخالها. وجاءت شرى بهذا المعنى في آيات أخرى مثل قوله تعالى: {فَلْيُقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلْآخِرَةِ} وقوله {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ}. كلتاهما بمعنى باع.
ومن شواهد ورودها بهذا المعنى في الشعر قول الشماخ:
فلما شراها فاضت العين عبرة
وفي الصدر حزاز من اللوم حامز
وقول آخر:
وشَرَيْتُ بُرداً ليتني
من بعدِ بُرْدٍ كنتُ هامه
وقد وردت اشترى كثيرا في القرآن للمعنى المقابل، مثل قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ}، وقوله جل من قائل: { لَا يَشْتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًۭا قَلِيلًا }.
وهكذا فإن موارد استعمال شرى واشترى في القرآن الكريم خاصة وفي شواهد من الشعر ترجح اختصاص شرى بالبائع، واشترى بالمبتاع، على أن أصحاب المعاجم ذهبوا أيضا إلى استعمال باع للمعنيين، وإلى اتحادها وابتاع معنى، كما قال من قال باتحاد معنى شرى واشترى وباستعمال كل منهما في المعنيين، باعتبار شرى واشترى وباع من كلمات الأضداد، وذلك باب تلبيس كبير في اللغة يحسن التخلص منه بترجيح ما رجح في الاستعمال الفصيح واعتبار ما ند عنه مما يحفظ ولا يقاس عليه، بل ولا يستعمل في اللسان الذي يقصد منه البيان.
واللـه أعلم