نحو معجم لساني حاسوبي عربي: قراءة في المنهج والإجراء

جمعة, 03/08/2019 - 10:41
د.سعيد فاهم،             
أستاذ باحث بمركز البحث العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية

مقدمة:

إن اللغة والحاسوب أصبحا في عصرنا الحالي صنوين لا يفترقان؛ إذ أصبحت الدراسات اللغوية المعاصرة تعتمد اعتمادًا مباشرا على الحاسوب وبرامجه المتطورة، ومن هذا المنطلق لعبت الفروع المختلفة للسانيات النظرية منها والتطبيقية، دورًا أساسيًافي فهم اللغات وتطويرها لأهداف مختلفة، ولعل فرع اللسانيات الحاسوبية أحدث فروع اللسانيات ذلك أن اللغة تقع في قمة الموضوعات التي تهتم بها العلوم الإنسانية، والحاسوب هو ذروة التقنيات الحديثة، أتى ليلعب دورًا مهمًا في عصر أصبحت فيه التكنولوجيا السمة الأبرز في حياتنا الاتصالية والمعرفية، لذا كان من الضروري أن تلتقي اللغة بالحاسوب، فاللغة تنمو بنمو مصطلحاتها، والمصطلح هو الوسيلة التي تعبر عن المفاهيم والدلالات المختلفة في مستوياتها الأربعة: ( الصوتية والصرفية، والنحوية والدلالية) وتطوّر أي لغة من لغات العالم وسعة انتشارها مرهون بتطوّر مصطلحاتها ومدى شيوعها على ألسنة الناس؛ لأن المصطلح يُعدّ البذرة الأولى التي تقوم عليها العلوم والمعارف المختلفة.

ونظرًا لأهمية علم المصطلح فقد أخذت الدراسات اللغوية المعاصرة تتجه في معظم مباحثها لدراسة هذا العلم – وبالأخص المصطلح اللساني الحاسوبي- وتعنى بمطالبه عناية شديدة فتطورت مباحثه في العالم الغربي، فأخذت بعض الدول على عاتقها إنشاء بنوك لمصطلحاتها قصد الحفاظ عليها.1

لكن قبل الولوج في صلب موضوعنا يجدر بنا أن نسلط الضوء على نشأة الاتجاه الحاسوبي في دراسة علوم اللغة العربية، والملابسات التي أسهمت في تكوينه سواءً أكانت جهودًا فردية أم جهودًا مؤسساتية علمية رسمية.

اللسانيات الحاسوبية النشأة والتطور

لقد تم اختراع جهاز الحاسوب – حسب ما تنص عليه المصادر- في أواخر النصف الأول من القرن المنصرم، وتحديدا عام 1948م. ومنذ ذلك التاريخ أصبح الحاسوب متاحًا للإفادة منه في جميع مجالات الحياة ومختلف العلوم، والمعارف الإنسانية. أمّا بداية توظيف الحاسوب في دراسة اللغة على الصعيد العالمي، فمن الصعب التأريخ له؛ لأنه لم يحدث دفعة واحدة؛ بل تم وفق مجهودات أغلبها فردية وعبر مراحل مختلفة وكذا في دول متعددة.2 إلا أن البحث اللساني الحاسوبي اتخذ شكله الرسمي الأكاديمي في عام 1954م في جامعة جورج تاون، وقد اتخذ العمل في بداياته طابع الترجمة الآلية من اللغات الأخرى إلى اللغة الإنكليزية، ثم أخذت معالم هذا العلم تتبلور وتتشكل، ودعائمه تترسخ بعقد الملتقيات والندوات وإصدار المجلات.3

وهذا يعني أن بداية الخمسينات من القرن المنصرم شهدت ولادة المعالجة الآلية للغات البشرية وهذا طبعًا عند الغربيين. أمّا بالنسبة للعلوم النظرية عند العرب في العصر الحاضر، فقد كانت العلوم الشرعية من أسبق العلوم الإنسانية استخدامًا لتقنية الحاسبات الإلكترونية، ونظم المعلومات حيث شرع العمل بها والإفادة منها في السبعينات من القرن الماضي، وظلت علوم اللغة العربية في منأى عن الانتفاع بها ردحًا من الزمن، حتى قيّض الله لها من عمّم فائدة استخدام الحاسوب على العلوم العربية. وتبدأ قصة الاتصال العلمي بين الحاسوب والبحث اللغوي العربي عند لقاء الطبيب محمد كامل حسين مع الدكتور إبراهيم أنيس؛ حيث اقترح عليه إمكانية الاستفادة من الحاسوب في البحوث اللغوية، فلقيت هذه الفكرة قبولاً واستحسانا؛ لأنها كانت تداعب خاطره منذ أن سمع بإنجازات الحاسوب في شتى العلوم. ومن ثم انتهز فرصة زيارته لجامعة الكويت سنة 1971م للعمل بها أستاذًا زائرًا وهناك التقى بالدكتور علي حلمي موسى، أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة الكويت، وطرح عليه فكرة الاستعانة بالحاسوب في إحصاءات الحروف الأصلية لمواد اللغة العربية ابتغاء الوقوف على نسج الكلمة العربية. وقد رحّب بهذه الفكرة واستحسنها، وبدأ بالتخطيط لها وتنفيذها في النصف الأول من عام 1971م، وكان من ثمرة ذلك صدور الدراسة الإحصائية للجذور الثلاثية وغير الثلاثية لمعجم الصحاح للجوهري. أمّا خطوات العمل في هذا الإحصاء فتوزعت على ثلاث مراحل الأولى: إدخال المواد اللغوية في ذاكرة الكمبيوتر، والثانية: وضع برامج له بإحدى لغات الكمبيوتر والثالثة: التنفيذ الفعلي لهذا البرنامج. وجاءت نتائج هذه الدراسة في صورة جداول إحصائية لجذور اللغة وحروفها، وتتابع أصواتها وخصائص حروفها، مقرونة بدراسة تحليلية موجزة عن التفسير اللغوي لما ورد في تلك الجداول، وتلقى الباحثون هذا العمل العلمي بقبول حسن وأوّل مرّة تمّ تعاون الفيزيائيين واللغويين حول إحصاء كلمات اللغة العربية.4 وليس من باب المبالغة في شيء أن نقول إن هذا التوجّه في الفكر العربي المعاصر قد فتح باباً واسعاً للباحثين في الدراسات اللغوية للولوج من خلاله إلى عالم الحاسوب، وتسخيره لخدمة الدرس اللغوي. وهكذا كان حقل الإحصاء اللغوي هو الميدان الأول لتطبيق اللسانيات الحاسوبية على اللغة العربية، وهذه هي الإرهاصات الأولى لظهور فرع جديد من فروع علم اللغة، يطلق عليه أغلب الباحثين اللسانيات الحاسوبية.

تلك لمحة مقتضبة عن نشأة اللسانيات الحاسوبية عند الغربيين، وكذا العرب، لكن السؤال المطروح: ما هي مكوناتها وأهدافها؟ ولكي نجيب عن هذا التساؤل كان لزاماً علينا أن نحدد ما يلي:

- استكناه اللسانيات الحاسوبية، من ناحية المحتوى والماهية والأهداف المتوخاة؛- قراءة في المصطلح وترجماته.

- اللسانيات الحاسوبية الماهية والمحتوى والأهداف

للسانيات الحاسوبية مكونان متكاملان، لا يستقل أحدهما عن الآخر والمكونان هما:

- المكوّن النظري: ويُعْنَى ب« قضايا في اللسانيات النظرية، تتناول النظريات الصورية للمعرفة اللغوية التي يحتاج إليها الإنسان لتوليد اللغة وفهمها»5 كما يُعنى بالبحث عن كيفية عمل الدماغ الإلكتروني لحل المشكلات اللغوية كالترجمة الآلية من لغة إلى لغة أخرى.6

- المكون التطبيقي: ويهتم « بالناتج العملي لنمذجة الاستعمال الإنساني للغة، وهو يهدف إلى إنتاج برامج ذات معرفة باللغة الإنسانية، وهذه البرامج مما تشتد الحاجة إليه لتحسين التفاعل بين الإنسان والآلة؛ إذ إن العقبة الأساسية في طريق هذا التفاعل بين الإنسان والحاسوب إنّما هي عقبة التواصل»7

فالمكوّن النظري يختص بمعرفة كيفية عمل الدماغ الإلكتروني، والمكون التطبيقي يختص بتسخير ذلك العقل لحل القضايا والمشكلات اللغوية، ممّا يعني ضرورة الالتقاء بين اللغويين والحاسوبيين، والتعاون فيما بينهم، للخروج بنتائج تسهم في تذليل العقبات، وحل المشكلات التي تواجه التحليل الحاسوبي للغة الطبيعية، فاللسانيات الحاسوبية بمكونيها – النظري والتطبيقي- تقوم على تصوّر نظري يتخيل الحاسوب عقلا بشريا، محاولة استكناه العمليات العقلية التي يقوم بها العقل البشري لإنتاج اللغة وفهمها وإدراكها، إلا أنها تستدرك على الحاسوب أنه جهاز أصم لا يعمل إلا حسب البرنامج الذي صممه له الإنسان لذا ينبغي توصيف المواد اللغوية له توصيفا دقيقا بحيث تستنفذ كافة الإشكالات التي يستطيع الإنسان إدراكها.8

إذًا، فالغاية التي ينشدها الحاسوبي من توصيف اللغات الطبيعية للحاسوب الوصول به إلى مرتبة الكفاية اللغوية كالتي يملكها الإنسان حتى يصبح قادراً على فهم اللغة، وإنتاجها، وتحليلها. ومعالجة اللغة الطبيعية آلياً لا يقتصر على جهود اللسانيين فحسب، وإنما بتضافر جهود علماء البرمجيات، والذكاء الاصطناعي وغيرهم.

إن مصطلح اللسانيات الحاسوبية من التخصصات الحديثة والأجنبية المنشأ. تتعدد المصطلحات الدالة عليها، والتي عكف الباحثون على استخدامها سواءً أكان ذلك في المراجع الأجنبية أم العربية، ممّا يسبب مشكلا في توظيف المصطلح وترجمته إلى اللغة العربية. كما سبق وأن أومأنا إلى أن اللسانيات الحاسوبية تتكون من اللسانيات والعلوم المنطقية الرياضية؛ أي المعالجة الآلية للمعلومة، وعند العرب يحيل هذا المصطلح – اللسانيات الحاسوبية- عادة إلى المجال الذي ترتبط فيه اللسانيات بعلوم الحاسوب، وهذا ما ذهب إليه أحد الباحثين المحدثين قائلا: « يلتقي فيه الجانب النظري اللساني بكل خلفياته المعرفية والمنهجية، والجانب التقني المعلومياتي بكل تطوراته ليصوغ ما أصطلح عليه بالهندسة اللسانية أو تكنولوجيا اللسان»9

ونستشف من هذا القول، إن هناك مصطلحين مرادفين للسانيات الحاسوبية ألا وهما: الهندسة اللسانية وتكنولوجيا اللسان، كما نلحظ أن الباحث قد أعطى للسانيات الحاسوبية طابعًا تقنيًا شديد الارتباط بالآلة وتؤكد ذلك طريقة صياغة هذا المصطلح – اللسانيات الحاسوبية- فقد « تمّ وصفه ب « الحاسوبية» التي تشير إلى نسبته وتعلقه بالحاسوب، وهي الآلة التي تتجلى فيها معالجة المعلومات بطريقة آلية»10

وينحو عبد الرحمن الحاج صالح هذا المنحى في دلالة مصطلح اللسانيات الحاسوبية على الحقل الذي تمتزج فيه اللسانيات بالمعلوميات؛ حيث يقول: « إن الدراسات والبحوث العلمية في اللسانيات الرتابية( الحاسوبية) ازدهرت في الوطن العربي في هذه الآونة، وتكاثر إلى حدّ ما الباحثون في هذا الميدان الذي تتلاقى فيه علوم الحاسوب وعلوم اللسان، وهو ميدان علمي وتطبيقي واسع جدًا كما هو معروف؛ إذ يشمل التطبيقات الكثيرة، كالترجمة الآلية، والإصلاح الآلي للأخطاء المطبعية وتعليم اللغات بالحاسوب»11

غير أن هذه التطبيقات الحاسوبية الكثيرة التي تعالج اللغة العربية ليس من السهل أن تُلمَ في أصول واحدةٍ، وأسسها الإبستيمولوجية غير واضحة، ومن ثم لم توضع لها المقدمات التعليمية التي تسهّل على القارئ العربي المتعلم أو الباحث أن يستفيد منها. فعلى الرغم من ذلك يفهم مما تقدم أن اللسانيات الحاسوبية هي مجال تتداخل فيه التصورات اللسانية والحاسوبية، وتتلاقح لتشكل نظريات تعمل على معالجة الوقائع اللغوية وفق منهج حاسوبي لتتمخض عن ذلك تطبيقات متعددة تشمل تلك الوقائع اللغوية لكن في إطارها الآلي. ومن ثمّ وإن كانت اللسانيات علمًا متجذرًا في الفكر الإنساني غير أن ارتباطها بالحاسوب هو من اختراع القرن العشرين عصر ثورة المعلومات.

ويرجع السبب في ذلك الارتباط كما يرى سمير شريف إستيتية إلى كون الحواسيب تمثل أوج ما بلغه التقدم التكنولوجي، وأهم ما تحتاج إليه الحياة المعاصرة؛ لأنها تساعد على حل كثير من مشكلاتها المعقدة، ويتم ذلك بالتواصل مع الحواسيب عبر لغة خاصة استفاد الباحثون من دراسة اللغات الإنسانية في تطويرها، واللسانيات الحاسوبية ناشئ من هذا التواصل مع الحواسيب، ويخدم الأهداف المتعلقة به والتي تنحصر في حل المشكلات المعقدة التي تتصل بحوسبة اللغة.12

وممّا سبق تجدر الإشارة إلى أن أغلب الباحثين العرب قد ترجموا هذا المصطلح من المصطلح الإنكليزيcomputational linguistics إلى ذلك المجال الذي يتفرع من اللسانيات، وعلوم الحاسوب وتشتمل التفاعلات بين اللغة الإنسانية والحواسيب، وهو يتضمن تحليل النص المكتوب والخطاب الشفوي ترجمة نص أو منطوق من لغة لأخرى استعمال اللغات الإنسانية ( لا الحاسوبية) للتواصل بين الحواسيب ومستخدميها، كما أنه يتضمن نمذجةالنظريات اللسانية واختبارها.13

وقد وظّفهُ بعض الباحثين مرادفًا للمعالجة الآلية للغة الطبيعية؛ إذ إن أَبْرز مهمة للسانيات الحاسوبية هو إنشاء برامج حاسوبية من أجل معالجة الكلمات والنصوص في اللغة الطبيعية، وهذه المهمة تتلاقى مع مهمة مجال المعالجة الآلية للغة الطبيعية، غير أنه لا يخفى بأن عملية إنشاء البرامج الحاسوبية المعدة لمعالجة الكلمات والنصوص خاصة في الأبحاث الأولى، لم تكن تعتمد في أغلب الأحيان على ما تقدمه اللسانيات من معلومات حول الوقائع اللغوية، « لكن الظاهر أن منحى اللسانيات الحاسوبية هو لساني أكثر منه حاسوبي بمعنى أن الباحثين فيها يهتمون بالوصف الصوري للغة بدلاً من اهتمامهم بالمشاكل الخوارزمية التي يمكن أن تصادف عند القيام بعملية الصورنة»14

ومن جهة أخرى، فإن المصطلح الفرنسي المستعمل للدلالة على ذلك المجال الذي تتداخل فيه علوم اللغة، وعلوم الحاسوب هو linguistique informatique ويمكن أن نجد له مقابلا في العربية وهو اللسانية المعلومية؛ لأن المصطلح العربي المعلوميات يقابل المصطلح الفرنسي informatique ولا نقول المعلوماتية كما يفضل البعض؛ لأنه خطأ شائع يخالف القياس. لقد بيّن راستيي Rastier « أن الارتباط بين علوم اللغة وعلوم الحاسوب له طرائق ثلاث: الطريقة الأولى: يكون فيها التحليل اللساني أولوية بالنسبة للمعالجة المعلومية أو الحاسوبية، ويسمح هذا النوع بتحليل أولي للمدونة corpus، وفقًا للمهمة المزمع تحقيقها من الحاسوب. أمّا الطريقة الثانية: فيوجّه فيها التحليل اللساني التحليل المعلومي في إطار إستراتيجية استعمال البرامج الحاسوبية. وفي الطريقة الثالثة: تضطلع اللسانيات بتأويل نتائج المعالجة في أفضل الأحوال، تتدخل اللسانيات قبل التشغيل الحاسوبي أو المعلومي وأثناءه وبعده».15 ونلحظ أن هذا المفهوم المدروس – اللسانيات الحاسوبية- تعددت المصطلحات حوله، لكن أغلبها تقارب هذا المصطلح فالاختلاف راجع إلى الترجمة أو في تعريب هذه المصطلحات، وكذا راجع إلى تجاربهم ومشاربهم العلمية المختلفة، وإن كان الجميع متفقون على أن هذا العلم يربط الجانب اللساني بالجانب الحاسوبي، ولا مشاحة في الاصطلاح.

فعلى الرغم من الأهمية التي يكتسيها توثيق مصطلحات اللسانيات الحاسوبية وضبطها يظل العالم العربي بعيدا كل البعد عن هذا الإنجاز بسبب غياب الرؤية الاستشرافية، وكذا الدراية بالمستجدات المعرفية المتعلقة به.16إلا أن هناك بعض الدراسات السابقة التي قاربت الدراسة التي نحن بصدد إنجازها ألا وهو قاموس وظيفي في اللسانيات الحاسوبية ثلاثي اللغة، ومن بين هذه المشاريع نذكر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب " دليل الباحث إلى اللسانيات الحاسوبية" لوليد العناتي، و" معجم الحاسبات" وهو معجم متخصص أنجزه مجمع اللغة العربية بالقاهرة وكتاب نبيل علي، " الحاسوب والنحو العربي" وكتاب " المعجم التركيبي للغة العربية – مقدمات في المعالجة الحاسوبية للغات الطبيعية-" لمحمد الحناش، إلى جانب أعمال نهاد الموسى، الأخضر غزال مازن الوعر، وعبد الرحمن حاج صالح وغيرهم.

ولا يسعنا المقام هنا لسرد كل من أسهم في بناء صرح هذا العلم، إلا أننا استأنسنا بالمشهورين في هذا المضمار. والشيء اللافت للانتباه أن أغلب هذه الدراسات أطاريح جامعية، ومشاريع بحث أنجزت من قبل هيئات ومؤسسات علمية أكاديمية تدور في فلك التعريف بالعلم – اللسانيات الحاسوبية- وامتازت بالاختصار، أما المداخل المخصصة لبعض المصطلحات فاتسمت بعدم وفائها للمطلوب وعدم قدرتها على استيعاب هذا الكم المعرفي الهائل، لذا ظهرت الحاجة لإنجاز قاموس وظيفي في اللسانيات الحاسوبية ثلاثي اللغة ليسد حاجات الباحثين في هذا المجال.

لقد دأب كثير من الباحثين العرب المحدثين ارتياد مظان الفكر اللساني الغربي، والإفادة من حصائل ثمراته، لكن بغض النظر عن ذلك كان لزامًا علينا لتجاوز هذه النمطية العمياء والدونية القاتلة، النظر في الأسس التي تواصفها الغربيون أنفسهم لتحديد بنية القاموس اللساني الحاسوبي قبل المصير إلى بيان ما رصده الباحثون العرب لهذا المتصوّر اللساني فلعل ذلك أبين لما أنهجه هؤلاء، وهم يؤصلون مصطلح اللسانيات الحاسوبية، ويقوّمونه، ويضعون مداخله، ويبوبونه. لن نجانب الصواب، إن قلنا بغياب رؤية واضحة وشاملة في التعامل مع المصطلح اللساني عامة والمصطلح الحاسوبي خاصة، وتزداد الصعوبة عندما يواجه المعجمي المصطلح العلمي؛ لأن تعريفه على الوجه المطلوب، يتطلب الدراية بمجاله المخصوص، وبالمستجدات المعرفية المتعلقة به، مما يستدعي الولوج في غمار المصادر العلمية، لتقديم تعريف علمي دقيق للمصطلح المعني.

- دواعي وضع معجم لساني حاسوبي عربي

- الحاجة الماسة إلى وجود معجم دقيق لا يكتفي بوضع المقابل العربي للمصطلح الأجنبي فحسب بل يورد أيضًا تعريفًا لهذا المصطلح يسد حاجة القارئ إلى إدراك دلالته.

- التزايد السريع في عدد المصطلحات العلمية عمومًا، والحاسوبية خصوصًا.

- تعاظم أثر المعلوميات في حياتنا مع قدوم عصر المعلومات والاقتصاد المبني على المعرفة.

- إن صناعة المعاجم العربية سواء أكان داخل الوطن العربي أم خارجه تتطور باستمرار، وقد حققت منجزات مهمة بفضل كبار المعجميين واللغويين، لكن الشيء الملحوظ يغلب على إعدادها التسرّع والطابع التجاري أكثر من التأني المنهجي، والتجويد العلمي خاصة في الوافد اللساني الحديث – اللسانيات الحاسوبية- لهذا قر عزمنا على إنجاز قاموس وظيفي يحوي مصطلحات الحاسوب ويُعنى بضبطها ووضعها في سياقها العلمي الدقيق.

- الأهداف المنشودة من المشروع ووسائله

- توفير قاموس لساني حاسوبي لم يسبق إنجازه يستعين به المتخصصون في اللسانيات الحاسوبية.

- فتح موقع في الإنترنيت خاص بمصطلحات اللسانيات الحاسوبية ليكون مرجعًا هامًا في هذا العلم.

- إثراء المجال المصطلحي اللساني الحاسوبي.

- إن هذا العمل يعد تجربة رائدة في هذا المضمار – مجال اللسانيات الحاسوبية- إذ يُلبي احتياجات الباحثين في هذا المجال، ولاسيما بعد إدخال بعض الجامعات هذا التخصص أو بالأحرى هذا المقياس ودراسته على مستويي الليسانس والماستر، لذا نطمح أن يسد هذا المعجم الفراغ الذي يعاني منه هذا التخصص الجديد، ويعتمد كمرجع أساس في حل المشاكل المتعلقة في هذا المجال. وكذا اعتماده كأرضية معرفية تأسيسية لدراسات أخرى قائمة على الخوض في غمار الدرس الحاسوبي الحديث وفك مغاليقه.

- تجديد العمل فيه دوريًا، ليبقى مواكبًا لما يطرأ من مصطلحات جديدة في هذا العلم أمّا وسائله فتتمثل في:

- الاستئناس بعدد غير يسير من معاجم مصطلحات المعلوميات ( العربية، الإنكليزية، الفرنسية)

- توفير مجموعة من الباحثين المتخصصين على إنجازه مارس معظمه المعلوميات، وخبروا المصطلح باستعماله.

- الاستعانة بخبراء في مجال اللسانيات العربية والحاسوبية، وعلم الترجمة، وكذا عقد شراكة وتعاون مع خبراء تقنيين في مجال صناعة القواميس لشرح منهجية البحث والعمل والإخراج.

- الاستعانة بمدقق ومصحح لغوي يتقن اللغات الثلاث.

- تكوينات بالخارج في مجال الصناعة المعجمية إلى جانب الوسائل اللوجيستية كآلات السحب والطباعة والوثائق والتجهيزات.

منهجية إعداد معجم لساني حاسوبي عربي

إذا كان إعداد المعاجم يحتاج جملة من الخطوات كجمع المادة وترتيبها، وتنظيم مداخلها المعجمية نطقا وكتابة وصرفًا وتركيبًا، كمل يُعدّ التعريف المعجمي أصعب خطوة على الإطلاق لأنه يقتضي الإحاطة بدقائق معاني الكلمات العامة والخاصة، والعلم بأسرار اللغة ومضامينها المستحدثة، وبالعلائق الممكنة بين المفاهيم المتقاربة17، لذا نسير وفق الخطة التالية:

- المرحلة الأولى: جمع المادة وترتيبها، بمعنى جرد كل ما كتب بخصوص اللسانيات الحاسوبية في العالم العربي ورصدها، وكذا ما ألفه الغربيون في هذا المجال، ولا سيما فيما يخص المصطلح وإشكالاته المختلفة. ويكون على هذا النحو:

- المرحلة الثانية: انتقاء المصطلحات من المعاجم الإنكليزية المعتمدة، وكذا تتبع مصطلحات هذا العلم – اللسانيات الحاسوبية-في الكتابات الحاسوبية اللسانية العربية.

وفي هذه المرحلة نستعين بالمدونة التي تمّ إعدادها ومحاولة تصنيفها، وفرزها، وتبويبها، ومن ثمّ ضبط هذه المصطلحات، وبعدها وضع المقابلات العربية للمصطلحات، وتنسيقها واعتمادها، وكذا ترجمة تعريفات المصطلحات، ومراجعتها بدقة. وأخيرًا إخراج نسخة المعجم الورقية والرقمية.

خاتمة

في ختام هذه الورقة البحثية نرى أنه من الضروري إبداء جملة من المقترحات نحسب أنها تسهم في توطين هذا التوجه في الدراسات اللسانية المعاصرة، وتدفع به نحو الأمثل والأفضل وهي على هذا النحو:

أولا: أن تتضافر الجهود في مجال اللسانيات الحاسوبية العربية، خاصة بين اللسانيين والحاسوبيين.

ثانيا: ترجمة جميع الأعمال العلمية المكتوبة باللغة الإنكليزية في مجال اللسانيات الحاسوبية إلى اللغة العربية.

ثالثا: إنشاء أقسام خاصة باللسانيات الحاسوبية في الكليات والجامعات أو أضعف الإيمان اعتماد اللسانيات الحاسوبية مقرّرًا دراسيا أو بالأحرى يدرس كمقياس في الجامعات العربية.

ونافلة القول يمكننا القول إن ميدان اللسانيات الحاسوبية لا يزال حقلا خصبًا يعوزه العمل الدؤوب الجاد، ونأمل أن نرتقب المزيد من إسهامات اللسانيين والحاسوبيين على السواء. ولا تزال العربية تناشد أبناءها من أجل تمكين الحاسوب واحتوائها، وكذا مواكبتها لمطالب التقنيات الحديثة ونرى أن ذلك هو الرهان الوحيد لتضمن اللغة العربية مكانتها ضمن مصاف اللغات عامة، وفي ظل العولمة اللغوية خاصة.

 االمصادر والمراجع

-أبو نواس عمر محمد، " نحو معجم مفهرس للمصطلحات العربية الموحدة في ضوء اللسانيات الحاسوبية ومشروع الذخيرة العربية"، مجلة الدراسات اللغوية والأدبية، ع.1، ماليزيا، جوان 2013.

استيتية سمير شريف، اللسانيات: المجال والوظيفة والمنهج، ط.1، عالم الكتب الحديث، الأردن: 2005.

الحاج صالح عبد الرحمن، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج.1، موفم للنشر، الجزائر: د.ت.

العارف عبد الرحمن بن حسن، توظيف اللسانيات الحاسوبية في خدمة الدراسات اللغوية العربية جهود ونتائج"، مجلة مجمع اللغة الأردني، ع.73، 2007.

العناتي وليد، اللسانيات التطبيقية وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ط.2، دار الجوهرة للنشر، عمان: 2003.

الموسىنهاد، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، ط.1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت: 2000.

- الوعر مازن، دراسات لسانية تطبيقية، ط.1، دار طلاس، دمشق: 1989.

بابا أحمد رضا، " اللسانيات الحاسوبية مشكل المصطلح والترجمة"، مخبر المعالجة الآلية للغة العربية، جامعة تلمسان: د.ت.

توبي لحسن، التعريف المصطلحاتي في بعض المعاجم العربية – تعريف المصطلح التداولي نموذجًا-، مقال منشور في مجلة اللسان العربي في الإنترنيت، تاريخ الإنزال 25 جوان 2015.

غازي عز الدين، " اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية"، الحوار المتمدن، ع.1639، 2006، مجلة إلكترونية على الرابط www.alhewar.org

محمود فهمي حجازي، المصطلح العربي الحديث، ووسائل ووضعه وحصيلة تطبيقاته في المؤسسات العربية المصطلحية المختصة، مركز اللغة العربية، جامعة القاهرة: 1994.

Dufaye, Lionel. 2009. Théorie des opérations énonciatives et modélisation. Paris : éd. Ophrys.

Rastier François et al. 1994.Sémantique pour l’analyse: de la linguistique a l’informatique. Paris : Masson.

 الإحالات

1 ينظر،أبو نواس عمر محمد، " نحو معجم مفهرس للمصطلحات العربية الموحدة في ضوء اللسانيات الحاسوبية ومشروع الذخيرة العربية"، مجلة الدراسات اللغوية والأدبية، ع.1، ماليزيا، جوان 2013، ص.5-6.

2 ينظر: العارف عبد الرحمن بن حسن، توظيف اللسانيات الحاسوبية في خدمة الدراسات اللغوية العربية جهود ونتائج"، مجلة مجمع اللغة الأردني، ع.73، 2007، ص.48.

3 ينظر: الوعر مازن، دراسات لسانية تطبيقية، ط.1، دار طلاس، دمشق: 1989، ص.325.

4 ينظر: العارف عبد الرحمن بن حسن،توظيف اللسانيات الحاسوبية في خدمة الدراسات اللغوية العربية جهود ونتائج"، مرجع سبق ذكره، ص.48-50.

5 الموسىنهاد، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، ط.1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت: 2000، ص.54.

6 ينظر:الوعر مازن، دراسات لسانية تطبيقية، مرجع سبق ذكره، ص.317.

7 الموسى نهاد، العربية نحو توصيف جديد في ضوء اللسانيات الحاسوبية، مرجع سبق ذكره، ص.13.

8 ينظر: العناتي وليد، اللسانيات التطبيقية وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ط.2، دار الجوهرة للنشر، عمان: 2003، ص.54-55.

9 غازي عز الدين، " اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية"، الحوار المتمدن، ع.1639، 2006، مجلة إلكترونية على الرابطwww.alhewar.org

10 بابا أحمد رضا، " اللسانيات الحاسوبية مشكل المصطلح والترجمة"، مخبر المعالجة الآلية للغة العربية، جامعة تلمسان: د.ت، ص.3.

11 الحاج صالح عبد الرحمن، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج.1، موفم للنشر، الجزائر: د.ت، ص.230.

12 ينظر: استيتية سميرشريف، اللسانيات: المجا لوالوظيفة والمنهج، ط.1،عالم الكتب الحديث، الأردن: 2005،ص.527.

13 نمذجة : هي عملية هدفها كشفيheuristique ، تتضمن إنشاء النماذج، وذلك بنقل المعطيات وملاحظتها، ومن ثم وصف مختلف السيرورات من خلال لغة مناسبة وصورية.Voir:Dufaye Lionel, Théorie des opérations énonciatives et modélisation, éd. Ophrys: 2009, p.38. - ينظر: بابا أحمد رضا، اللسانيات الحاسوبية مشكل المصطلح والترجمة"، مرجع سبق ذكره، ص.05.

14 بابا أحمد رضا، اللسانيات الحاسوبية مشكل المصطلح والترجمة"، مرجع سبق ذكره، ص.5-6.

15 -Voir: Rastier François, et al. Sémantique pour l’analyse : de la linguistique a l’informatique, Masson, Paris: 1994, p.2.

16 محمود فهمي حجازي، المصطلح العربي الحديث، ووسائل ووضعه وحصيلة تطبيقاته في المؤسسات العربية المصطلحية المختصة، مركز اللغة العربية، جامعة القاهرة: 1994، ص.41.

17 - توبي لحسن، التعريف المصطلحاتي في بعض المعاجم العربية – تعريف المصطلح التداولي نموذجًا-، مقال منشور في مجلة اللسان العربي في الإنترنيت، تاريخ الإنزال 25 جوان 2015.

 

 

عن موقع: ألف:

اللغة والإعلام والمجتمع