ظاهرة الدخيل في اللهجة الحسانية

أحد, 11/11/2018 - 12:10

 

الأستاذ/ إسماعيل محمد يحظيه

 

(هذه المقالة في الأصل ورقة قدمها الكاتب خلال ندوة نقاشية نظمها مجلس اللسان العربي بموريتانيا بمقره، مساء الأربعاء متم شهر ربيع الآخر 1439ه الموافق 17 يناير 2017غ، تناولت  تأثير اللغات الأجنبية على المتكلمين باللغة العربية، وسليلتها اللهجة الحسانية التي باتت تعاني هي الأخرى من ظاهرة الاستخدام المفرط للكلمات الأجنبية).

 

مدخل:

  من الألفاظ العامية ما يملك مقومات الحياة والبقاء فيبقى، ومنها ما يفقد تلك المقومات فيموت ويفنى؛ فهي كائن حي، نام، خاضع لناموس التطور والارتقاء؛ ليس فيها نمو دائم، فكل نمو لها في جانب يقابل بنوع من الخسائر في الجانب الآخر. فمن المظاهر القانونية في العامية واللغة ـ معا ـ  محاولة الوصول إلى نوع من التوازن , فكلما اقترضتْ ألفاظا من اللغات أو اللهجات الأخرى لإسعاف حاجات المتكلمين بها نراها تستغني عن ألفاظ أخرى تختفي من الاستعمال, إلا أن من الألفاظ ما يعمر فلا يموت ولو مضى عليه حين من الدهر، لما فيه من ضروب المناعة الداخلية كقوة المعنى ودوامه , ورشاقة اللفظ , وعذوبة الجرس... أما ما دون ذلك من الألفاظ فهو معرض للهجر أو الانقراض. والألفاظ التي تموت نراها قابلة للبعث ـ أحيانا ـ بإلباسها معان جديدةً أملتها مستجدات الحضارة وضعف سلائق الأجيال المعاصرة وهو ما تنتج عنه ظاهرة ما تمكن تسميته اليوم بفضول الحاجات كأدوات البداوة , وأوصاف الإبل , وأسماء الحشرات والنباتات وغيرها مما يستحيل حصره كأن نطلق ""الْوَتَّ"" على "الْمَرْكُوبْ" , أو"الطَّحَّانَ" على "الْمِهْرَازْ" الخ..

 ثم إن هذه الألفاظ بمجملها لم تعرف تدوينا , ولم تشهد عناية تكسبها المناعة والحماية من عوادي الأزمان والانقراض المخيم على ربوع مجمل ثقافاتنا الشعبية التي وصفت يوما بالغنى والتنوع. وهنا تجدر الإهابة بتلك الأمالي المحكية التي ظل يسعفنا بها بعض من اتسعت مهلهم في الحياة من خرِفِي الذاكرة لحونا واشعارا وأمثلة مما كانت له ـ على أهميته ـ بعض العيوب وذلك لغياب الدقة والتواتر واستقرار المعاني بين مختلف الرواة والجهات المتعددة في الفضاء العامي الفسيح (جنوب الصحراء) . فالكشف عن ماهية الألفاظ وإعادة الحياة التاريخية إليها سوف يسهم في التعرف على أحوال أولئك الأجداد الغابرين وفهم شؤون حياتهم وطرقهم في العيش والتدوين وتحصيل المعارف, فهو لا يقل في قيمته العلمية عن القطع الأثرية التي يعنى بها علماء الحفريات والآثار.

ومع ذلك فهل لنا أن نقف بالعامية في حدود معينة من الزمان والمكان بعيدا عن الألفاظ الطارئة التي دعت وتدعو إليها ضرورات التطور التي يفرضها تقدم الحضارة ورقي العلم؟ وهنالك سؤال ملح آخر ـ ونحن بهذا الصدد ـ وهو هل يجوز للعامية أن تستنكف عن أسماء فصيحة فتميتها لتفسح المجال أمام أخرى عاميةٍ مثل قولنا: "تعْوَ" أو "تَشَاگَ" مكان السعال الديكي؟ أو"بُحَيْمْرُونْ" مكان الحصباء ؟ أو"آوْرَاغْ" مكان الصفراء؟ أو "تَژَژْمِيتْ" مكان الربو؟ أو مرض "ازْگَارْ" مكان الزهري...؟

وفي المقابل هل من الجائز أو المقبول أن نستكين لإماتة هذه الألفاظ التي لا زالت تتشبث بخيط رفيع من الحياة لإفساح المجال أمام الفصحى أو إقحامها بعبارة أخرى؟ وكيف نوفق بين الوجهين؟ وما ذا عساه يكون موقف الأجيال الناشئة من هذا الاجتهاد؟

أسئلة تنبغي الإجابة عليها قبل الشروع في هذا المنحى الذي تتجه النية إلى إنجازه في هذا السياق.                     

 ثم إن من الواجب علينا ونحن ندرك بل ونسلم بآصرة القربى بين العامية في أصولها ومراميها، وبين أصول اللغة العربية ومقاصدها، أن نستحضر وننظر في بعض أسباب ظاهرة موت الألفاظ العربية حتى ندرك ماهية قسط العامية من تلك الأسباب المؤدية إلى موت الألفاظ العامية أيضا, لا أن نهتم فقط بإعطاء الوصَفات الآنية لهذا اللفظ أو ذاك لمجرد التعافي من وعكاته المتعددة. فقد أجمع أصحاب اللسانيات على أن هذه الأسباب ترجع  في مجملها إلى عوامل صوتية ومعنوية؛ ففي العامل الصوتي: قد تموت الكلمة لسبب داخلي فيها وهو ما تشتمل عليه من أصوات فلا تمتد بها الحياة كثيرا, وآفة الكلمة أن تتقارب فيها مخارج الحروف؛ فلا يكاد يجيء في كلام العرب ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لحزونة ذلك على ألسنتهم, ويقل اتصال حروف الحلق في الكلمة من غير فصل, وندر ائتلاف القاف والجيم فلم يأت عنهم "قَجَّ" ولا "جَقَّ"، مثلا. وقد أتى عنا؛ مثل "جَقَّم" و"كَجْ" و"جَكْ" و"چَگْمَ" و"گَجْگَجْ" و"جَكْجَكْ"... إلى غير ذلك من عتاة الحروف.

ومن القواعد الصوتية لبنية الكلمة العربية أن لا يخلو الخماسي ولا الرباعي من أحد حروف الذلاقة الستة المجموعة في "مر بنفل" وإلا فليس فصيحا, وقد عده العلماء لذلك مُماتا. ومن الرباعي الذي خلا من حروف الذلاقة (تَخْطَعٌ) وهو اسم مُمات ذكره ابن منظور في الرباعي. وقد وردت عندنا كذلك ألفاظ كثيرة خالية من حروف الذلاقة من قبيل "تَگَيْگَ" و"أغَژْغَاژْ" و"أغْشُفَّكْتْ" و"أغَوْجْ" و"أغوْغَ" أي القطعة من الحدج, و"أغَيْسْ" و"صَوْكَ" و"جَوْجَ" وغيرها كثير.

وقد لا يشفع لهذه الألفاظ الحكمُ بكونها صنهاجية الأصل إذ هي في الواقع أضحت جزءا من كلِّ العامية؛ فهي لذلك في حكم المُمات أو المهجور لهذا السبب.

وقد اكتنفت ملاحمُ الشعراء الشعبيين من أمثال سدوم ول انجرتو (1710 \ 1812غ) ومدرسة أهل ماونو في نفس الحقبة أمثلةً حية ومخزونا هائلا غنيا بالألفاظ اللغوية الموغلة في الغرابة بالنسبة إلى الجيل الحاضرـ طبعا ـ   حتى لقد أنكر بعض النقاد المعاصرين أن تكون لهؤلاء الشعراء دراية تامة ـ أصلا ـ  بما يصدر عنهم من غريب الألفاظ وعويص اللغة بقصد الإثارة وهو رأي مردود يرجع ـ في رأيي ـ إلى جهل النقاد, لا إلى عبقرية الشعراء. فبعض هؤلاء النقاد ـ للأسف ـ يجهلون في الأصل حتى أسماء البحور التي ينسج على منوالها شعراء تلك الحقبة ملاحمهم الأسطورية من قبيل "الرَّسْمْ" و"الْوَاكْدِي" و"اسْرُوزِي" و"اتْگَسْرِي" إلى آخر اللائحة, فما بالك بذلك المد الجارف من الغريب والمعاني الشعبية التي تفوح بعبق الماضي. يقول الشاعر سدوم ول انجرتو في إحدى ملاحمه:                          

 *مِيرْ اعْرَبْ تنْزلاَّطْ * أُگَـيْ وراطْ*

*وانْيرْزگْ وانْتشْمَاطْ * باسْمَعْ  شَاعْ*

*انْبَطْ نَبْطتْ لنْبَـاطْ * گُوطْ  لَگْوَاطْ*

*سلسْلـتْ  تَانبَّـاط ْ* سرْ لُ  گَـاعْ*

*أحْمَـدْ دَيَّ گَمَّـاطْ * جِيـلْ لنْبَـاطْ*

*بالستْرَ بِيهُـمْ حَاطْ * مِيـْرلرْبَـاعْ*

*سَخِي مَـاهُ گنَّـاطْ * نَهْرْ  شَطَّـاطْ*

*للزَّهْوْأرْهَاطْ أرْهَاطْ * نَايْرْ  انْـوَاعْ*

واخْنَادِيدْ  التصْمَـاطْ * أُنَظُوخَـرْوَاطْ*

*وسَرْكٌـوحْ  أَهَيْهَاطْ *  نَاعْـمْ  ارْبَاعْ*

*عنْدُ كِيفْ أَكَيَــاطْ * فَلْــطْ لَفْلاَطْ*

 

ويقول الشاعر الخ ول ماون:

   

*أطْرَحْ بُبَكَّرْ البَلْغُـــوطْ
*وَأللِّ كَانْ  
أَڭْبَڷ مَخْطُوطْ
أڭْعَدْ بُبُكَرْ  الْقَرْنُــوطْ
*مَخَلَّ بُوهْ أَحْمَدْ طَـاوُوطْ
*كَدْ أَتْمَوْرِيطْ أَمَــارُوطْ
*كَلْبُ مَنْ رَبُّ  مَظْغُـوطْ
*زَنْدِيقْ إِلَى
ڭَبْظْ  أَشْرُوطْ
*تَجْرَتْ  سَفِينَه
مَلْڭــــُوطْ
*وَأَنْڭرْ مَنْهَ  صَمَطْمُـوطْ
*وَأَفْرَ
ڭ رِيظَه وَأمَخْطُوطْ
*أُكَابُوسَيْنْ أَجْدَدْ  مَشْمُوطْ
*وَأَرْكَبْ فَو
ڭْ أَمْ أمَنْجُوطْ
*بَخْطِيطْ أَحْمَرْ مَخْبُـوطْ
*وَأجْمِيعَتْ وَعَرْ  أَبَيْنُوطْ

 

ادْيَارْ أَهَـلْ أتْشَعْبِيـطْ*
خَطُّ 
ڭـَطَعْ  أغْرَاجيـطْ*
عَاڭَبْ ذَاكْ أَمْعَ أَصْرِيطْ*
أهُـــوَّ كَمَّلْ أتْمَوْرِيطْ*
مَا يَكْبَلْ فِيهْ إشِيـــطْ*
ذَاكْ أَبْلَدْ تَفْــــرِيطْ*
وَأللْحَڭ بَـلْ أتْشَرْمِيـطْ*
هُوَّ بَيْدِيـهْ أَلْڭِيـــــــــــطْ*
أُخَلَّ  أَفْلَيْدْ  أََخْبِيـــطْ*
بَلْ التَّبَرْ أَجْبَرْ  تَْرهِـيطْ*
بِيهَمْ  زَادْ أَتْشَرْمِيـــطْ*
مَا  تَڭْــدَرْ بَأتْشَيْشِيــطْ*
أتْدَكُّ  ڭَبَلْ أّشْحِيـــطْ*
مَا تَدْهَشْ  فَاتْشَعْبِيــطْ*

 

أما العامل الدلالي فهو عنصر فعال فيما يتصل بإماتة الألفاظ . ومن أهم مظاهره: زوال المعنى؛ فقد قضى الإسلام على الكثير من الكلمات العربية الدالة على نُظم جاهلية كالحُلوان (أجرة الكاهن) والمكس (الجباية) والصَّرورة ( التبتل وترك النكاح) والمرباع (الربع من الغنيمة) وغيرها, فماتت تلك الكلمات لأن الإسلام غيَّر من القيم الفكرية والإجتماعية التي كانت سائدة في الجاهلية, ولا مبرر لوجود الكلمة في اللغة عندما لا تقول للعقل شيئا كما يقال.

وفي المقابل فقد قضت المدنية في ربوع العامية على النظم البدائية القديمة أيضا من قبيل: "الغفْرْ" و"لغْرامَ" و"التَّدَارْبِيتْ" و ألعابِ "دمْرَاوْ" وَ"هِيبْ" و"قَاشْ"، وأسماء اللقطات من قبيل: "الْكَرْطَاطِيَّ" و"أُمْ اشْمَالَ" و"أبطَّانْ لگْفَ" وغيره كثير. فقد زالت دلالات هذه الألفاظ لأن المدنية غيرت من القيم الفكرية والإجتماعية التي كانت سائدة في مجتمعنا البدوي.

وهكذ تتخلص العامية أيضا من الألفاظ التي لم تعد كافية للتعبير عن المعنى الذي يناط بها, لأنها ضعفت أو بليت.

وعليه فليس من الموضوعي أن تَبقي العامية استثناء من هذه القواعد التي سيقت آنفا, بل يجب أخذها بعين الاعتباركلما ارتأينا أن نبعث الحياة من جديد في المُمات, أو ننعش المحتضر, أو نصالح المهجور من لهجتنا.

ثم إن درء المخاطر عن العامية لا يقتضي ـ حسب رأيي ـ الوقوف في وجه العوامل الخارجية بقدر ما يتطلب الاعتراف بالعوامل الداخلية التي جرَّت مجمل ثقافاتنا الشعبية إلى ما آلت إليه وليس أقلَّه ظاهرة طمس المعالم التاريخية  في البلد, فقد عرفت بلادنا في بدايات العهد الحديث قدرا كبيرا من التنكر للأسماء والمعالم المحلية التاريخية والتراث المحلي للسكان, وهكذا فالحصيلة النهائية لهذا الطمس هو بقاء عاصمة بلا أسماء رسمية إلا بالأرقام والحروف اللاتينية, فقد ظلت السيادة المطلقة في هذا المجال شأنا من شئون النخبة المعاصرة المنبهرة ببريق الحداثة والمفتونة بلغة الأجنبي, يطلقون ما يعن لهم من الأسماء دون أن يدركوا أنهم إنما يؤسسون لحقبة بغيضة من المسخ والتشويه ستطال مجمل الأعلام الوطنية التاريخية التي جثمت هذه المدينة الفتية على أنقاضها، ثم ليدب المسخ بعد ذلك في أوصال الفنون والثقافة والتراث الشعبي على ما نراه اليوم, وهو ما استكبرت عنه بلاد عربية كثيرة فلم يدب هذا المسخ القاتل إلى أحياء عدن أو حضرموت أو صنعاء وصولا إلى أحياء فاس والرباط و واد نون وغير ذلك.

وسأسوق معالم مدينة انواكشط وحدها كمثال على الطمس:                

ـ كَبِّتَالْ أو كبِّتانْ

ـ مَدِينَ 3

ـ مَدِينَ 4

ـ سِينْكِيمْ .

ـ سِيزِيمْ .

ـ مَدِينَ "رْ"

ـ مَدِينَ "ج"

ـ "إِلُو ألْ"

ـ "ابْلُوكْ مَانِفيلْ"

ـ "رِزِي دَانْصْ"

ـ "بي أمْ دي".

ـ "سُوسِيمْ"

ـ "بيكَا 7 إلى 14.

 

وهذه أيضا ضروب من أمثلة الطمس المجنون:

 

ـ اعراگِيـبْ لخْــوِيظَ : الْفَلُّـــوجَ

ـ ألْخَـشْــمْ : كُـوسُـو فُو

ـ الْخَـشْــمْ : قَنْـدْهَــارْ

ـ لحْمـَامِـيَّ : الْمَشْــرُوعْ

َـ إفرشيت أوْلاَدْ ادْلَيْـمْ: دَارِالسَّــلاَمْ

ـ علْبْ الْفُرْنَانْ : ابْلُوكْ مَا نِفيلْ

ـ أَيْـــرْوَارَ : بِــي أمْ دِي

ـ لخْشَيْـــمْ : سُــوسِيـمْ

ـ إگِرْجَانْ : ابْلُوكَاتْ الْحُمْرْ

ـ احْسَيْ لحْمَارْ: سِيــزِ يـمْ

ـ احْسَيْ النِّسْرْ : سيــنْكيـمْ

ـ ظَايْـتْ الْبــلْ : شَاتُودُوالْجَدِيَدة

ـ ظَايْتْ الْمصْرَانْ : دَارْ الْبَــرْكَ

ـ اعْگَيْلْتْ أمْ رُكْبَ : لَحْــــرَاثْ

ـ اگْرَارتْ بَـرْكَ : لاَسْ بَالْ مَاسْ

ـ طَرْفَايتْ  مَنْصُورْ: ابُّـــــورْ

ـ دَشْــرتْ الْمَتَاتْ : ترْجِيتْ فَكَانْصْ

ـ قريـــة آبَّيْزِيرْ: ربــاط البحر

ـ انْيـــبْــرشْ : سَانْتــرْ أمتيْرْ

ـ إبنْبِــــــي : تــنْ اسْوَيْلـمْ

ـ أَجُــــــوكْ : فدرَاسْيُونْ د اتْرَانْسْبُورْ

ـ فَــرْوتْ گَابُونْ : بيكَــــا 12

ـ انْخَيْـلْ ولْ سِيدِيَا : كَـرَفُورْ الْمَطَارْ

  فلو قدر للشاعر الشعبي المرحوم امحمد ول هدار أن يستيقظ من مرقده الأبدي لتفقد مراتع الصبا والأحبة في هذه الربوع، وهو القائل في بعض معالم منطقة انواكشوط :                                                          

*أزْعَمْ يَا عَگْلي گـدْ امْنَيْنْ * انْشُوفْ اعْگَيْلــتْ مَارِيَّ*

*يَطْـرَ شِ واللَّ  تُوجُنِيـنْ * مَا كَــانْ اگْبَلْ بَيْنْ أَيْدِيَّ؟*

*وازْعَمْ لَوْجادْ اعْگَيْلتْ زَادْ * أهْلْ الْحَاجْ امْعَاهُـم مِعَادْ*

*هَـاذَ مَـاهُ شِ يَ لَوْجَادْ * وِيلَ جَيْـتْ اللّحْمَامِــيَّ*

*أَزْعَمْ زَادْ إِعُـودْ التفْگَادْ * ذَاكْ الْكَــانْ إِحَـانِ  بِيَّ*

*وِيلَ عــادْ احْزِيمِ ينْزَادْ * لاَ جَوْلَيْـتْ إفرْشِيتْ  أولادْ*

*ادْليْمْ أ وَاجَـوْكْ  أللَّ عَادْ * مسبَّــبْ لحْـزيمْ  اعْلِيَّ*

*آنَ هَذَا السَّاحــلْ  لَوَّادْ * فِيــهْ أُرجْــلِ هَاذِ هِيَّ*

لو أتيحت له الأوبة إلى العاجلة لأصيب بالخيبة والذهول, ولاحتسَب أنه إنما استُدرج إلى كوكب آخر أو مجرة نائية شأنَ جميع شعرائنا المبدعين الذين قضوا بعد أن خلَّدوا هذا الأديم الطاهر وغسلوه بدموع المحبة والتعلق، فتنكر لهم وله: أحفادهم. وعزاؤنا في كل هذه الإخفاقات أن عاميتنا من بين أخريات فى الوطن العربي قد اكتسبت ثراءها اللفظي المباشر من معين لغة القرءان التي تكفل سبحانه وتعالى بحفظها, فجاءت رصينة راقية عالمة, وإلا لكان مصيرها ما آلت إليه الصنهاجية والآزيرية والمخطوطات التيفناقية .                                                     

حمى الله تراثنا ولغتنا العربية.

الملحق:

في هذا الملحق نقدم بعض النماذج من عديد البحور الشعبية التي نسج الشعراء الشعبيون على منوالها والتي شملها الطمس والهجران بالإضافة إلى تفسير بعض المصطلحات الواردة في النصوص الشعبية أعلاه دون أن نغفل  تلك الآصرة القوية بين الفصحى وأختها العامية. (لنْبَاطْ): بطن من بطون قبيلة إدوعيش . (گَوْطْ لگْوَاطْ): عظيم العظماء . وقُوطُ من أسماء العمالقة . والقوط في اللغة أيضا: المائة من الضأن , ومنه قول الراجز يذكر الراعي: خيال , والعلابط أي قطيع الغنم :                                                     

*ما راعني إلا خيـال هابطا * على البيوت قوطه العلابطا*

*ذاتُ فضول تلعط الملاعطا *  فيها ترى العُقَّر والعـوائطا*

(گَمَّاطْ): ذو قدرة على الأسْر . مشتق من القمط وهو شد الرجلين واليدين بالحبل , ويسمى ذلك الحبل: القِماط . والقميط: التام من كل شيء, ومنه قول أيمن بن خريم من المتقارب:                                                

*أقامت غزالة سوق الضرا * ب لأهل العراقين حولا قميطا*

(مَاهُ گَنَّاطْ): أي لا يقنط الناس من عطاياه . (نَهْرْ شَطَّاطْ) أي طويل عميق, والشَّطَاطُ في اللغة : الطول , وهو الجور أيضا . (اخْنَادِيدْ التِّصْمَاطْ) : النوق الثرة المرسلة , و(الْخَنْدُودْ) مشتق من خَنْضَرِفٍ كجَحْمَرِشٍ وهي المرأة اللحيمة الكبيرة الثديين , والمسمَّط في اللغة : المرسل الذي لا يرد . (نَظُو خَرْوَاطْ): النضو في اللغة: المهزول قال:                                             

*قام إلى النضو حثيثا فارتحل * واصْطبَّ من ماء السقاء فاغتسل*

*ويمم الموقف في سفح الجبل * بظُفُــر واف وشعـر  قد كمل*

و(الخرواط): اللجوج في السير, ومنه قوله:                           

*فظل يرْقَدُّ من النشاط * كالبربري لج في انخراط*

(للزَّهْوْ أرْهَاطْ أرْهَاطْ): أي تصانيف مختلفة من الألوان مثل الأهداب . والرِّهاط في اللغة: جلود تشقَّق سُيورا . قال:                              

*بضرب في القوانس ذي فروع * وطعن مثل تعطيط الرِّهَاطِ*

(أَسَرْكُوحْ أَهَيْهَاطْ): أي الطويل القوي من الإبل . مشتق من السرداح , والعرب تقول: السرداح، والسرداحة: الناقة الطويلة، وقيل: الكثيرة اللحم,

قال وقد ذكر الأسد:                                                           

وكأني في فحمة ابن حُمير *  في نقاب الأسامة السرداح*

و(أهَيْهَاطْ): الصوت الحاد الذي يصدره البعير، مشتق من الهِياطِ وهو الصياح والجلبة والصخب، ومنه الهياط والمياط.                               

وفي النص الثاني للشاعر الخ ول ماونو : (الْبَلْغُوطْ): مشتق من اللغط. (الْقَرْنُوطْ) المحارب القدير, مشتق من القرط وهو الصرع على القفا, قال:                                                                     

*تسلأ كــلُّ حــرة نِحيين  * وإنمــا سـلأتِ عكَّتين*

*ثم تقولين اشري لـي قرطين * قرَطك الله علـى العينين*

*عقــاربا ســودا وأرقمين * نسيت من دَيـن بني قُنين*

*ومن حسابٍ بينهم وبيني*

 (الگِراطْ) المال العيني خاصة. والقراط في اللغة: نصف الدانق. (القَرْمُوطْ) : الجميل الصافي اللون , والقرموط في اللغة الأحمر من شجر الغضا . (أَمَارُوطْ) من الرجال الصعلوك المحنك الذي دبغته الحوادث , والمأروط في اللغة: الأديم المدبوغ بالأرطى . ومرط فلانا إذا آذاه . (اصّْرِيطْ): الابتلاع. (الطَّاوُوطْ): الفحل القوي . والطَّاطُ والطوط في اللغة : الفحل المغتلم الهائج . ومنه قول جساس ابن قطيب في أرجوزته الطائية:                          

*وقُلُـصٍ مقْـوَرَّة الألْيَـاطِ  *  باتَتْ عَلَـى  ملحَّـبٍ أطَّاطِ*

*تنجو إذا قيل  لهـا: يعاطِ  *  فلـو تراهــنَّ بذي أرَاطِ*

*وهن أمثال السرى الأمراطِ *  يلحن من ذي دأَبٍ  شِرْوَاطِ*

 والطَّاط أيضا من أسماء الحيات ومنه قوله :                             

*ما إن يزال لها شأوٌ يقوِّمها * مقوَّمٌ مثل طوط الماء مجدولُ*

(الشَّرْوَاطْ): الجوَّاب الذي يشق المسافات, والطويل من الابل والرجال, وفي اللغة الشِّرواط كسِرداح: السريع من الإبل, ومنه قوله:                  

 *يُلِحْن من ذي زجلٍ شِرْواطِ *  محتجِزٍ بخَلِق شِمطاط*

      *صاتِ الحِداء شظِفٍ مِخلاط*

(شطَّاطْ) الشِّطاط: جانبا النهر. (الصَّمَطْمُوطْ): مُصمْرط الرأس أي مفلطح الرأس . (أُمْ أمَنْجُوطْ): مُمَجَّط الخلق: مسترخيه . كما في التكملة والعباب . (شَيْشَاطْ) : مجاز من الشَّيط وهو الهلاك والإيلام ونحوه , وقرأ الحسن البصري وسعيد ابن جُبير (شاذاًّ): ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ الشعراء \ 210 \ .                           

أما بحور الشعر الشعبي المهجورة فهي كثيرة ومنها : 

- الرَّسْمْ: ومن شواهده:

*مِيرْ اعْرَبْ تنْزلاَّطْ  * أُگَـيْ وِرَاطْ*

*وانْيرْزگْ وانْتشْمَاطْ *  باسّْمَعْ  شاعْ*

*انْبَطْ نَبْطتْ لَنْبَـاطْ  * گُوطْ  لَگْوَاطْ*

*سلسْلـتْ  تَانبَّـاط ْ *  سرّْ لُ  گَـاعْ*

- الْوَاكْدِي: ومن شواهده:                                            

*يَا رَبِّ محْتَاجْ لَكْ وانْتَ سلْطَانْ *  واعْبَيْدَكْ ضَعِيفْ منْ ضَعِيفْ أَوْخَرْ*

*يَا رَبِّ ذَلَّيْتْ منّـَكْ درْتْ الْمَانْ *  منْ طُولْ الْخـذْلاَنْ  أُطَمْصْ لبْصَرْ*

*يَا رَبِّ يَا الْمَالكْ شَبِيـهْ أُلاَ كَانْ *  أُلاَ لَكْ ثَانِ يَفْعَلْ امْعَاكْ شِ افْلخْبَـرْ*

*أغْفَرْ ذَنْبِ عنِّـي يَوْمْ الْحشْرَانْ *  واعْفي عَنِّي كَـانْ خَشَّيْـت فالمقبرْ*

*واغْفَرْ ذَنْبْ اخْيَارْ  حلتْنَ عثمانْ *  اللِّي فالْغُفْرَانْ يحْظِيــه امْدَبَّــرْ*

- الْمزَّارِكْ :

*عَنْدْ أتَيْنَــاكْ   رَيْتْ اللِّي  حَاكْ*

*امْـرَ  مَجْعُولْ   اعْلِيــهَ  هَوْلْ*

*تَمْدَغْ مسْـوَاكْ   واتسوَّكْ هـاكْ*

*تَظْحكْ  واتْگُولْ   رَظْعُ لعْجُـولْ*

 ومن شواهده القديمة :                                                  

*باتْ العيَّارْ امْقِيـمْ إشَيْرِي  *  حَنَاهْ لمْشَلِّي يَا  مَايْشَالِـي*

*شَوْفْ ابْلخْرَزْ, وامّْ اجّْلالْ  * والطَّرْح, واعْلاَبْ أكْشلِّ*

*مَا كنْتْ الْشَوْفتْهُمْ  نَـدْرِي  *  والطلْبَ فِيهُمْ  يَالــلاَّلِ*

*مَرْمَدْنَاهُمْ , والْبلْ  تـلْگي  *  يَا لَطِيفًا  بِالْعِبَــــادِ *

- اسّْروزي: ومن شواهده :

*وجَّهْــتْ سَيِّدْنَ عثْمَانْ *  ابْنُ  عَفَّــانْ*

*حَمْــزَ وَرَّادْ السَّرْحَانْ *   اعْلَ اهْلْ الثَّارْ*

*أُوَجَّهْتْ  الزُّبَيْـرْ الْفَنَّانْ *  اغْلِيـظْ الشَّانْ*

*وأبُو بَكَّرْ  صدْقْ لِمَـانْ *  شَــوْرُ ينْدَارْ*

*أعْمَرْ ظَرْ أهْلْ الْعصْيَانْ *  إِعُــودْ ازَّانْ*

*گَحْدَرْ فالظِّيگْ الْفرْسَانْ *  امْــنْ الْكُفَّارْ*

- الرَّقَّـاسْ: ومن أمثلته:

گْوَانِيــنْ  ذُوكْ ادّْعجْ *  متْرَدّْمَاتْ فاسّْرايرْ*

*رِيحْتْ أَمَنْجْ منْ كِينْ بَجْ * أُتَغْمُلَّلْتْ  لگْـرَايرْ*

- انْگَـادِسْ: ومن أمثلته:

 

*حَيْحَاتْ منْ لَبَّ فَيَّـامْ آرْوَافَ  * كتْلتْ نَجْلْ ادْلَيْمْ واتْعَـافَ*

*وأحْيَ منْ عثْمَانْ اعْنَادْ اذرَافَ *  واهْدَالْـهَ تَرُّوزْ  باكْسَاوِي*

*واتْوَاصَاتْ اعْلَ جَرْ لخْـَرافَ  * شَوْرْ الْفَحْفَاحْ ادُّورْ اتّْكَاوِي*

- موْمايتْ بُعمْرَانْ :

*رسْلْتْ ارْجلْ خيْلْ  امْبرزگْ * لارْجْ الْكيفْ اصْباحْ الرزْگْ*

*ما اتْغيْظْ أهْلْ أُهُــوَّ رزْگْ * اطّْماميــعْ  الْهوْهَـــايَ*

*منْعْ  الْحــلَّ فانْوينْــزگْ  أُيـوْمْ * تيشيـتْ الْحفَّــايَ*

*رسْلْتْ ارْجلْ صهْدتْ گرْصَ * لارْجُ عـــادتْ لِ قـصَّ*

*جيْشْ گرْصَ  وكْتـنْ رصَّ * گيمْ  مطْبُــوعْ  الحفَّــايَ*

*أُلَيْنْ ابْلعْصَ مـنْ يعْــصَ * أُگامْ بيـهَ مُـولْ اظْــرايَ*

- مَوْمَايتْ لبَّيْرْ :

*أَصَلْ أهْرَبْ ذَ اللِّي مَا أنْرُومْ
*وَأهْرُوبُ مَاهُ مَنْ الْيُـــومْ
*شَارَبْ مَذْكُورْ أمَنْ  آبْـرُومْ
*مَاذَ دُونْ أَللِّـي رَايْــــمُ
*أمْسَارَبْ لَحْـدَبْ وَآيْـــمُ

 

غِيرُ، أُلاَ نَسْمَعْ فِيهْ لَـوْمْ*
لُ نَوْبَ عَنِّي  هَــارَبْ*
وَآنَ مَنْ تَشْلَ شَــارَبْ*
دَلاَّلِي مَنْ لَمْسَـــارَبْ*
وَأمْسَارَبْ بِيرْ اْلڭَــــارَبْ*

 

- اتْگَسْرِي : ومن أنواع ضروبه الثلاثة :

*مزْينْ نَجْعْ لعْرَبْ عگْبْ اللَّيْلْ سَارْ *  باتْ بالْمالْ رَجْـرَاجْ وآمْرَاكَ ازْوارْ*

*سَابگَينْ فيهْ ابْلَزّْ جَدْعَــاتْ لَمْهَارْ * وامْشَانْگْ الشَّمْسْ فَاشْعَاشِيعْهَ واظْوَاهَ*

*إظلْ يلْگَطْ فَاْنوَاعْ بُهْــمْ  اصّْحَارْ * وِيلاَ انْزلْ فالرَّيْظَ يتْحَــاوْصْ امْهَاهَ*

 

 

- تگادْرينْ اسغيِّر: ومن أمثلته:

*يا الرَّب اللِّي گدْ گَدُّ * مَاهُ گدّْ الْگَـادْرِينْ*

*سنَّدْ فِيكْ اللِّي ابْسنْدُ * واهْدمْ عَنَّ الْغَاْدِرينْ*

*تِگَادْرينْ لبَّيْرْ الْقَدِيمْ: ومن أمثلته:                                                      

*عَرْبْ الْبلْ بِيهَ لاَ اتْقِيسْ  *  لاَ صَبْحـتَ مژَّرُوطَ*

*آسمِّيكْ امْنْ أمّْ ادّْرُوصْ  *  تُوردْ بِيهْ اعْيُونْ  لگْطَ*

- لمْسَگَّمْ : وَمِنْ أمْثِلَتِهِ الْقَدِيمَة :

 *لبْلاَكْ بالْحَلْفَ غَلَّـظْ لُــو  افْتِــيلَكْ * والْغلْظْ للَّ  والْعَبْدْ ألاَّ  امْثِيلَكْ*

*يَا اللِّي اتْشُوفْ اعْشَاكْ منْ وجْهْ امْگِيلَكْ *  عَيَّاطْ لحْصِيــدْ ألاَّ  اهْجَـانَ*

  *وأخَيْرْ منْ لِيلْ النَّاسْ اتْگَـــوَّمْ  لِيلَكْ  * گَوّْمْ اتْمَــارگْ رَاصْ اسْفَـانَ*

ومن ضروبه الأحدث في الإنشاد المديحي:

*النَّبِي لعْدُ ليَّانْـهَ  * تَوْ امْنَيْنْ النَّارْ اتْسَدِّ*

*دُونْ الْخَلْقْ ابِّبَ انْهَ * إيجِ هُوَّ نُورُ يگْـدِي*

- المصَّارعْ: ومن أمثلته: 

*الْبَارحْ يَا لَعْـلَ *  بتْ انْدَاوِي دَاءِ*

*سَابگْ لعْشَ رَاهُ  * وَمَنْ نَامَ قَبْــلَ*

*صَلاَةِ الْعِشَـاءِ  * لاَ نَامَتْ عيْنَـاهُ*

- العطْش: ومن أمثلتها:

*تعْلاَمْ لبْتُوتَ منْ شَانْ لمْغَنِّ *  وأخَيْرْ يتْعَلَّمْ وإجَنْبْ النَّفْشَ*

*وإعُودْ مسْتَفْتِ وإعُودْ متْأنِّ *  أبَّاشْ لمْغنِّ يتْعلْمْ الْعطْـشَ*

 - المشگَِّگْ :ِومن شواهده :

*لاَ گسْتْ  إدَيْشلِّي * عنَّكْ گَيَّلْ فَـمْ*

*واسَّدْبَالِ با للِّـي *  گَالتْ لَكْ  مَرْيَمْ*

- المُشَكَّلْ: ومن أمثلته:

*يا اللِّي طُولْ اغْنَاكْ * اتْعَالَ*

*نحْــنَ  نَادَيْنَـاكْ * اتْعَالَ*

فأجابه:

*مَشْيَــكْ  تَلْ ابْعِيدْ *  اجَّالَ*

*لمْعَــانَ  يَا احْمَيْدْ *  اجَّالَ*

والبحور الشعبية المهجورة أو المماتة من الكثرة بحيث يصعب حصرها وليست هذه إلا نماذج قليلة للعلم والاستئناس.                                        

حمى الله تراثنا ولغتنا العربية.