القارئ والشاعر عبد القادر بن محمد المامي في ذمة الله

اثنين, 11/25/2019 - 12:27

 

م. محفوظ أحمد

 

غيب الموت الاسبوع الماضي، في انواكشوط، القارئ المقرئ والشاعر واللغوي الكبير محمد عبد القادر بن محمد المامي ابن اجكاني المجلسي، المعروف بـ"قاري"، عن عمر ناهز السبعين سنة.

وكان "قاري" من أبرز شعراء وأدباء السبعينيات، ولكنه لم يكن من محبي الأضواء والشهرة، رغم رسوخ قدمه في فنون وبحور الشعر ودواوينه، وفي علوم اللغة العربية.

أخذ القرآن عن أمه، ومبادئ العلوم العربية عن والده. وكان لتلك البيئة الاجتماعية العالمة، أكبر تأثير في استيعابه العلمي والأدبي. ثم درس في محظرة العلامة محمد عالي بن نعمه المجلسي، وحلقة الإمام الأكبر بداه بن البصيري. ثم تخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية سنة 1989غ.

وبعد ذلك تفرغ لخدمة القرآن الكريم، دراسة وتدريسا وتلاوة وقياما... واشتغل في تلك الأثناء بالإمامة والخطابة، في الرياض بانواكشوط، ثم في الرياض بالمملكة العربية السعودية.

كان محمد عبد القادر ـ رحمه الله ـ موهوبا في معرفة اللغة العربية وحفظ دواوينها الأدبية، متخصصا في فنون الشعر وبحوره؛ تستوي عنده بالسليقة والتفعيلة، يقرض الشعر فيها جميعا، وإليه يرجع الطلاب والباحثون في تمييزها وتقويمها!

ترك الرجل ديوانين حافلين بدرر الشعر المتنوع فنَّا وأغراضا:

ديوان القصائد والمقطوعات العام في الغزل التقليدي والاجتماعيات والرثاء... وديوان قصائد السياسة والتوجيه، يطغى عليه التأثر بمشاكل الأمة العربية الإسلامية وقضاياها المصيرية، ومن أبرزها القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى... حتى أطلق عليه في التسعينيات "شاعر الصحوة".

وكانت دراسة شعره موضع رسالة جامعية. كما نالت قصائده السبق في المسابقات القليلة التي شارك فيها.

عرف العلامة قاري بمواقفه الشجاعة ومحاربته للعنصرية ودفاعه عن العدالة والمساواة.

ومع أن كثيرا من شعره لم يشمله الجمع، فإننا نورد هنا نماذج منه، بعضها منشور، وبعضها لم ينشر، وذلك بغاية الاقتصار والاختصار.

(1)

يقول في الثورة الفلسطينية (بحر السريع):

يا ثورة الإيمان في الحاضـر * يا صفعة للغاصــب الماكر

يا ثورة الإسلام في أرضــــه * مسرى النبي الغالب الظافر

يا ثورة قد أخـــذت فكـــــرها * عن ابن عباس وعن جابـــر

ثورة شعب مــؤمن موقــــــن * أن ليس غـــير الله من ناصر

قد سئم الافكار يأتي بها * أحمق من مزبلة الكافر

وحاكمو الأمَّة قد أهملوا * آلامــــه للغاصب الغادر

إذ رقدوا في حضن لذاتهم * من كل لهو ساقــــط داعر

واستسلموا جبنا لأعدائهم * إذ كلهـم أجبن من صافر!

......

أرض فلسطين بإسلامنا * عدلا أخذناها من الجائر

ثم استعـــــدناها بإسلامـــنا * في عهدي الظاهر والناصر

ثم بهــــذا الدين لا غـــيره * نطرد عنها طغمة السامري

..... الخ

(2)

وقال في المطبعين مع الصهاينة (بحر البسيط):

يا من ذرفتم على "رابين" أدمعكم * لا تحزنوا إنكم لاقوه في النار

عزاؤكــــم أنكـم في النار أسفلــــه * إن كان قائدَكــــم في هذه الدار

يا من تبعيون ـ من خزي ـ ضمائركم * للكافــــرين بإفـــــــــرنكٍ ودولار

يا أيها المارقــون الخائنون ويا * من قد ملأتم بلاد الله بالعار

يا معشرا قد غدا التطبيــع موضتهم * مع اليهود وحربُ الخالق الباري

أيسخط الله كي يرضى اليهود وما * والاهم من حثالات وأشــــــرار؟

.... الخ

 

(3)

ويقول في حال الأمة حزنا عليها (بحر الكامل):

ألِطُول ليلي أم لأسبـاب أخـــرْ * في قلبي المكلوم تصطرع الفِكَرْ

أم هذه الأفكار تفرض نفســها * وتقول: مالي دون قلبك مستقر؟

فكر كأمواج البحار استغرقت * قلبي فأصبــح حائرا أين المفر!

أيَطــــول ليلي هكـــذا، أم إنـــني * ما عدت أفرق بين طول أو قصر؟

......

أحداث هذا العصر قد ضغطت على * قلبي ولولا فضــــــل ربي لانفطـــــر

تالله ما استعرضـتُ واقع أمتي * إلا تقــــــزز منه جلدي واقشعر

ماذا أقـــــول وأمتي قد ساقـها * أعـــــداؤها لحتوفها مثل البقر؟

....

أموالهم في الغرب سيل جارف * والمسلــم المسكين "يلتقط البعر"

...الخ

(4)

وقال في ذكرى غزوة بدر الكبرى (بحر الرمل):

بدر يا أشرف كل القمــم * إن ذكــراك أثارت ألمي

ذكريات مزج الشهد بها * في ضميري بنقيع العلقم

أذكر المختار في أصحابه * إذ يقيــم الصف تحت العلم

أذكر القبضة إذ يرمي بها * جحفل الكفر وجيش الصنم

أذكر النصر الذي فاز به * جيشـنا في ذلك الملتحـــــم

......

أذكر اليرموك فيها واليما * مـة إذ من يلقنا ينهــــــــزم

أذكر العــين وحطين فكم * قد كشفنا من دياجي الظلــم

... الخ

(5)

وله في الجهاد والوطنية في التاريخ الموريتاني (بحر البسيط):

شنقيط لا تحزني كلا ولا تهــني * فإن رأسك مرفوع مدى الزمـن

كنـــــتِ المنارة للإسلام قائمـــــة * على الرباط بلا ضعف ولا وهن

قد كنتِ للدعــــوة الغـــــراء منطلقا * ومشعلا في فجاج الأرض في علن

بَنوك شادوا لك المجــــد التليد على * منهاج خير الورى فابئـيْ ولا تهني

.....

ظلوا كذلك في أخلاقهــم سلفا * يدعون للخير بالأموال والبدن

لكنهم بعدما احتلـــــت بــــلادَهمُ * قوى النصارى بفعل المكر والفتن

غدا يسوسـكِ يا شنقيط بعــــــدهم * خلق رضوا من قلاع المجد بالدمن

.... الخ

(6)

ويقول في نفس المعنى من قصيدة أخرى (بحر الرمل):

نهر صنهاجة يا رمز العــلا * معبـــر النور إذا الليل دجى

كلما فكــــرت فيك انهمــرت * أدمعي من مقلتي صوب حيا

كــــم تذكرت رجــالا عــبروا * حوضَكَ الميمون صبحا ومسا

عبروا حوضك من شنقيــط كي * يُخرِجوا من ظلم الشرك الورى

كم بنوا عبرك من مجــد وكـــم * نقلـــوا عبـــــرك علما وتــــقى

شيدوا عبرك جسرا حامــــلا * لجنوب الأرض أخلاق السما

.....

إنهم مثلــــكَ أنهــــار ولــــ * ــكنهم أنهار علم وهــــــدى

نقلوا أخلاقهــــم صافيــــة * مثلما ماؤك يا نهـــــر صفا

.....

زرعوا في جارهم مذ عـبروا * لغــة الضاد وديــن المصطفى

مذ قــــــرون وجهاد دائــــــم * وعطـــــــاء ووئـــام وإخـــــا

هكذا، والغرب يسعى جاهدا * دائبا من أجـــــل تحطيـم البنا

ناصب الإسلام والعرب معا * منـــذ بــدء الوحي ألوان العدا

عمد الغرب إلى من ضيعوا * مجدهــــــم فاقتادهم ثم امتطى

.... الخ

 

(7)

ويقول في حال الأمة، من قصيدة (بحر الكامل):

استحكم الطغيان والإرهاب * وتقطعــــــت بالعالم الأسباب

استحكم التقتيل والتعـذيب في * أبنائــــه وتوالــــــــت الأحقاب

واستحكــم الإذلال فيه وما له * جبل يحميه ولا ســـــــــــرداب

واستحكم التضليل والتدجيل في * أبنائـــــــه وانســـــدت الأبــــواب

لا باب للخيرات يُرجَى فتحه * إلا ويجلـــــــــــس دونه بواب!

.... الخ

(8)

ومن شعره في الغزل وبكاء الأطلال قوله رحمه الله (بحر الطويل):

أصَبــرًا وأطـلال الرباب يباب * وقد ظعنـت في الظاعنين رباب

وصونا لدمــع في مرابعها التي * عفتها رياح بعــــــــــدها ورباب

كأن لم تكن فيها الرباب وتــربها * زمانا ولم تضـــــرب لهـــن قباب

وتفتح لي باب الوصال ولم يكــن * لكـــل محـــــب زار يفتـــــح باب!

ألفت بتلك الدور حـــوراء زانها * جمال وجســـــــم ناعم وشــــباب

تسفه أرباب الحلوم فكم وكـــم * شيـــــــــــوخ بها هاموا وشباب

ألا ليس من حفظ الفتى العهد صــــونه * دموعا وأطــــــلال الحبيب يباب

(9)

وله في الغزل أيضا (بحر الخفيف):

يا سليمى بالله لا تصـــرمينا * وصلينا، وواصلي، وصلينا

مَتِّعينا بنظــرة يا سليمى * وبأشهى حديثكــم حدثينا

ارحمــــينا وواصليـــنا فإنــا * من نواكم وهجركم قد ضنينا

واصرمي غيــرنا فما زال قلبي * بلقاكم على ســـــــــوانا ضنـــينا

....

بعد أعوامنا الـــتي كالثواني * أصبحت تشبه الثواني السنينا

غضب الدهر ذو الصروف علينا * بعدمـــا كان راضيا ما رضيــــــنا

وقسا بعد طـــول لين علينا * ليته بعـــدما قسا لان حيــــنا

ليت شعري بأي ذنب جفانا * وبما ذا نرضيه كي لا نحينا؟

(10)

وله فيه أيضا (مجزوء الخفيف):

أصبح القلب قد صبا * حيـــــن هبت له الصَّبا

بعدما قلت قد أنــا * ب عن اللهو والصِّبا

ورأى الحبل من حبا * ئبــــه قــــــد تقضــــــبا

كلما قال ناصــح: * ويك بله الصِّبا أبــى!

قد صبا القلب للَّوا * تي يُحاكـــــــين ربربا

يتمايلن كالغُصو * ن وينظـــرن كالظِّـبا

كنت ألهو بهن في * زمـــــن كان طيِّـــــــبا

نتعاطى من الوصا * ل كـــــؤوسا وأكــــــؤبا

بيد أن الزمان أمْـ * ـســـى بـنا قـــــــد تقلبا

لهفَ نفسي على زمـ* ـــن عن اللهوِ أضــــــربا

صِــــرت أبكي إذا رأيـ * ــتُ الحَمـــام المطـــرِّبا

(11)

وفي الغزل يقول أيضا (بحر السريع):

لو أن غيلانَ رأى مرة * ميَّتَنا اليــــوم سلا ميَّتَهْ

كل فتى من حبها ميت * وكل خــود حسدا ميته

لم تبذلي في غادة ديةً * كـلا ولا في سيِّدٍ ديته

ما من فتى إلا له طِيــــة * عندكِ لن تقضي له طِيتَه

إن يعفُ عنك الله فيما جرى * منـــــكِ فقد أعظــــم أعطيته

(12)

 

وله في نفس الغرض (بحر الوافر):

أعيني بالمدامع ـ ويك ـ جودي * كـــدر قد تحـــــــــدر من عقود

فإمساك الدموع عليك عار * خلال الدراسات من العهود

عهود قد تعفتـــها السوافي * وكل غزير ودق ذي رعود

فأضحت ليس فيها من أنيس * ســوى الغربان من بقع وسود

كأن لم تغن فيها قط حور * مليحات أسيـــــلات الخدود

......

لطيفات الخصور منعمات * غــــريرات رشيقات القدود

كأمثال الدمى، لو مسن ميسا * أصيــــلا في المجاسد والبرود

.... الخ

(13)

وقال في التذكر والغزل (مجزوء الرمل):

يا ليَــيْلات بها قد * كنـــت ألهو بلُيـَـيْلي

ما أحيْلاكِ بقلــبي * ما أحيلى، ما أحيلي!

ليلنا فيـــها عليــه * قد تميـــل النفس ميلا

لم أر الدهر حياتي * مثـــــل ذاك الليل ليلا

كلما فكـــرت فيه * سال دمع العين سيلا

ليت شعري هل أنال الــ * ـــوصل منها عَــــوض نيلا

أم لقاها ليس مما * كال ميكائيل كيــــلا؟

(14)

ومن شعره في المرأة (بحر مجزوء الكامل):

أختي العزيزة وابنتي * اصـــغي إلي وأنصــتي

هاك المحجة ليلها * كنــهارها إن تعنتي

فتأملي وتدبري * وتبــــيني وتثبتي

وحذار ثم حذار عن * ديـــن الهدى أن تلفتي

وعلى طريق الله لا * طرق الضلالة فاثبتي

....

لك أسوة في أمها * ت المؤمنيـن القنّت

في العزّ كوني نبتة * وتأصلي في المنبــت

..... الخ

(15)

وله في الرثاء (بحر المتقارب):

قد ابتلت الأرض من أدمعي * وقد أجت النار في أضلعي

ولست بباكٍ على غـــادة * ولست بباكٍ على مربع

ولكـــن على سيـــد طيـــب * قد استك من نعيه مسمعي

.....

ستبكي القوافي وتبكي المسا * جـد حزنا على السيد الأروع

فقلت لناعيه لما نعاه: * أتيـــت بأمر لنا مفزع

ولكـــــن ـ وربك ـ ما إن أرى * إلى غير ذي العرش من مفزع

... الخ

(16)

وقال في التذكر والغربة (بحر الخفيف):

من لصب متيم محزون * ذي هيام ولوعة وشجون

بكـــرام من الأحبـــــة لما * لعبت بي يد النوى قطعوني

كيف لي الآن بالتوجه نحو الــ * ــفتية القاطنيــــن بــ"الميمــون"

إنني من فراقهـــم لشــجي * وحـــزين أريق ماء الشئـون

هنتُ من أجل حبهم غير أني * لا أرى الهون في هواهم بهـون

أنا والله مغرم بهواهــم * عللــوني بذكرهم عللوني

(17)

وله في الرحلة والوصف (بحر الوافر):

بحب "الاستراحة" بحــت إني * بمـا أحببتُ آونةً أبـــــــــــوح

لنعم مكان لقيا كل شهـــم * أخـــي ثقة محياه صبيح

أشم الأنف أروع لا جهــول * على الجلساء ثَم ولا شحيح

يبـث العلم قــرآنا حكيما * ويذكر ما يحرم أو يبيح

وأخبار لخير بني معد * يبلغهن إسناد صحيح

وينأى عن خرافات وزيغ * يبهرجهــــن دجال مسيح

بها نتبادل الطرفات شتى * ونفرح باللقاء ونستريــح

.... الخ

(18)

وقال مستسقيا (بحر المجتث):

يا رب عجــــــل غيوثا * على "العريش" غوادي

واهد التلاميذ طــرا * إلى سبيــــــل الرشاد

وصل رب على الها * شمي مـردي الأعادي