احتضنت القاعة القاسمية بمباني مجلس اللسان العربي بموريتانيا يوم السبت 23 ذي القعدة 1445هـ/ 01 يونيو 2024غ ندوة تحت عنوان: "اللغة والإشهار"، نظمها المجلس بالتعاون مع سلطة تنظيم الإشهار والحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير اللغات الوطنية.
الندوة المنظمة في إطار أعمال الدورة الخامسة للمنتدى العام لمجلس اللسان العربي افتتحت بالذكر الحكيم وأدارها الأستاذ محمد عبد اللـه لحبيب رئيس سلطة تنظيم الإشهار الذي أثنى في البداية على جهود الأستاذ الخليل النحوي رئيس مجلس اللسان العربي وأدواره الثقافية والوطنية.
وكان أول المتحدثين في الندوة معالي الوزير السابق صو آبو دمبا رئيس الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير اللغات الوطنية، وقد نوه في كلمته بهدف هذه الندوة، وهو الرفع من مستوى المنتوج الإشهاري. وقال إن ذلك يتطلب أولا مخاطبة المستهدفين باللغة التي يفهمونها، مما يمنحهم الشعور بالثقة والحماية.
اما رئيس مجلس اللسان العربي الأستاذ الخليل النحوي فذكّر بأن اللقاء هو أحد مواعيد مجلس اللسان العربي في إطار برنامج "زيادة في المبنى وريادة في المعنى" الذي تبناه المجلس برنامجا له هذه السنة بمناسبة تبوئه مباني مقره الجديد، الذي وجه فخامة رئيس الجمهورية بمنح أرضه، وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بتمويله وتجهيزه.
ورحب الأستاذ الخليل برئيس وأعضاء سلطة تنظيم الإشهار ورئيس وأعضاء الحملة الشعبية، وأعضاء منسقية سدنة اللغة العربية الذين حرصوا على المشاركة في هذه الندوة المهمة، وأكد هذا الترحيب باسم أعضاء المنتدى العام لمجلس اللسان، وهم أصحاب المكان والزمان الذين يستضيفون هذا اللقاء في فاتحة دورة منتداهم الخامسة.
وعبر عن الامتنان لسلطة تنظيم الإشهار التي وضعت يدها في يد مجلس اللسان من أجل خدمة اللغة العربية وخدمة الوطن والأمة. كما أثنى على الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير اللغات الوطنية التي رافقت المجلس في مناسبات كثيرة.
وقال إن العمل الذي نقوم به نرجو أن نؤديه أصحاب قضية وحملة رسالة مؤمنين مخلصين للـه، وذلك ما يدعونا لنُحِل لغة القرآن مكانتها المناسبة، باعتباره وعاء رسالة اللـه الخاتمة إلى الناس كافة، بل إلى العالمين.
وساق رئيس مجلس اللسان في كلمته نماذج وأمثلة على ما تؤكده التجارب التاريخية من إشعاع اللغة العربية وصلاحيتها ونجاحها في تدريس العلوم ونقلها للأمم الأخرى.
وأوضح أنه إذا كانت الغاية من الإشهار هي الترويج لسلعة ما، مادية كانت أو معنوية، فلا بد أن يستخدم اللغة المشتركة التي يفهمها معظم الناس؛ وهذا جانب نفعي محض لا يتعارض مع استخدام لغات أخرى بقدر الحاجة إليها في التسويق والترويج للسلع والخدمات ونحوها.
وخلص رئيس مجلس اللسان العربي إلى أن لدينا اختلالات تنبغي معالجتها وهي أن العقل الإشهاري مختطف في كثير من الحالات حيث أننا نروج سلعا للاستهلاك في الداخل بلغة أجنبية لا يفهمها معظم الناس. ذلك بالإضافة إلى الجوانب الدستورية والقانونية؛ إذ ينص قانون الإشهار على وجوب استخدام اللغة الرسمية في أي واجهة إشهارية وبشكل سليم. وهذا خلاف الواقع الآن الذي يظهر أننا مخترقون ثقافيا ومُستلحَقون لا نشعر بقيمة لساننا...
وقال إن المجلس، في إطار انشغاله منذ تأسيسه بهذا الهمّ، طور لأول مرة مؤشرا لقياس احترام اللغة العربية على الواجهات الإشهارية في الوسط الحضري. وقد أثبت تطبيق هذا المؤشر الذي يتضمن أحد عشر معيارا على نماذج من الشوارع الرئيسة في مدينة انواكشوط، أن نسبة انتهاك حرمة اللغة العربية في بعض هذه الشوارع تصل نحو 56%.
وبدوره تحدث السيد محمد عبد الله الحبيب رئيس سلطة تنظيم الإشهار في كلمته عن مكانة اللغة العربية مؤكدا أنها هي لحمة كياننا وسداه و"هي الأساس والعماد والسقف"...
وكشف عن أنه حينما بدأت سلطة تنظيم الإشهار إجراءات تنفيذ مقتضيات قوانين إعلاء شأن اللغة العربية في عناويننا الإشهارية، تلقى اتصالات وتحذيرات من المس باللغة الأجنبية، مما أظهر أهمية العمل الذي تقوم به السلطة وانعكاساته، ولكن بعد فترة وجيزة من العمل جاءت ردة الفعل إيجابية في رسائل الشكر والتهانئ.
وقال "إن التيه اللغوي هو أساس التيه الحضاري الذي نعانيه" والذي يؤكد أن أمامنا كثيرا من التحديات في دروب التخلف الطويلة.
وقال إنه من محاسن الموافقات أن تنعقد هذه الندوة وقد قطعت بلادنا شوطا هاما في سبيل إعادة اللغة العربية إلى المكانة الجديرة بها من خلال مشروع المدرسة الجمهورية الذي تبناه فخامة رئيس الجمهورية. و"هو مشروع سيمكن أبناءنا من تلقي معارفهم بلغتهم التي ارتضعوا".
وقال إن فِرَق السلطة تعمل جاهدة من أجل إنهاء التلوث البصري الذي تعانيه واجهات المدن، والوسائط الأخرى، رغم التحديات التي تواجهها في سبيل إنجاز تلك المهمة.
وأكد أن التعويل إنما هو بعد اللـه على عمل النخب التي يشرفها أن تقول إن هذه اللغة العربية هي لغة علم وحضارة وتاريخ وهي أساس شخصيتنا الحضارية والدينية، وإنه "لا تقدم لنا ولا ازدهار ولا حتى خطوة إلى الأمام ما دمنا لا نعتبرها تاجا على رؤوسنا نناضل عنه ونفخر به".
هذا وقد تابع المشاركون عرضين شرائحيين، أولهما قدمه الشيخ محمد الحافظ ابوه، من سلطة تنظيم الإشهار، تحدث فيه عن الجوانب القانونية وعن رصد الأخطاء، وذكر أن السلطة أحصت في ولاية نواكشوط الشمالية وحدها مخالفات لغوية في العنونة والإشهار بلغت 2158، منها نسبة كبيرة من الغياب الكلي للغة العربية.
أما العرض الثاني فقد قدمه الأستاذ محمد محفوظ أحمد عضو مجلس اللسان العربي، وقد تضمن العرض ملخصا لنتائج مسح شامل أجراه المجلس في بعض شوارع نواكشوط، مركزا على نماذج من شارعي المختار داداه والشيخ زايد.
وقد أنجز المسح بوسائل تقنية وجغرافية دقيقة، على أساس مؤشر انتهاك حرمة اللغة العربية الذي وضعه مجلس اللسان، ويعتمد على 11 انتهاكا تبدأ بالغياب الكلي للغة العربية وتنتهي برداءة الخط.
وكان الحيز الجغرافي المستهدف في الشارعين المذكورين مسافة 11,35 كم، وبلغ العدد الإجمالي للافتات واللوحات في الحيز المدروس 919 بينها 517 لافتة ينطبق عليها مؤشر أو أكثر من مؤشرات انتهاك حرمة اللغة العربية، وهو ما يمثل نسبة 56% من إجمالي اللوحات، ويكشف عن اختلال كبير في التعامل مع اللغة العربية في بلد هي لغته الرسمية وهي لغة دينه وتاريخه وثقافته الجامعة!
وتضمن العرض صورا لنماذج من اللافتات والواجهات المنتهِكة لمكانة وسلامة اللغة العربية، تمثل نماذج مؤشر معلم الـ11 كلها.
وقد عقب على العرضين عدد مهم من العلماء والأساتذة الجامعيين والخبراء اللغويين المشاركون، فأغنت مداخلاتهم الندوة، ومكنت من الخروج بتوصيات مهمة من أجل تطبيق المادة السادسة من الدستور والقوانين المتعلقة بالعنونة والإشهار بصرامة، وبما يضمن احترام مكانة اللغة العربية في الواجهات واللافتات.
هذا وقد اختتمت الندوة بتوقيع اتفاق تعاون بين المجلس وسلطة تنظيم الإشهار، يحدد مجالات التعاون بين الهيئتين وآليات العمل المتفق عليها بغية المساعدة في تنفيذ "برنامج لنا العربية" الذي أعده مجلس اللسان العربي بغية التمكين للغة العربية في الوسط الحضري.