التصميم:
0ـ توطئة
1ــ المعجمية والقاموسية
2 القاموس والمعجم
3 الوحدة المعجمية، المدخل
4 المعنى والتعريف
ــ توطئة:
لسنا في حاجة إلى التذكير بأهمية القواميس في مختلف اللغات فهي " الحجر الأساس للتهذيب اللغوي" وهي المرجع المتعمد والمستشار المؤتمن عند مختلف مستخدمي اللغة، كما أننا لسنا بحاجة إلى التذكير بالمنزلة الرفيعة التي تتبؤها اللغة العربية قديما في مجال صناعة المعجم، فقد شهد بذلك الباحثون الغربيون قبل غيرهم، يقول هيوود haywood في بحث له تحت عنوان القاموسية العربية: " إن العرب يحتلون مكان الصدارة في مجال المعجم سواء في الزمان أم المكان وبالنسبة للعالم القديم أو الحديث..."[1] ويؤكد المستشرق أوغست فيشر هذه المكانة قائلا: " وإذا استثنينا الصين فلا يوجد شعب يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصول وقواعد غير العرب"[2]
ولا يفوتنا كذلك التذكير بأن إسهام العرب في هذا المجال كان تطبيقيا أكثر منه نظريا.
غير أن هذه المكانة تراجعت في العصر الحديث أمام تقدم القاموسية في اللغات الغربية كالإنجليزية والفرنسية، مما جعل تحديث المعجم العربي والنهوض به مطلبا متجددا منذ أواسط القرن التاسع عشر حتى وقتنا هذا، وكانت تلبية هذا المطلب في مقدمة أهداف المجامع اللغوية العربية.
وسنحاول في هذه الورقة إثارة قضايا وطرح إشكالات ، وذلك بالوقوف عند عدد من المصطلحات والمفاهيم المحورية في هذا الفن.
أولا: القاموسيية والمعجمية
يشيع في اللغات الأجنبية (الفرنسية مثلا) مصطلحا lexicologie , و lexicographie وذلك في مجال الحديث عن دراسة المفردات وترتيبها على نسق معين، وإذا كان مفهوم هذين المصطلحين محددا إلى حد كبير على نحو ما سنذكر، فإن مقابلهما العربي على خلاف ذلك، حيث أورد الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه صناعة المعجم الحديث لكل واحد منها تسع مقابلات عربية مقترحة[3]وفاته غيرها، وسأكتفى بمقابلين اثنين لكل منها على النحو الآتي:
ــ المعجمية ، دراسة الألفاظ (lexicologie)
وهو مجال نظري ينعى بدراسة المعجم أو المفردات من جميع نواحيها باعتبارها مكونا من مكونات اللغة، ويعرف الدكتور علي القاسمي المعجمية بأنها" دراسة المفردات ومعانيها في لغة واحدة أو عدد من اللغات، ويهتم علم المفردات من حيث الأساس باشتقاق الألفاظ وأبنيها ودلالتها المعنوية والإعرابية ..."[4] ويعرفها الدكتور عبد العلي الودغيري بأنها: "علم دراسة الألفاظ من جميع نواحيها والبحث في صيغها واشتقاقاتها ومعانيها"[5]
ــ القاموسية، صناعة المعجم (lexicographie)
وهو فن عملي "يعنى ببيان أصول تأليف الأصناف المختلفة من القواميس وأسسه وتقنياته"[6]، كما يشمل دراسة القواميس ونقدها وتقويمها، ويشمل هذا الفن " خطوات أساسية خمس هي: جمع المعلومات والحقائق واختيار المداخل وترتيبها طبقا لنظام معين وكتابة المواد ثم نشر النتاج النهائي"[7] وهو ما يسمي القاموس أو المعجم.
ويذكر كولماس في كتابة اللغة والاقتصاد أن إنجاز المعاجم اليوم أصبح صناعة كبيرة تتطلب استثماريا ماليا معتبرا، فلم يعد المعجم عملا فرديا كما كان فعلى سبيل المثال ذكر أن معجم the Random house يوظف هيئة تحرير من 130شخصا لفترة كاملة ويساعد هذه الهيئة 1200 استشاري[8]
ثانيا: القاموس والمعجم
يستخدم المصطلحان أعلاه عند غير قليل من الباحثين العرب مقابلين للفظ الأجنبي dictionnaire، ويؤثر البعض أحدهما على الآخر، ويرى فريق ثالث التفريق بينهما بحيث يجعل المعجم مقابلا للفظ الأجنبي lexique الذي يعنى الثروة اللفظية أي مجموع مفردات لغة ما وهو كما تقدم مكون من مكونات اللغة، في حين يجعل القاموس مقابلا للفظ dictionnaire وهو كتاب يضم عددا محدودا من مفردات اللغة ومن أبسط تعريفاته تعريف ري دي بوف بأنه: " لائحة من الكلمات مرتبة ومشفوعة بنص يقدم عنها جملة من المعلومات" [9]
ويتضح من خلال هذا التعريف أن المكونات الأساسية للقاموس هي:
1ـ لائحة من الكلمات تمثل كليا أو جزئيا لغة ما ، وتدعى المدونة ، أو البنية الكبرى
2ـ الترتيب : وهو ركن أساسي به يكتسب القاموس تميزه باعتباره كتاب استرشاد، ويمكن التمييز في القاموس مستوتات ثلاثة من الترتيب هي:
ــ ترتيب الجذور ويسمى الترتيب الخارجي
ــ ترتيب الفروع ويسمى الترتيب الداخلي
ــ ترتيب المعلومات والشروح
3ـ المعلومات والشروح ويطلق عليها توسعا التعريف (وسنعود إليه لاحقا)
والقواميس أنواع شتى وقد ذكر د. مختار عمر أسسا عشرة لتنوع القواميس هي:
1ـ نقطة الانطلاق (الألفاظ والمعاني)
2ـ طريقة الترتيب
3ـ العموم والخصوص
4ـ عدد اللغات
5ـ أعمار المستعملين
6ـ الفترة الزمنية
7ـ الهدف (وصفي ـ معياري)
8ـ حجم المعجم
9ـ نوع المستعمل
10ـ شكل المعجم
وكل قاموس يمكن وصفه بأوصاف عدة منالأوصاف المتقدمة مع اعتبارأن الصفة لا تمنع إلا ضدها، فالقاموس كما إمبس " نتاج مجموعة من الاختيارات من بين تركيبات عديدة ممكنة، وهذه الاختيارات محكومة بالأهداف التي يحددها المؤلفون وهي مرتبطة بتصور كامل عن الكتاب الذي يريدون إنتاجه"[10]
ثالثا ـ الوحدة المعجمية، المدخل:
بعد ما يحدد صانع القاموس مصادره ومستنداته المرجعية فإنه سيقوم بوضع قوائم الكلمات المكونة لمدونة قاموسه، فالكلمة هي هو موضوع القاموس، ونظرا لما يلف هذا المصطلح، وما يقابله في اللغات الأخرى، من لبس وغموض فقد ارتأى الدارسون استبداله بمصطلح الوحدة المعجمية أو اللكسيم، ويشمل :
ــ الألفاظ المفردة (مورفيم حر)
ــ الألفاظ المركبة بأنواعها (مورفيم حر + مورفيم مقيد، مورفيمين حرين أو أكثر كالكلمات المنحوتة )
ــ التعبيرات السياقية وهي تجمع من الكلمات يملك معنى حرفيا وآخر غير حرفي ، ويمكن تعويضه غالبا بكلمة واحدة.
هذه الوحدات هي التي تمثل مدونة القاموس أي لغته المشروحه ونظرا للطبيعة الاستشارية للقاموس، كما تقدم، فإن قراءته تبدأ من اللفظ موضع الإشكال أو التساؤل، ومن هنا درج القاموسييون على إطلاق لفظ مدخل على كل وحدة معجمية ، وتتخذ المداخل أوضاعا متعددة تختلف باختلاف اللغات وباختلاف التقاليد القاموسية.
رابعا: المعنى والتعريف
يقدم صانع القاموس عند مداخله عددا من المعلومات والشروح تختلف وتتنوع بحسب نوع القاموس وهدفه وجمهوره إلخ، ويمكن تقسيم هذه المعلومات إجمالا إلى ثلاثة أقسام:
1ـ معلومات عن الدال (اللفظ): (صوتية، صرفية، نحوية، تأثيلية..)
2ـ معلومات عن المدلول(الجوانب الدلالية، اللغوية والمسوعية...)
3ــ الشواهد والإيضاحات
ويعتبر بيان المعنى أحد أهم أهداف القاموس فهو في تصور السواد الأعظم غايته وهدفه، ولكن الوصول إلى المعنى أمر ليس باليسير إذ تقف دونه صعوبات لعل في مقدمتها تعريف المعنى نفسه ورسم حدوده، ومنها أن القاموس يصف كلمة أو وحدة معجمية مستقلة واللغة كل مجموع ولا ينبغي كما يقول ماتورى "أن ننخدع بالفصل الذي يحدث بين الكلمات أثناء الكتابة"[11] ثم إن المعنى أنواع ومستويات فعن أيها سنتحدث؟ وهو كذلك متغير تبعا للزمان والمكان والواسطة والمجال ...
وعلى العموم وإن كان لا بد مما ليس منه بد، فسنقول بكثير من التبسيط إن معنى الوحدة المعجمية هوتلك الصورة الذهنية التي تستدعيها عند مستعملي تلك اللغة وهذه الصورة مركبة من مصادر شتى بعضها معجمي يعود إلى المعنى أو المعاني الأصلية للمادة، وبعضها صرفي يعود إلى الصيغة وبعضها سياقي يعود إلى ربط اللفظ بمصاحبته ...الخ، ونظرا لأن القاموس كتاب يمثل المجموعة اللغوية عموما فلا ينبغي أن يورد من المعاني إلا ما حقق مستوى مقبولا من الانتشار والتداول، أي أنه لا مجال في الاستخدامات الشخصية الضيقة. ويطلق الجزء المخصص لبيان المعنى في القاموس التعريف
التعريف:
لا يتسع المقام للحديث عن صلة التعريف القاموسي بتصورات أخرى في مقدمتها التصور المنطقي والفلسفي، فالتعريف في القاموسي معادل لغوي للوحدة المعجمية يحدد خصائصها ومميزاتها ويرسم ما تحيل إليه في الاستخدام، وغايته أن يتمكن مستخدم القاموس من فهم اللفظ ومن ثم استخدامه استخداما صحيحا.
والسؤال المطروح في هذا المقام هل هناك خطة ثابتة تمكننا من تعريف جيد كفيل بتحقيق الهدف المذكور للإجابة عن هذا السؤال يقول الدكتور الودغيري: " إن التعريف في قاموس اللغة ليست له قاعدة مطردة أو ملزمة... فكل تعريف يؤدي لتوضيح المعنى على الوجه المطلوب هوتعريف جيد"[12]
يستخدم القاموسييون أنواعا من التعريف من أشهرها: التعريف بالعبارة الشارحة، التعريف بالمرادف، التعريف بالمقابل، التعريف الاشتقاقي، التعريف الإحالي، التعريف بالمثال... ومع فقد ذكروا صعوبة تعريف بعض الألفاظ ومنها:
1ـ الألفاظ السهلة والمألوفة(ضرب...) ويفسر هذا قول القدماء معروف في شرح عدد غير قليل من الألفاظ
2ـ الألفاظ التي تحيل إلى تصورات تجريدية كالحب والكراهية والعدل والصدق..
ويقدم القاموسيون عددا من التوجيهات في كتابة التعريف منها:
1ـ الاختصار والإيجاز
2ـ السهولة والوضوح (نسبة عدد الألفاظ المستخدمة في لغة الشرح حوالي 1إلى 3من المدونة أو أقل يذكر د. أحمد مختار عمر أن معجم longmanاستخدم مفردات لا تزيد على 1000لشرح 55000كلمة
3ـ تجنب الدور والإحالة إلى مجهول
4ــ مراعاة نوع اللفظ (الاسم الوصف الفعل..)
5ــ التركيز في الماديات على الشكل والوظيفة
[1] نقلا عن د. محمد يوسف حبلص: نظرية الخليل المعجمية .. 26
[2] أوغست فيشر، المعجم اللغوي التاريخي 4
[3] أحمد مختا عمر، صناعة المعجم الحديث 21
[4] د.علي القاسمي علم اللغة وصناعة المعجم 3
[5] الودغيري (مترجم) منهج المعجمية 160 هامش ج
[6] عبد الله عبد المالك، قضية التعريف في القواميس العربية الحديثة 4
[7] د.علي القاسمي علم اللغة وصناعة المعجم 3
[8] كولماس اللغة والاقتصاد ترجمة د. أحمد عوض 92
[9] Rey debove etude linguistique et semiotique …19
[10] P.imbs ie T.L.F preface 17
[11] ج ماتوري منهج المعجمية تعريب د الودغيري 71
[12] الودغيري قضايا المعجم العربي..331