
حصلت الباحثة التركية سميراء ديمرال على شهادة الدكتوراه بعد نقاش أطروحتها الموسومة:” البيئة الأدبية في موريتانيا خلال القرن العشرين” تحت إشراف البروفسور إبراهيم شعبان في جامعة اسطنبول الحكومية.
تناولت الأطروحة، التي جرى نقاشها في 17 من مارس المنصرم، نبذة عن تاريخ موريتانيا مرورا باستقلالها عام 1960، كما تحدثت عن الإرث الأدبي العريق الذي تتميز به موريتانيا في العالم العربي، مما جعلها تعرف بـ “بلاد المليون شاعر”. فقد تشكّلت ملامح هذا الإرث الأدبي عبر العصور متأثرا بالعوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية والجغرافية التي صهرته في بوتقتها؛ مِمَّا أضفى عليه طابعًا متميزا داخل المشهد الأدبي العربي. ومع بروز التحولات الحديثة خلال القرن العشرين، كان دور المحاضر -وهي مؤسسات التعليم التقليدي- ما يزال بارزا إلى جانب البُنى الثقافية الأخرى الحديثة، مما كان له الأثر البالغ في تعميق الإبداع الأدبي على المستويين المحلي والعربي.
استكشافا لذلك كله، جاءت هذه الأطروحة لتتبّع مسار التطوّر الذي سلكه الأدب الموريتاني في القرن العشرين عبر المرحلتين: ما قبل الاستقلال وما بعده، سعيا إلى إبراز تنوّع أجناسه الأدبية، واستجلاءً لسياقاته التاريخية والثقافية التي احتضنت إنتاجه، محاوِلةً ألقاء الضوء على مدى تطوّر هذه الأجناس الأدبية وتحليل العوامل الاجتماعية والثقافية التي أثرت فيها، أملا أن يُسهم ذا الجهد الأكاديمي في الكشف عن مكانة موريتانيا ضمن خارطة الأدب العربي.
تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة فصول رئيسية:
يتناول الفصل الأول البنية الجغرافية والتاريخية لموريتانيا، مع تحليل الأسس والعوامل التي أثّرت في تطور أدبها، فضلًا عن دراسة مكوناتها الإثنية وتنوّعها الثقافي.
أما الفصل الثاني، فقد خُصّص لتسليط الضوء على العوامل التي ساهمت في تشكيل البيئة الأدبية في البلاد؛ حيث تم التطرق إلى النشاطات الإعلامية والصحفية، والدور الذي قامت به الجمعيات الأدبية والثقافية، إلى جانب استعراض إسهام المحاضر بوصفها مؤسسات تعليمية تقليدية، وكذلك المدارس الحديثة، في نشأة الأدب الموريتاني وتطوره.
وفي الفصل الثالث والأخير، تمت دراسة الأجناس الأدبية السائدة في موريتانيا، من شعر ونثر، مع التعريف بأبرز رموزها وتحليل الموضوعات التي عالجتها نصوصهم. ونظرًا لاتساع هذا الحقل وندرة المصادر المتوفرة، فقد اكتفى البحث بإيراد نماذج مختارة من شعراء وكتّاب موريتانيين، مع تقديم لمحة موجزة عن حياتهم وأعمالهم.
وقد خلصت الدراسة إلى أن موريتانيا، رغم تأخّر دخول الطباعة إليها، وحداثة عهدها بالأدب المكتوب بعد الاستقلال، استطاعت خلال فترة وجيزة أن تشهد نهضة أدبية لافتة. فالشعر الذي نشأ ضمن إطار تقليد شفوي راسخ انتقل تدريجيًّا إلى دائرة التدوين، حتى أصبح من أبرز أشكال التعبير الأدبي، إلى جانب ظهور نصوص نثرية حديثة ذات قيمة فنية وفكرية.
تأسيسا على ما تقدم، فإن هذه الدراسة قد توخت أن تضع لبنة أولى في سبيل فهم موقع موريتانيا الأدبي داخل العالم العربي، وإبراز القيمة الحضارية لهذا التراث الثقافي. لتفتح السبيل أمام الأبحاث المستقبلية لتُسلّط مزيدا من الضوء على الجوانب الأقل شهرة في الأدب الموريتاني، لاستكناه مدى تطور الأجناس الحديثة، ولتوثّق الإنتاج الشفوي والمخطوط حتى يتحول إلى إنتاج مدوّن، الأمر الذي سيُسهم في توسيع دائرة المعرفة بهذا الأدب، حتى يتبوأ المكانة التي يستحقها في سجل الأدب العربي.
