بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه الكريم
محاضرة الدكتور محمد الأمين ولد الحاج
المقدمــــــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فإن اللغة العربية هي الوعاء الحضاري لرسالة الإسلام الخالدة، فهي لغة القرآن والسنة، وتراث الأمة، مما جعلها تحمل طابعا قدسيا أكثر مما تحمله أي لغة أخرى في العالم، فضلا عن كونها حامل هوية وتاريخ وحضارة الناطقين بها، وتعبيرا عن سيادتهم وتميزهم.
وقد نص دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية في مادته السادسة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، مما يجعل الانتقاص من مكانتها والتقليل من احترامها، مخالفة صريحة للقانون، زيادة على كونها استفزازا لمشاعر الموريتانيين، وطعنهم في أعز مقدساتهم وتدنيس هويتهم وحضارتهم.
وقد عانت اللغة العربية، في العقود السابقة، من مؤامرات ومخططات مدروسة وعلنية، لتهميشها وإبعادها عن مجالات الاستخدام، وتغييبها عن حياة الناس لأهداف معروفة، وكان أغلب هذه المخططات وافدة من قوى خارجية استعمارية تسعى لدوام السيطرة على عقول ومقدرات وخيرات البلد، عن طريق التحكم في ثقافته والتفرقة بين مكوناته، وكانت هذه المخططات، في أحيان كثيرة تستخدم وسائل محلية وأفرادا وفئات ينتمون للوطن، وإطلاق الشائعات التي تبث الوهن والعجز في صفوف المدافعين عن قدرة هذه اللغة على مواكبة العصر وملاحقة الثورة العلمية والتكنولوجية.
وقد أثبتت جميع الدراسات العلمية المحايدة التي قيم بها في هذا المجال، قوة اللغة العربية وسعتها واستيعابها للمستجدات، وقدرتها على مواكبة العصر وملاحقة مستجداته، وعمق تمسك الناطقين بها وحرصهم على استخدامها في كافة المجالات.
وتتعرض اللغة العربية اليوم لتحديات كثيرة، وتتداخل عوامل مختلفة في نشر هذه اللغة وتثبيت أركان استخدامها والدفاع عنها، وفي نفس الوقت في إفساد سليقة أهلها والقضاء عليها، لعل من أهمها تأثير شركات الاتصال، لخطورة دور هذه الشركات وانتشارها، وقدرتها على ولوج كل بيت، وكونها على صلة آنية بكل فرد، بالإضافة إلى الإعلانات والإشهارات الترويجية واللافتات، التي تركز في أذهان العامة امتهان هذه اللغة، من خلال نشر الأخطاء المشينة، في اللغة والإملاء، وعدم احترام وضع اللغة العربية كلغة رسمية للبلد ولسان أغلب سكانه.
أما المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي، فلا شك أن ما يكتبه كل فرد هو تعبير عن عقله ومستواه الفكري والثقافي، وانعكاس لتوجهه واهتماماته الشخصية، فكثير من الأخطاء المرتكبة في هذا المجال، هي بسبب الجهل باللغة، وعدم تمكن الكاتب من ناصية التعبير، غير أن هناك بعض الظواهر المنتشرة، التي أصبحت "ثقافة" عند كثير من مرتادي هذه الوسائط مما يستدعي التوقف عندها واتخاذ السبل الكفيلة بالقضاء عليها، لما لها من آثار سلبية على نصاعة اللغة العربية واحترامها وإيصالها إلى الأجيال اللاحقة كما ورثناها عن دفعات أسلافنا المتلاحقة.
وسنلقي الضوء، في هذه الورقة، باختصار شديد، على نماذج من الأخطاء في هذه المجالات:
أولا: استخدام شركات الاتصال للغة العربية:
لقد دأبت شركات الاتصال الثلاثة، منذ عملها على التراب الموريتاني، على استخدام جملة من الأساليب التفاعلية مع زبنائها ومشتركيها، تسيء في الغالب إساءة بالغة إلى اللغة العربية، من ذلك:
- استخدام هذه اللغة استخداما ركيكا ينم عن جهل سافر باللغة العربية وأساليب استخدامها ومكامن الجمال فيها، وربما عن قصد الإساءة إليها واحتقارها والاستخفاف بها. (أمثلة مصورة)
- الأخطاء النحوية الكثيرة، وخاصة في الأعداد وإعراب المثنى ونحو ذلك، مما يؤدي في النهاية إلى غرس هذه الأخطاء وانتشارها وتعود العامة عليها، حتى تكتسب صبغة الصحة والسلامة مع الزمن، مما يكرس ظاهرة اللحن وسقوط هيبة لغة القرآن.
- كتابة الكلمات الأجنبية بالحرف العربي، ضمن سياق التواصل اليومي بين المستخدمين، مما يجعل هذه الكلمات الأجنبية تأخذ مكانها ومكانتها في اللغة المستخدمة، كما أن في ذلك تضليلا للعامة وإيهاما لهم أنه لا توجد عبارات فصيحة مستخدمة، تقوم مقام هذه العبارات الأجنبية، ومن أمثلة ذلك:
كونكسيوه، اكردي، بونيس، كارت .... ونحوها (أمثلة مصورة)
- الأخطاء الإملائية الكثيرة ومن أكثرها انتشارا: همز القطع بدل همز الوصل مثل: "الإتصال"، "الإستقبال" وما شابه ذلك.
- احتقار اللغة العربية وتهميشها: ويكون ذلك تارة بإهمالها وعدم كتابتها أصلا، حيث توجد لافتات كثيرة مازالت في الشوارع، لبعض شركات الاتصال، لا تحوي اللغة العربية، وإنما كتبت باللغة الفرنسية بشكل كامل، (أمثلة مصورة)، ويكون ذلك تارة بكتابة اللغة العربية أسفل اللغة الفرنسية، أو بخط أصغر منها. (أمثلة مصورة)
- لا توجد أي علامة أو اختصار لخدمة من خدمات هذه الشركات باللغة العربية، وإنما توجد بعبارات أجنبية في الغالب، أو من اللهجات في أحسن الأحوال، مثل: اكراتي ابليس، اباس كونكسيون، كراتي فلكس...إلخ
ثانيا: اللافتات والإشهارات:
وتقتفي شركاتِ الاتصال في مثل هذه الممارسات، المحلاتُ التجاريةَ والمعامل والورشات التي تنتشر لافتاتها على الشوارع، ولنستعرض أمثلة من ذلك: (أمثلة مصورة مع التعليق) .
ثالثا: محتوى وسائل التواصل الاجتماعي:
إن من أهم الظواهر المشينة في هذه الوسائل، وأشدها خطورة وإساءة إلى اللغة العربية ظاهرتين تختصان بهذه الوسائل:
الظاهرة الأولى: لغة التواصل الاجتماعي: مثل: سلام، بدل السلام عليكم، وباي: بدل إلى اللقاء وما في معناها ونظائرها كثيرة، مما يركز هذه اللغة وهذا الأسلوب في أذهان الناشئة لتصبح هي لغة تخاطبهم اليومي.
والظاهرة الثانية: هي أبجدية التواصل الاجتماعي: فكما أن وسائل التواصل الاجتماعي لها لغتها الخاصة بها، فقد أضحت أيضا لها حروفها الخاصة بها للكتابة، وهي مزيج من الحروف اللاتينية والأرقام لتعويض النقص الحاصل في الحروف اللاتينية: فالهمزة مثلا= 2، ع =3، ذ=4، خ=5، ط=6، .... ق=9.
حتى أصبحت هذه اللغة وهذه الكتابة مستخدمة في الحياة اليومية، بدل استخدام العرف العربي الذي يفي بكل هذه الاحتياجات بسهولة ويسر,
الخـــــــاتمة
إننا ندعو شركات الاتصال العاملة في بلادنا إلى احترام زبنائها، باحترام لغتهم وتقديس مقدساتهم، وعدم تلويث هويتهم وسيادتهم، فإن لم يكن ذلك من باب كونهم فاعليين أساسيين في المحافظة على هوية البلد، والدفاع عن ثقافته، واحترام قوانينه، لأنها جزء من المجتمع، وقسم من مكونات الأمة، ومرفق هام من مرافقها، فليكن ذلك من باب فن التسويق، الذي هو عمدة عمل هذه الشركات وأساس وجودها.
فليس من المستساغ ولا من المقبول أن تتكسب هذه الشركات باستخدام ألفاظ أجنبية أو عبارات خاطئة، للتواصل مع زبون موريتاني النشأة، مسلم العقيدة.
واللغة العربية التي وسعت كتاب الله تعالى ومختلف الفنون والمعارف، القديمة والحديثة، لا تضيق اليوم عن استيعاب مفردات دعائية وكلمات إشهارية بسيطة، فليكن عند هذه الشركات مدققون أو مستشارون لغويون تعرض عليهم مواد إشهارها قبل نشرها، لكيلا تكون إساءتهم إلى هذه اللغة عن قصد وسابق إصرار.
كما أن الخطاطين الحرفيين يجب أن يكون لهم حس وطني وغيرة على لغة دينهم وأجدادهم، فلا يقبلون خط لافتة تسيء إلى هذه اللغة، كما يجب على المشرفين عل مجموعات التواصل الاجتماعي أن يراقبوا محتوى المنشورات على صفحات هذه المجموعات، فينبهوا المخطئين ويعاقبوا المخالفين.
كما يجب على الهيئات المعنية بهذا المجال الحضاري الهام، كالمجالس البلدية، ومنظمات المجتمع المدني، والهيئات المعنية بتطبيق الدستور والقانون، السهر على أن لا تظل اللافتات المهينة للغة القرآن مرفوعة في شوارعنا.
والله الموفق للصواب